عاجل
الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
ماكينة الشائعات ودفاعات الوعي

ماكينة الشائعات ودفاعات الوعي

بقلم : أيمن عبد المجيد

للأسف الشديد، ماكينة صناعة الشائعات، تعمل على مدار الساعة، تسري عبر وسائل التواصل، كـ"النار" في الهشيم، تقفز من شاشات الموبايلات، والكمبيوتر، عبر عيون مستخدميها، لتستقر في جماجمهم، صانعة وعيًا زائفًا، وحالة مزاجية محبطة، وفي أحيان كثيرة محركة لسلوك هدام



شائعة اختفاء واغتصاب وقتل فتاة بجامعة أسيوط، نموذج كاشف، وما أسفرت عنه الشائعة من تأثير انعكس على السلوك، في شكل مظاهرات بالجامعة، تضامنية، وحملات "فيس بوك"، تتباكى على ضحية وهمية.

تلك الشائعة، توّلت ماكينة الخراب تدويرها، ونشطت ميليشيا إلكترونية إعادة إنتاجها، ومواقع إلكترونية تلقفت بوستات من موقع "فيس بوك"، ضمنتها تقاريرها، لإضفاء جانب من المصداقية، لإحكام حلقة الخداع.

تلك الواقعة، النموذج، تشير إلى عدة مؤشرات غاية في الأهمية، يجب ألا تمر دون دراسة وفحص، ومواجهة علمية:

أولًا: بات لا مجال للشك، في أن مدفعية ثقيلة، في حرب الجيل الخامس، تقصف الجبهة المصرية، بذخيرة الشائعات، مستهدفة الجماجم، لتدمير ما بداخلها من عقول ومساحات للوعي.

ثانيًا: هذه الأسلحة الحديثة، تتناثر شظايا داناتها، وقنابلها، عبر شبكات الإنترنت، تصيب الشباب، في عقر دارهم، وفي غرف نومهم، لا يحول دونها حرس حدود، ولا دفاعات جوية.

ثالثًا: المستهدف من القصف العدائي، تدمير الوعي الجمعي، والروح المعنوية، وتأليب الرأي العام، ضد مؤسسات الدولة، وإحداث شروخ في جدار الثقة، لتردد الألسنة عبارة: لا فائدة.. أملًا في أن يتحول الشعب ذاته لمعوق، لمحاولات النهوض والإصلاح.

المستهدف: هو تحطيم الأمل في مستقبل أفضل، إشاعة روح الإحباط واليأس، عبر موجات لشائعات يومية، تعكر المزاج العام، تربك الأسرة، النواة الأولى للمجتمع، لتمزيقه.

رابعًا: في الشائعة الأخيرة، التي ضربت مؤسسة تعليمية، جامعة الأزهر بأسيوط، يستوجب ملاحظة الآتي:

أ- تعكس التغير النوعي لدى صانعيها، فقد استهدفت مؤسسة تعليمية، لا وزارات أو قرارات حكومية.

ب- شائعة مركبة، لمضاعفة الأثر النفسي على المتلقي، خطف، اغتصاب، قتل، ثلاث جرائم، مزعومة.

ج- اختيار جغرافيا الحادث، أسيوط، صعيد مصر، ونوع الجامعة الأزهر الشريف، والمدينة الجامعية، ليس من قبيل صدفة، بل جميعها تشير لحرفية صانعيها.

فجرائم الشرف أكثر أثرًا على نفوس المصريين، عامة، وتقابل برد فعل سريع في الصعيد خاصة، فضلًا على أن المجتمع نُسبت الشائعة حدوثها به، مدينة جامعية بنات، هذا يسهل سرعة انتشارها، بينهن من جانب، ويخلق مساحات واسعة للتأثير السلبي، لدى عشرات الآلاف من الأسر، التي سينتابها القلق على بناتهن في السكن الجامعي.

د- الانتقال بالشائعة، من القصف المركزي، إلى الأقاليم، للانتشار العكسي، لمضاعفة الوقت بين إطلاقها، ورد الفعل، لصالح انتشار الشائعة، لعدم خبرة الإدارات بالأقاليم في إدارة الأزمات، ومحدودية الكادر الإعلامي الإقليمي المحترف.

خامسًا: هذه العقول الإرهابية، ومن خلفها المخابرات المعادية، تستخدم أسلحة أكثر فتكًا، وأقل كلفة، بما يجعلنا أمام تحديًا كبيرًا، يستوجب بناء دفاعات، تواكب تطورات حروب الجيلين الرابع والخامس:

أ- بناء حصون الوعي الجمعي، لحماية جماجمنا، من قذائف الشائعات.

ب- تبدأ حصون الوعي، بالتعريف بطبيعة العدائيات الجديدة، وتلك الأسلحة، المدمرة بلا انبعاث حراري، ولا صوت، ولا رائحة بارود، ولا دمار مادي، فالشظايا تتسلل عبر العيون المحدقة في الشاشة، إلى العقول، كالسم الذي ينتقل في عصير منعش، من الفم للمعدة، فما تلبس أن تستطعم المذاق، حتى تشعر بتمزق أحشائك.

ج- بناء حصون الوعي، ترتفع وتقوى، بخلق عقل جمعي ناقد، لا يستقبل أي شيء على أنه بديهيات ومسلمات وحقائق، بل يقرأ ما بين السطور ويعمل التفكير، قبل أن يسهم بلسانه أو أصابعه في خلق موجة انشطارية جديدة، لقذيفة الشائعة ملقيًا بها بلا وعي، على أصدقائه ومحيطه، بكلمة أو شير على "فيس بوك".

د- يتطلب ذلك خطط مواجهة، قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، الأخير منها يتعلق بمنظومة تعليمة تنويرية، تخلق عقولًا قادرة على مواجهة تحديات أجيال الحروب الحديثة.

سادسًا: تتطلب المواجهة إعادة النظر في منظومة الإعلام وإدارة الأزمات، وتنقسم إلى شقين:

الأول: يجب تأسيس إدارة إعلام، احترافي، واعٍ، مدرك لطبيعة التحديات، بكل مؤسسة تعليمية كانت أو حكومية أو مجتمع مدني كالنقابات، ترصد بدقة كل ما يثار عنه مجال نشاطها، واهتمامها، وتتعاطى معه على وجه السرعة، لقتل الشائعة في مهدها، قبل تفشي أثرها.

- يكون من ضمن مجال اهتمام تلك الإدارات، تنظيم أنشطة تثقيفية، وتوعوية، لأبناء المؤسسة، بطبيعة التحديات، والعدائيات، للمساهمة في بناء حلقات وعي مؤسسية، تتشابك مع انتشارها وتحولها لسياسة عامة، في شكل قلاع وحصون وعي دفاعي.

- يكون من بين اهتمامات إدارة الإعلام الاحترافي، المقترح بكل مؤسسة، تنظيم فعاليات، تنمية الفكر الابتكاري، لأبناء المؤسسة، وتلقي المقترحات، والشكاوى، للاستفادة منها، في إصلاح المشكلات، والتطوير.

- تهتم أيضا تلك الإدارات، بالأنشطة الاجتماعية، والترفيهية، والتحفيز، بتكريم المتميزين، وأصحاب العطاء والإنجاز، ومن انتهت خدمته، بالمعاش، ورعايتهم، تلك الروح تخلق مصدات قوية، تعوق إحداث الشروخ المجتمعية، التي يستهدفها العدو.

- إعلاء قيمة الكفاءة هو الحل، كفى استعانة بغير المؤهلين، تحت مسميات مستشار إعلامي، ومتحدث رسمي، لمجرد أنه على علاقة سابقة بالمسؤول الذي شغل منصبًا في جامعة أو مؤسسة، نحتاج إدارات علمية إعلامية، احترافية، مدربة ومؤهلة، لمواجهة الحروب الحديثة.

الثاني: وسائل الإعلام والإعلاميون المحترفون

١- يقوم الإعلام بالأساس على الكادر البشري، صانع الرسالة الإعلامية، والملاحظ، أن الإعلام بات مهنة من لا مهنة له، وعلى نقابة الصحفيين- وأنا أحد أعضاء مجلسها- أن تنتبه لذلك الخطر، وتعمل على وضع ضوابط حاكمة جامعة مانعة، لمن هو الصحفي.

وعلى نقابة الإعلاميين، أيضا التي طال انتظارها، أن تُشعرنا بآثارها على أرض الواقع، فهناك من يعتلي منصات الإعلام، لا علاقة له بالمهنة، سواء علميًا، ولا محتوى، يكفي أن يشتري وقتًا، ويصطاد ضيفًا، يدفع مقابل الظهور، ليقول ما يشاء، ويُشيع ما يخدم مصلحته، في قنوات بير السلم.

في محافظات مصر، عدد محدود من الصحفيين، المحترفين، النقابيين، وأعداد مضاعفة، من منتحلي الصفة، الذين لا تربطهم أي صلة بمهنة الصحافة، سوى كتابة لفظ صحفي، على حساباتهم الشخصية، هؤلاء، غير مؤهلين، يتم استغلالهم، بتضليلهم، لإعادة نشر شائعات، والنقل عنهم بزعم أنهم صحفيون، لإكساب الشائعة مصداقية.

- ومن المهم أن تنشغل المؤسسات الإعلامية، ونقابة الصحفيين، بتدريب الكادر الإعلامي، بالأقاليم، وأن توفق المؤسسات أوضاع المحترف منهم، وتمنحهم حقوقهم، وأن تتحمل النقابة مسؤولية ردع منتحلي الصفة.

- والأهم، هو التطوير المهني، والتوعية، والتعريف بأساليب التحقق من المعلومات، فقد بات وقوع بعض شباب المهنة في فخاخ النقل عن السوشيال ميديا، كمصدر، أمر متكرر، فهم ينقلون الشائعات، عبر وسائل إعلام، فيغلفها ذلك بمصداقية زائفة، وشائعة المرشح المتوفى لوزارة النقل ليست ببعيدة.

- المسؤولية، كبيرة، ومشتركة، تتحمل جزءًا منها الجهات مالكة المعلومة، سرعة التعاطي مع الإعلام، وتدفق المعلومات، وعلى الطرف الآخر تطوير الإعلام لأدواته، وبناء كوادره، ومواجهة منتحلي الصفة، والمساهمة مع إدارات الإعلام المقترحة، والمنظومة التعليمية في بناء حصون وعي، قادرة على حماية عقلنا الجمعي، ما يُحاك لنا.

لا مجال للتباطؤ، فالحرب تدور رحاها، ولا سبيل إلا بمنهج علمي، وتطبيق سريع وعملي، لعلاج ثغرات، وبناء دفاعات وعي تلائم، مستجدات الأسلحة الفتاكة الصامتة، عابرة الحدود إلى غرف النوم، إلى غرفة الجمجمة، حيث مركز الوعي، والتحكم في نفسية وسلوك الإنسان.

حفظ الله مصر، وشعبها، والبشرية جمعاء، من شياطين الإنس.

 

[email protected]

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز