عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

وانقطع الحكّي.. الموت يغيب "شهرزاد الصحافة"

وانقطع الحكّي.. الموت يغيب "شهرزاد الصحافة"
وانقطع الحكّي.. الموت يغيب "شهرزاد الصحافة"

كتب - عبد الحليم حفينة

فتاة صغيرة على أعتاب سن الشباب، روحها محملة بالأماني والأحلام، ترتدي زي المدرسة الثانوية وتتجول بشغف وانبهار داخل مجلة "روز اليوسف"، كانت الزيارة الأولى لها بعد أن مرت عليها فاطمة اليوسف بالمدرسة لتأخذها إلى المجلة بسيارتها، فتشاهد لأول مرة مكتب الأديب إحسان عبد القدوس، الذي تضربه العشوائية وتتناثر أكوام الكتب والكراكيب فيزدحم بها المكتب الذي يليق بكاتب ومفكر لا يعبأ سوى بالإبداع.



 كان إحسان وقتها رئيسًا للتحرير، بينما كانت فاطمة اليوسف رئيس مجلس الإدارة، وربما لم تدرك "مديحة عزت" حينها عظمة اللحظة، وشغلتها أحلامها الصغيرة عن جلال الموقف، الذي نستعيده الآن من ذاكرة صاحبة الجلالة.

لم تكن قد بلغت السابعة عشرة عامًا من عمرها عندما رأتها السيدة فاطمة اليوسف للمرة الأولى عام 1952 في إحدى المناسبات العائلية، أبهرتها لباقة الفتاة الصغيرة وجرأتها، وهي تتابع حوارها مع ابنها الأديب إحسان عبد القدوس، دخلت مديحة في نقاش مع إحسان حول رواياته، وتسأله عن روايتي صانع الحب وبائع الحب، وتستنكر أن يصنع الحب أو يباع، فتطلب منها فاطمة اليوسف على الفور أن تعمل معها في المجلة، ويوافق والد مديحة عزت الذي كانت تربطه بفاطمة اليوسف علاقة صداقة، فلم يكن يستطع أن يرفض لها طلبًا.

 ومن هنا بدأت رحلة حكّي "شهرزاد الصحافة" من " مجلة روز اليوسف" عن "صاحبة الجلالة" وعن الساسة والفنانين الذين بالضرورة قد مروا يومًا على "روز اليوسف"، فبقيت حكايات كل من مرَّ من هنا عالقة بذاكرة "شهرزاد الصحافة" الراحلة العزيزة مديحة عزت.

رفيقة الأم والابن

بدأت مديحة عزت عملها سكرتيرة بمكتب إحسان عبد القدوس، فكانت شاهدة على أكثر الفترات أهمية في تاريخ مصر، فتقول الراحلة في أحد الحوارات التي أجرتها معها الزميلة سامية صادق الصحفية بمجلة روز اليوسف"أستطيع أن أقول إن الثورة قامت من روزاليوسف، وفي عام 1952 حين كنت أعمل سكرتيرة لإحسان كنت أشاهد جمال عبدالناصر وخالد محيي الدين وزكريا محيي الدين ويوسف صديق وأحمد أبو العلا ومصطفى لطفي مدير إدارة الأسلحة والذخيرة يحضرون كل يوم ويمضون مع إحسان ما يقرب من 3 إلى 5 ساعات" ومثلما عايشت علاقة ثورة يوليو الطيب بإحسان، كانت شاهدًا أيضا على كل الإضطرابات التي عصفت بتلك العلاقة من التطورات التي حدثت بعد ذلك من قانون الرقابة على الصحف وتأميم "روزاليوسف"، فكانت عين على صناعة التاريخ وذاكرة حيّة لكل ما يدور حولها.

وعن علاقة مديحة عزت بالسيدة فاطمة اليوسف تقول "عزت" عن علاقتهما في أحد مقالاتها فتقول، "هذه السيدة العظيمة التي لم أحب بعد أمي أمًا غيرها، كانت عندي أعز وأحب من عاشرت.. كان فارق السن بيننا كبيرًا، ولكن التفاهم والتقاء الأرواح قريبًا جدًا، صادقتها كما لم أصادق أحدًا قبلها ولا بعدها كانت ترتاح لي وأرتاح معها كنت ألتقط ما تريد أن تقول قبل أن تنطق وكانت تقرأ ما في نفسي مجرد أن تلقاني.. علمتني الكثير واختصتني بأدق ذكرياتها".

ولمكانة مديحة عزت الكبيرة عند "فاطمة اليوسف"، أعطتها أوراق خاصة عن حياتها لتكون مرجعًا لها عند الكتابة عنها تحتوي على صور لها من وقت عملها ممثلة بالمسرح، وظهرت الراحلة في فيلم تسجيلي تحكي عن حياة "روز اليوسف" منذ وصولها الإسكندرية حتى آخر لحظات من حياتها؛ حيث أبت أن يراها أحد في لحظات الاحتضار، وتقول إن "روز" طلبت منها الذهاب إلى سينما ريفولي من 9 إلى 12 مساءً، إلا أن بعد دقائق معدودة من دخولهما صالة العرض، هبّت "روزاليوسف" فجأة وخرجت دون أن تعلم "عزت" إلى أين وجهتها، استقلت تاكسي وعادت لمنزلها، لتعود إلى فراشها وترقد فيه، تودع الحياة في هدوء دون أن يرى أحد لحظات احتضارها وأنين الوداع.

ظلت "شهرزاد الصحافة"، حتى أيامها الأخيرة تحافظ على طقس الكتابة، فلم ينقطع مداد قلمها حتى وهي في العقد التاسع من عمرها، تشتبك مع قضايا الساعة وتطرح رؤيتها من معين الحكمة والخبرة، وتهبنا الحكايات عبرّ بيتها "مؤسسة روز اليوسف"، فيتشكل وعي الأجيال عن زمن لم يعش تفاصيله وأسراره الكثيرين، والأهم لم نجد من يرسم لنا حكايات الماضي بصدق وخفة ورشاقة في السرد مثل الراحلة "مديحة عزت" التي لقبها الكاتبين الكبيرين إحسان عبد القدوس وعبد الرحمن الشرقاوي بـ"شهرزاد الصحافة"، وبرحيلها ينقطع الحكي الذي طالما أمتعتنا به، ولا يسعنا في يوم رحيلها المهيب إلا أن نبعث إلى روحها الطاهرة بأشعار عمر الخيام الذي سبق أن أهدتها يومًا في أحد مقالاتها لروح روزاليوسف وابنها إحسان:

يا ثرى كم فيك من جوهر

يبين لو ينبش هذا التراب

نفس خلت من أنسى تلك الصحاب

لما غدوا ثاوين تحت التراب

وإليكم الحب كله وتصبحون على الحب     

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز