عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

"حسن طوبار".. أول مليونير مصري لقن الفرنسيين درسًا في المقاومة الشعبية

"حسن طوبار".. أول مليونير مصري لقن الفرنسيين درسًا في المقاومة الشعبية
"حسن طوبار".. أول مليونير مصري لقن الفرنسيين درسًا في المقاومة الشعبية

الدقهلية - مي الكناني

حالة من الفرحة تعيشها أسرة المجاهد الراحل حسن طوبار، بعدما انتصرت معركتهم التي خاضوها منذ سنوات طويلة، بهدف ترميم مقبرته، وإنشاء متحف أو ضريح يذكر الأجيال القادمة بما فعله شيخ المجاهدين، وحصلوا على موافقة محافظ الدقهلية بترميمها.



لم يكن طوبار مواطناً عادياً، فبجانب كونه أول مليونير مصري إبان الحملة الفرنسية، وأغنى شخص في المنطقة العربية حينذاك، فكانت له مكانة شعبية كبيرة ونفوذ قوي بين الصيادين، حتى أطلق عليه "شيخ إقليم المنزلة"، ولقن الفرنسيين درسًا قاسيًا في المقاومة الشعبية.

تناول مؤرخون فرنسيون قصة مقاومة طوبار للحملة، من بينهم "ريبو"، والذي قال في كتابه "تاريخ الحملة الفرنسية في مصر"، إن الجزر التي كانت تجاور بحيرة المنزلة يسكنها قوم أشداء ذو نخوة ولهم جلد وصبر، وأشد بأسا وقوة من سائر المصريين، وأغنياء بما ينالوه من الصيد، ولهم في البحيرة 600 مركب، و40 رئيسا جميعهم يتبعون حسن طوبار، وهو الزعيم الأكبر لهذه المنطقة.

كان طوبار كان واسع الثروة، محبوبا من سكان إقليمه، ولديه أسطول صيد يضم 1000 مركب، وذلك حسب تقدير بعض المصادر الفرنسية، وقال الفرنسي "نقولا الترك" إنه يصل ل 5 آلاف مركب، وعدد لا بأس به من مصانع نسج القطن والمتاجر، ومساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، وقدر الجنرال لوجيه ثروته بـ 5 ملايين فرانك، ليكون الأغنى.

وحسبما ذكر كتاب "قصة الثروة في مصر" للدكتور ياسر ثابت، فإن إسم عائلة "طوبار" مأخوذ من جزيرة طبرة على بحيرة طبرية بالشام، والتي نزحوا منها ونزلوا على شاطئ بحيرة المنزلة، وأقاموا بجوار منزل الشيخ أبو نصر شهاب الدين شريف، وكان من قضاة الإقليم، ثم تصاهروا معه وبنوا بيتا عرف بالبيت الكبير، قبل أن يبني شلبي طوبار القصر المعروف باسمه، واشترت العائلة بعض أملاك الأمير محمد الشوربجي الشهير بالأمير محمد بن حسون، وكانت تعرف المنزلة باسمه "منزلة حسون".

لم يقف طوبار مكتوف الأيدي وهو يرى الفرنسيون يدخلون بجيوشهم مصر، ويفرضون سيطرتهم عليها، وشرع في مقاومتهم من بداية الحملة، وكان يذهب بنفسه للبلاد والقرى يحرض أهلها على الحرب، ويطمئن على وسائل الدفاع، وجهز من ماله الخاص الأسطول البحري الذي حارب الفرنسيين في البحيرة، وأوشك على إخراجهم من دمياط.

 

 

وتناول ثابت في كتابه، شروع قادة الحملة في التخلص من الزعيم، لكنهم لم يتمكنوا لمكانته عند قومه، فأرادوا أن يستميلوه إليهم، خاصة وأن نابليون أدرك أهمية وأبعاد المركز الإقليمي الذي كان يسيطر عليه، إذ تحكمه الممرات المائية بين البحر المتوسط وبحيرة المنزلة، وكان كفيلًا بتسهيل مرور السفن العثمانية لدخول مصر حال اتفاق رجال السلطان العثماني مع طوبار.

عُين الجنرال "فيال" حاكمًا على دمياط، وأرسل سيفا مذهبا لطوبار، الذي سخر منه ورفض مقابلته، وقال إنه لا يريد مقابلة أحد من الفرنسيين، وامتنع عن قبول الهدايا الثمينة التي أرسلها له بونابرت.

ويحكي المؤرخ عبدالرحمن الجبرتي، كيف كان حسن طوبار يشعل الثورة في مختلف البلاد الواقعة بين دمياط والمنزلة والمنصورة، وبينما كان يثير الأهالي في بلاد البحر الصغير، فكان يجمع مراكبه في بحيرة المنزلة لمهاجمة دمياط وتخليصها من يد الفرنسيين.

وفي 1798، أعد طوبار أسطولا بحريًا للهجوم على الحملة، واتفق حينها مع أهالي دمياط، وبدأ الطرفين الهجوم، والتقوا في قرية غيط النصارى، ثم ساروا إلى دمياط، وشنوا هجوماً على الحامية الفرنسية في 16 سبتمبر 1798، واشترك فيها أهالي القرى المجاورة، ونجح الثوار في قتل الحراس الفرنسيين في المواقع الأمامية للمدينة، لكن لعدم تكافؤ الأسلحة والتنظيم، تقهقر المهاجمون إلى قرية الشعراء، واتخذوها معسكرًا لهم.

وفي 20 سبتمبر، تقدم الفرنسيون للاستيلاء على قرية الشعراء، ونجحوا في ذلك، وتفاقمت الثورة في البلاد الواقعة بين المنصورة ودمياط، وتعددت حوادث مهاجمتهم للسفن الفرنسية الناقلة للجنود في النيل، ما دفع الفرنسيون للتنكيل بالبلاد التي هاجمت السفن، كما حدث في ميت الخولي، حيث اعتدوا على الأهالي، واستولوا على ما بها من مواشٍى وطيور وحُلي.

كما ذكر الجبرتي أن معركة أخرى جرت بزعامة حسن طوبار في بلدة المنية غربي دمياط، وقاتل فيها الثوار قتالاً شديداً، حتى أرسل الجنرال "دونجا" يدعو زعيمها للصلح، لكنه أبى.

شدة قتال طوبار جعل نابليون يدرك أن المجاهد لن يخضع إلا بالحرب، ولن يكون له سلطان على بلاده في هذه المنطقة، ولن تنتهي مقاومة أهلها وثوراتهم على جنوده إلا بالقضاء عليه، فأمر قائد الحملة الفرنسية بتجهيز حملتين كبيرتين، أحدهما برية والأخرى بحرية لمهاجمة المنزلة.

وبدأ الجنرال "دونجا" تنفيذ الخطط العسكرية المكلف بها، فعهد إلى الجنرال "أندريوسي" أن يذهب للمنزلة عن طريق البحيرة، فيما يسير الجنرال "داماس" لها برًا، وبعد جهد كبير، نجحوا في دخول المنزلة في 6 أكتوبر 1798.

غادر طوبار المنزلة ومعه معظم أهلها إلى غزة، لإعادة تنظيم حركة المقاومة وتجهيزها لاسترداد البلدة، ودخلها "داماس" ووجدها خالية إلا من شيوخ وعجائز النساء، فاحتلها بعد أن فوت عليه حسن طوبار والأهالي فرصة الانتقام منهم وزعيمهم.

أصيب الفرنسيون بدهشة حينما رأوا قصور حسن طوبار نظرًا لجمالها واتساعها، ووجدوا المنزلة خالية من سكانها، ما أغرى القائد "دونجا" لاتخاذ أحدهم مقرًا له، لكنه لاحظ المكانة المميزة التي يحفظها الناس للشيخ، فترك القصر، واتخذ مقرًا في مكان آخر.

روى ثابت في كتابه أيضا أن طوبار لم يكف عن المقاومة أثناء وجوده في غزة، واستأنف من جديد وكون جيشا من المقاومين، وأسطول يضم 50 قطعة، لكي يبحر به إلى دمياط ويباغت العدو، وعلى الرغم من أن الظروف لم تمكن طوبار من إتمام هذه الحملة، لكنه أرعب الفرنسيين، وسمح نابليون له بالعودة إلى مصر، ليأمن هجومه على دمياط، وتحريضه أهل بلده على الثورة، لكنه اشترط أن يبقى ابن الشيخ عنده بالقاهرة، ويعود طوبار لدمياط.

عاش طوبار في دمياط فترة قصيرة، وهو ما دفع الجنرال "كليبر" بعد أن أصبح قائدا للحملة، أن يوصي قائده في دمياط بتوخي الحذر، ويراقب الشيخ ولا يغفل عنه أبدًا.

لم يعمر طوبار طويلا، ومات في عام 1800، لتنشر جريدة كوريية ديلجبت نبأ وفاته في العدد 75 بتاريخ 28 يوليو، وكتبت عنه: "مات فجأة حسن طوبار كبير مشايخ المنزلة، مصاًبا بالسكتة القلبية، وكان لهذا الرجل عظيم المكانة، لأصله العريق وغناه الواسع، وقد هاجر من بلاده في الأشهر الأولى من الحملة، وعاد إليها بعد الزحف على سوريا، وأذن له الجنرال بونابرت في الرجوع لمصر، وخلفه في شياخة إقليم المنزلة أخوه شلبي طوبار".

كما قال عنه "نقولا الترك" في كتابه "ذكر تملك جمهور الفرنساوية الأقطار المصرية"، الذي كتبه لتمجيد الحملة الفرنسية على مصر، "اشتهر هذا الشيخ بخبث النية ضد الفرنساوية".

رحل شيخ المنزلة وأخذ معه تاريخًا عريضًا من البطولة، وفي أوائل ستينيات القرن الماضي صدر قرار جمهوري ببناء ضريح للشيخ المجاهد، يضم منضدة وسيفًا مرصعًا بالأحجار الكريمة وبندقية خرطوش، كان يستخدمها طوبار في قتاله، ومصحفًا مكتوبًا بخط اليد، وكتابًا لأحد مؤرخي الحملة الفرنسية، يتحدث عن معارك طوبار وبسالته.

كما صدر قرارا بتحويل قصر حسن طوبار إلى متحف واعتباره من القصور الأثرية، وذلك في قرار جمهوري حمل رقم 2300 لعام 1962، وبعد وفاة الرئيس عبد الناصر، أكل الإهمال القصر، وتم هدمه وتقسيم أرضه بين إقامة مجمع مدارس حسن طوبار، ومكتبة تابعة للثقافة.

ولم يتبق من المجاهد سوى قبرًا آيلًا للسقوط، جاهد أحفاده منذ سنوات طويلى لترميمه على نفقتهم الشخصية، حتى استجاب الدكتور أحمد الشعراوي، محافظ الدقهلية، منذ أسبوع، وقرر ترميمه والمنطقة المحيطة به، تخليدًا لذكرى المجاهد الذي أزعج قادة الجيش الفرنسي، وورد اسمه في رسالة بونابرت كعنوان للمقاومة الأهلية، لتظل سيرته شاهدة على الدور الوطني لأول مليونير عرفته مصر.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز