عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
العم سام.. وحقوق الإنسان!

العم سام.. وحقوق الإنسان!

بقلم : هاني عبدالله

فى الديباجة «الرئيسية» لتقرير وزارة الخارجية الأمريكية الـ43 حول ملف حقوق الإنسان (الصادر قبل يومين- الأربعاء)، قال وزير الخارجية الأمريكى «مايك بومبيو»: 
[أقر مؤسسو الولايات المتحدة والمندوبون فى لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بأن الحريات الأساسية للدين أو المعتقد والتعبير والتجمع السلمى وتكوين الجمعيات ملك لكل إنسان.. وأنَّ الحكومات لا تمنح هذه الحريات؛ لكنها مستمدة من الكرامة المتأصلة فى الإنسان.. ولا يجوز تقييدها بشكل غير مبرر من قبل الحكومات؛ حتى لتعزيز بعض الأغراض الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية.. وأنها غير قابلة للتصرف].

وأضاف: إن تلك الدول ذات السيادة (التى لدينا معها التعاون الأوثق والأكثر ديمومة)، هى تلك التى تحترم فيها الحكومة عمومًا حقوق الإنسان، بما فى ذلك حريات: الدين أو المعتقد، والتعبير والتجمع السلمى، وتكوين الجمعيات، ولا تشارك فى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان مثل: القتل خارج نطاق القضاء، والتعذيب والاعتقال التعسفى الممتد.. وعلى العكس من ذلك، فإنَّ الدول التى تهدد الاستقرار الإقليمى، أو الدول الراعية للإرهاب، أو تلك التى أصبحت تدعو إلى تجنيد الإرهابيين بشكل دائم [تقريبًا]، هى الدول ذات الحكومات التى تفشل فى احترام الحقوق غير القابلة للتصرف لأولئك داخل حدودها.




أى أننا (انطلاقًا من العبارات السابقة) يُمكننا أن نقف على المحاور «الأساسية» التى تنظر من خلالها «إدارة ترامب» إلى الملف الحقوقى (بشكل عام)؛ إذ تحتل «حرية الاعتقاد»، ومُهددات الاستقرار الإقليمى، ورعاية الإرهاب، قمة الأولويات [المُعلنة] للإدارة الأمريكية الحالية (بينما تراجعت- نسبيًّا- ملفات أخرى كانت تستغلها إدارات سابقة داخل البيت الأبيض، فى سياق الضغط على الحكومات المختلفة).


وبمزيد من المباشرة.. يقول «بومبيو»، أيضًا: [تتمثل سياسة هذه الإدارة فى التعامل مع الحكومات الأخرى (بغض النظر عن سجلها)، إذا كان ذلك سيؤدى إلى تعزيز المصالح الأمريكية].

.. وهو ما يعنى– كذلك- أنَّ السياسة البراجماتية و«لغة المصالح»، التى تُعلنها بصراحة «إدارة ترامب» (أمريكا أولاً)، باتت أكثر تعبيرًا عن نفسها، خلال التعاطى مع ملف حقوق الإنسان (بشكل عام).. إلا أنَّ تلك السياسية (وإن كانت أكثر مباشرة، ووضوحًا)، فإنها لا تخلو- يقينًا- من محاذير متنوعة تقتضى التنبه والاستيعاب لمتغيرات تلك السياسة.. إذ على خلاف المتعارف عليه دوليًّا، وما اعتادت على توصيفه «الأمم المتحدة» كان أن تجاهل التقرير (على سبيل المثال) أن يُشير إلى كلٍّ من: الضفة الغربية، وقطاع غزة، ومرتفعات الجولان (السورية) بوصفها أراضٍ مُحتلة، ليرسخ توصيفها بأنها أراضٍ «تحت سيطرة إسرائيل» (!)

تل أبيب.. أولاً:


فور أن غيَّرت وزارة الخارجية الأمريكية وصفها المعتاد لمرتفعات الجولان من أنها أراضٍ «تحتلها إسرائيل» إلى أراضٍ «تحت سيطرة إسرائيل»؛ كان أن أبدى «الإعلام العبري» اهتمامًا [ملحوظًا] بلغة تقرير وزارة الخارجية الأمريكية (السنوى).. ونقلت «يديعوت أحرونوت» عن الصحفى الإسرائيلى «أميت والدمان» قوله: إنَّ مسئول بوزارة الخارجية الأمريكية، أوضح له أنَّ اللغة لا تعكس تغييرًا فى السياسة الأمريكية (على حد قوله)؛ إذ إنَّ التقرير ركز - فى المقام الأول - على حقوق الإنسان لا القضايا القانونية (!).. كما لم يُشر التقرير، أيضًا، إلى الضفة الغربية كأرضٍ محتلة.


رُغم أنَّ التقرير أتى بعد يومين، فقط، من دعوة السناتور الجمهورى «ليندسى جراهام»، الذى زار الجولان مع رئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو»، والسفير الأمريكى لدى إسرائيل «ديفيد فريدمان».. من أجل الضغط للاعتراف الأمريكى بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان (!)؛ إذ قال «جراهام»، حينها: [هنا .. من فوق جرف يطل على سوريا، حيث يمكن رؤية الأعلام السورية وهى ترفرف فوق المبانى التى لحقت بها الأضرار خلال الحرب الأهلية بالبلاد.. إنها فى يد إسرائيل.. وستظل دائمًا فى يد إسرائيل (!) ... و«هدفى هو محاولة شرح ذلك للإدارة»] (!)


إلى جانب تشابكات وتعقيدات ملف الصراع (العربى/ الإسرائيلى).. لم تكن تداعيات لغة الخصوم والحلفاء [فى السياسة الخارجية الأمريكية] بعيدة عن محتوى التقرير الأخير.. إذ احتل خلاله كلٌّ من: فنزويلا.. وإيران.. والصين، نصيبًا لا بأس به:

 فنزويلا.. إلى أين؟:


على إيقاع السياسة - أيضًا - كان أن دقت نواقيس «التقرير الأمريكى»، من فوق سهول «أمريكا اللاتينية»؛ إذ أشار التقرير إلى ما وصفه بعمليات القتل خارج نطاق القضاء فى فنزويلا (التى تُعد من خصوم واشنطن حاليًا)، وخنق حرية التعبير، والقيود المفروضة على المشاركة السياسية هناك.. وذكر التقرير أنَّ الانتخابات الرئاسية التى أجريت فى 20 مايو من العام 2018م، وأعيد خلالها انتخاب «نيكولاس مادورو»، كانت [معيبة للغاية]، وقاطعتها المعارضة.

وأشار التقرير إلى قضايا تشمل: «الفساد»، و«الإفلات من العقاب بين جميع قوات الأمن» فى فنزويلا وحكومة مادورو، و«الاتجار بالبشر»، إلى جانب أسوأ أشكال عمل الأطفال (!)


قبل هذا الأمر.. كان «بومبيو» قد أعرب خلال مقابلة له فى «هيوستن» عما اعتبره تدهورًا للموقف على الأرض.. وأنه بات مأساويًّا للغاية.. وأنَّ الظروف الإنسانية فى فنزويلا أصبحت سيئة للغاية.. «إذ بات لديك أشخاص يتضورون جوعًا، ولا يمكن أن يحصلوا على الدواء للمرضى» (!).. بينما قال السفير «مايكل كوزاك» (من مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل بوزارة الخارجية الأمريكية): «إنَّ وضع حقوق الإنسان فى فنزويلا أمر فظيع» ويزداد سوءًا.. وأنَّ رفض حكومة مادورو للمساعدات الطبية، والغذائية الأمريكية يزيد من تفاقمها (!)

 إيران.. من جديد:


فيما يتعلق بإيران، ذكر التقرير: «ظل سجل الحكومة الإيرانية فى مجال حقوق الإنسان ضعيفًا للغاية، وتفاقم فى العديد من المجالات الرئيسية».. إذ تم عرض قضية المحامية الإيرانية «نسرين ستوده» فى التقرير، وكيف أنه تم اعتقالها، على خلفية تمثيلها للنساء اللائى احتججن على قانون الحجاب الإلزامى فى البلاد (13 يونيو من العام 2018م)، بتهم تتعلق بالأمن القومى، وحُكم عليها بالسجن لمدة 38 عامًا، و148 جلدة فى 12 مارس من العام الجارى.


وقبل يوم واحد فقط من إعلان التقرير كان أن علَّقَ «روبرت بالادينو» (نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية) خلال مؤتمر صحفى، على هذا الأمر، قائلاً: «نحن غاضبون.. الأمر تجاوز الهمجية».. وفى هذا السياق، كان أن أشار التقرير إلى أنَّ هناك قضايا إعدام [من دون محاكمة عادلة]، وقتل تعسفى، واختفاء قسرى، وظروف مُهددة للحياة داخل السجون، واستخدام منهجى للاعتقال والسجن التعسفى، والتدخل غير القانونى فى الخصوصية، والقيود الشديدة على حرية التعبير.


 الصين.. عدو لا يسقط بالتقادم:


بالنسبة للصين.. ذكر التقرير أنَّ الحكومة كثَّفت (بشكل كبير) حملتها للاحتجاز الجماعى لأفراد جماعات الأقليات المسلمة فى منطقة شينجيانغ (ذاتية الحكم).. وقال «بومبيو»: [إن الصين «فى رابطة خاصة بها» عندما يتعلق الأمر بانتهاكات حقوق الإنسان].

وأضاف: «اليوم، يتم احتجاز أكثر من مليون من اليوغور، والأقليات الكازاخستانية، وغيرهم من المسلمين فى معسكرات إعادة التأهيل المصممة لمحو هوياتهم الدينية والعرقية.. كما تزيد الحكومة من اضطهادها ضد المسيحيين والتبتيين وأى شخص يتبنى وجهات نظر مختلفة عن هؤلاء أو يناصر هؤلاء من الحكومة - أو دعاة التغيير فى الحكومة».


وتشمل القضايا الأخرى: «الاحتجاز التعسفى» من قبل الحكومة الصينية؛ الاعتداء الجسدى على الصحفيين والمحامين وملتمسيهم وأفراد أسرهم وملاحقتهم قضائيا؛ وفرض قيود صارمة على الحرية الدينية؛ والإعادة القسرية لطالبى اللجوء إلى كوريا الشمالية ممن يتخوفون من الاضطهاد، وقمع حرية التعبير والدين والحركة وتكوين الجمعيات والتجمع فى التبت».

على خلاف التقرير تقول الصين: إنها تدير برنامج إزالة التطرف، وأن المعسكرات عبارة عن مراكز تدريب مهنى لتعليم الناس القانون.. كما أعربت «السلطات الصينية» عن أنَّ المعسكرات فى شينجيانغ «ستختفى تدريجيًا».

.. إلا أن «إدارة ترامب»- وفقًا لما كشف عنه «بومبيو» بنفسه- تدرس فرض عقوبات على المسئولين الصينيين الضالعين فى الانتهاكات الحقوقية ضد الإيجور فى شينجيانغ.

عبر مساحات [ممتدة] داخل التقرير (نحو 47 صفحة) يُمكننا أن نلحظ- كذلك- احتلال الدفاع عن قضية «المثلية الجنسية» لمساحة بارزة من جدول أعمال وزارة الخارجية الأمريكية.. إذ فى كثير من الأحيان (خصوصًا عند الحديث عن دول العالم الإسلامى)، كان أن مثَّلت تلك القضية نوعًا خاصًا من الانتقادات الموجهة لتلك البلدان (رُغم الاختلافات الثقافية بين البيئتين الأوروبية والإسلامية).

ومع ذلك.. امتدَّ هذا الاحتلال المتقدم لتلك القضية على جدول أعمال «إدارة ترامب»، نحو العمق الأوروبى ذاته.. إذ ذكر التقرير فى الجزء الخاص باليونان (على سبيل المثال): كان تجريم التشهير والادعاءات برد طالبى اللجوء، والفساد، والعنف الموجه ضد المثليين، واللاجئين من النساء والأطفال، أهم الانتهاكات الحقوقية المسجلة فى اليونان خلال العام 2018م.. كما تتسع «الأجندة الأمريكية» ذاتها (وفقًا لعدد من إشارات التقرير) إلى ملفات ارتباطية أخرى، مثل: «الجنسانية»، و«الإجهاض» (!)

ومع ذلك.. يبقى ملف «حقوق الإنسان» فى الأغلب (سواء أكانت الإدارة ديمقراطية أم جمهورية) رهنًا لأجندات البيت الأبيض السياسية (!)
 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز