عاجل
الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
إفريقيا 2

إفريقيا 2

بقلم : طارق رضوان

عبر زمن طويل طويل. عانت أفريقيا كما لم تعان قارة من قبل. ولاقت شعوبها من العذاب والدمار والاستغلال ما لم تتذوقه شعوب غيرها عبر العالم. ولأن مصر بتاريخها وجغرافيتها قطعة من أفريقيا كان لابد أن تقدم يدها لتتحالف وتساعد وتدعم وتساند لتخرج دول القارة من كبوتها. فاقت مصر أخيرًا من سباتها العميق وانتبهت لأهمية أفريقيا. فكان اتجاه الرئيس السيسى نحو أفريقيا بداية لعودة مصر لقارتها بعدما انعزلت وابتعدت سنوات طويلة دفعت ثمنها غاليًا.



كبيرة تلك القارة وغنية بمواردها. ورغم النهب المنظم من قوى الغرب. فإنها مازالت غنية ولديها الكثير من الموارد التى لا تنضب. لذا فهى أرض صراع مستمر. أرض يتنازع عليها كل القوى فى العالم. وفى آخر الأمر تدفع الشعوب الأفريقية الثمن. والثمن هو عادة حياة شعوبها واستقرارهم ومستقبل بلادهم. شكلت المعاناة روح أفريقيا وشكلت ثقافتها وحضارتها.

وذلك بفعل تجارب عدة. الغزو وتجارة الرقيق والتحرر والتفرقة والتمييز العنصرى ووصول المعرفة بالقراءة والكتابة والمسيحية والإسلام والمحو الثقافى والنزوح. كان بعضها نافعًا وأحدث ثورة فى طريقة العيش. وكان الكثير مدمرًا.

مست هذه التجارب جميعها الروح الأفريقية وشكلتها وربما تكون شدة وتكرار واستمرار هذه التحديات السبب فى أنه كان من الصعب على الروح الأفريقية أن تتغلب عليها مقارنة بالشعوب الأخرى التى مرت باضطرابات مماثلة. وغالبًا ما أخفقت القيادة الأفريقية فى مساعدة شعبها على التعامل مع تأثير هذه التجارب. وبدلا من ذلك مالت تلك القيادات إلى إنكار حدوثها على الإطلاق. ونظرًا إلى أن أفريقيا لم تكن لديها ثقافة مكتوبة. فقد كان من السهل الترويج لثقافة النسيان. نسيان ما قد مضى من آلام. كان أوضح تعبير على تلك الآلام ما فعله الزعيم الغانى كوامى نكروما أول رئيس لدولة غانا بعد الاستقلال.

حيث وقف الرجل أمام شعبه مخاطبًا وقال هل تدرون ماذا فعل بنا الاستعمار؟ تحشرج صوت الرجل وراح يبكى وانخرط الشعب كله أمامه بالبكاء. فعلى مدى خمسة قرون ظل العالم الخارجى يخبر الأفارقة من يكونون بطريقة تشبه ما حدث لسكان البلاد الأصليين فى أستراليا وسكان أمريكا الشمالية المحليين وسكان الأمازون الأصليين. فقد قيل للأفارقة أن مجتمعاتهم متخلفة وعاداتهم الدينية آثمة وممارستهم الزراعية بدائية وأنظمتهم فى الحكم غير مناسبة ومعاييرهم الثقافية همجية. كان اتهام الغرب لأفريقيا بتلك العادات مستمرًا ومتكررًا بانتظام لخلق مناخ عام لدى الأفارقة بأنهم أقل حضارة وإنسانية عن العالم. وقد ساعد ذلك المناخ عود جديد للمستعمر الغربى بطريقة جديدة. لقد ظلت أفريقيا خانعة زمنًا طويلاً جدًا. سواءً أثناء تجارة الرقيق المجردة من الإنسانية تحت حكم الاستعمار. أو استجداء المساعدة من المجتمع الدولى. أو دفع ديون غير شرعية الآن. أو الصلاة من أجل المعجزات.

فمن المؤكد أن سوء القيادة الذى اجتاح أفريقيا بعد الاستقلال أخر كثيرًا من تقدمها. وساعد بشكل كبير لمزيد من المعاناة والألم، فلاقت الشعوب التى كانت تحلم بالاستقلال والحرية مستعمرًا آخر من الداخل هذه المرة. استعمار من فئة حاكمة مستغلة وديكتاتورية نهبت موارد البلاد ونهبت أحلام شعوبها. فانخرطت معظم دول القارة فى حروب أهلية وصراعات حدود وتفرقة عنصرية واستنزاف ثروات. لكن تلك القيادات ليست بدعة أفريقية أو واقعًا أفريقيا منفردًا. فالمستعمرون والمستبدون ومنتهكو حقوق الإنسان يمكن العثور عليهم عبر التاريخ. وفى العصر الحديث نجد أن الأنظمة الديكتاتورية والأوليجاركية «حكم القلة» والكلبتوقراطية «حكم اللصوص»  وذوى النفوذ قد أفسدوا الكثير من دول العالم مثلما فعلوا فى أفريقيا. لقد خانت هذه الأنظمة الحاكمة طموحات شعوبها وانتهكت حقوقها باستخدام  ما لديها من حصانة ونهبت خزائن البلاد ومواردها وغالبًا ما أقحمت مواطنيها فى حروب خاسرة سواء كانت حروبًا أهلية أو عبر الحدود.

ويتساءل الكثيرون ممن يعنيهم مصير أفريقيا عن السبب وراء معاملة الكثير من القادة الأفارقة ما بعد الاستعمار لمواطنيهم بمثل هذه القسوة ولماذا لا يزال عدد كبير جدًا من البلدان الأفريقية بعد قرابة قرن من الاستقلال نماذج للفشل والفقر وسوء الأداء الوظيفى وسوء الحكم. وكما هى الحال مع كثير من القضايا المرتبطة بالأوضاع فى أفريقيا. يمكن الإجابة ببساطة على تلك الأسئلة إلى عدد من العوامل التى توضح السبب وراء استمرار العجز الملحوظ فى القيادة لدى القارة. من بين تلك العوامل إرث الاستعمار والحرب الباردة وهياكل الحكم ما بعد الاستعمار والتدمير الثقافى. إلا أن تطور الشعوب والانفتاح على العالم ووجود كم كبير من أبناء القارة تلقوا تعليمًا غربيًا حرًا بدأ التغيير يلاحظ فى كثير من الدول الأفريقية. استطاعت أن تشق طريقها تاركة الماضى الأليم وراءها تنظر إليه فى غضب.

واستطاعت أن تمر من أهوال الماضى بقوة وإصرار. بدا ذلك واضحًا فى رؤساء الدول الأفريقية الحاليين إجمالاً حيث لوحظ فيهم تحسن عمن سبقوهم فى العقود الأربعة الماضية. وقليلون هم القادة الأفارقة الذين يجرؤون اليوم على أن يكونوا أوتوقراطيين كأسلافهم. وتقريبًا فى جميع دول أفريقيا زاد الحيز الديمقراطى وصارت حركات المعارضة أقوى مما كانت عليه. وتخضع تصرفات المزيد من القادة أكثر من أى وقت مضى فى أفريقيا ما بعد الاستقلال للتدقيق أو المراجعة من قبل مجتمع مدنى حى ورفيع الثقافة وصحافة  أكثر تحررًا ونشاطًا. بالإضافة إلى ذلك فالمزيد من رؤساء الحكومات تكون مدة شغلهم للمنصب مقيدة بشروط وانتخابات محددة. وفاقت شعوب تلك الدول من غفلتها ومن حروبها الداخلية ومن نزاعاتها الإقليمية ونزاعاتها العرقية وأصبحت على الطريق لبناء دول متقدمة تستطيع الاستفادة من مواردها وتنهى استغلال المستعمر القديم وتقيم نظامًا تعليميًا وتثقيفيًا ينهض بشعوبها. ولكى يستمر التقدم لابد لجميع الأفارقة فى القمة والقاع على حد سواء تغيير العقلية التى تؤثر على الكثير من الشعوب المستعمرة فى كل مكان. لابد لهم من أن يستعيدوا إيمانهم بأنفسهم وبأنهم قادرون على شق طريقهم وتشكيل هويتهم الخاصة وأن لهم الحق فى أن تحكمهم العدالة والمسئولية والشفافية وأنهم قادرون على احترام وممارسة ثقافتهم وجعلها وثيقة الصلة باحتياجاتهم اليوم وبأنهم لم تعد لديهم حاجة إلى أن يكونوا مدينين ماليًا وفكريًا وروحيًا لأولئك الذين حكموهم ذات يوم. ولابد لهم من أن ينهضوا ويسيروا فى طريقهم. وفى مواجهة هذه التحديات يجب أن تكون البيئة فى صميم كل القرارات التى تتخذ.

لا يمكن لأفريقيا أو العالم أن يتحمل استمرار القارة فى أن تكون قاعدة الموارد الوحيدة للتصنيع والتنمية فى البلدان الواقعة خارج حدودها سواء فى أوروبا أو الأمريكتين أو آسيا.الطريق مازال طويلاً أمام أفريقيا للتخلص من ماضيها ومن مستعمريها ومن بعض نزاعاتها المدفونة تحت صحرائها وغاباتها التى يمكن بشرارة واحدة أن تنفجر فى أى وقت. لكن القارة عازمة على التقدم.

تمد يدها إلى كل مخلص يريد الخير لها دون استغلال. ومصر بتاريخها النبيل ونظافتها السياسية هى أفضل وأهم الدول التى تساند القارة العفية فى تقدمها. وهو ما يسلكه الرئيس عبد الفتاح السيسى بانفتاحه على القارة كلها وتقديم يد المساعدة المخلصة دون استغلال كما يفعل الغرب. المستقبل كله لأفريقيا. ولا مستقبل لها إلا بمصر.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز