عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

"الجمسي".. صاحب "كشكول" النصر

"الجمسي".. صاحب "كشكول" النصر
"الجمسي".. صاحب "كشكول" النصر

كتب - ابراهيم رمضان

شهد الأعداء بدهائه  فلقبته جولدا مائير – رئيسة وزراء إسرائيل وقت حرب 1973 - بالجنرال" النحيف المخيف" وشهد قادته وزملاءه بحرفتيه، فلقبوه بثعلب الصحراء المصري، إلا أن أحب الأسماء إلى قلبه كان "مهندس حرب أكتوبر".



صنفته عدد من الموسوعات العسكرية العالمية كواحد من أبرز 50 قائدا عسكريا على مر التاريخ، إنه المقاتل الشرس والمفاوض الصلب – المشير محمد عبدالغني الجمسي – أخر وزراء الحربية قبل تغيير مسماها لوزارة الدفاع.

 تخرج من الكلية الحربية في دفعة استثنائية، وشهدت محطات حياته المهنية قفزات استثنائية أيضا، هو -صاحب كشكول النصر- وواضع خطة الخداع العبقرية التي فاجأت جيش – الكيان الصهيوني – والعالم أجمع، في الوقت الذي كان الجميع يرى أن العبور واسترداد سيناء ضرب من الخيال.

"الجمسي" قاد هيئة عمليات القوات المسلحة قبل عبور أكتوبر بعام واحد " 1972" وقبلها كان مسئولا عن تدريب "الجيش" منذ عام 1967.

 

محطات في حياة

ولد في التاسع من سبتمبر 1921 بقرية البتانون بمحافظة المنوفية، لأسرة مكونة من 7 أخوة، شاء القدر أن يكون "محمد" الأخ الوحيد الذي يواصل مسيرته التعليمية في مدرسة المساعي المشكورة بشبين الكوم، ليتم دراسته الثانوية، فيعيد القدر كرته مرة أخرى وتسمح حكومة.

مصطفي النحاس- الوفدية – لأبناء الشعب المصري من كافة الفئات بالالتحاق بالكلية الحربية، ليتقدم "الجمسي" صفوف الملتحقين بالكلية، في السابعة عشر من عمره، عام 1937 ليتخرج في دفعة استثنائية عام 1939 ويلتحق بعدها للعمل بسلاح المدرعات في الصحراء الغربية ويصبح شاهدا على أعنف معارك المدرعات بين قوات الحلفاء بقيادة مونتجمري والمحور بقيادة "روميل".

عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية واصل مسيرته العسكرية، فعمل ضابطا بالمخابرات الحربية، فمدرسا بمدرسة المخابرات؛ حيث تخصص في تدريس التاريخ العسكري لإسرائيل الذي كان يضم كل ما يتعلق بها عسكريا من التسليح إلى الاستراتيجية إلى المواجهة.

وبعد ذلك تلقى عددا من الدورات التدريبية العسكرية في كثير من دول العالم، وحصل على اجازة كلية القادة والأركان عام 1951، وحصل على اجازة أكاديمية ناصر العسكرية العليا عام 1966.

تدرج في المناصب العسكرية  فقد تولى قيادة اللواء الخامس مدرعات بمنطقة القناة في معركة السويس في 1956، ثم رئاسة أركان حرب المدرعات في 1957، وقائدا للواء الثاني مدرعات عام 1958، تلى ذلك التحاقه ببعثة المدرعات في أكاديمية فرونزي بالاتحاد السوفيتى في 1960، ثم قائدا لمدرسة المدرعات عام 1961، وحصل على الترقية لرتبة لواء في يوليو 1965 ثم رئيسا لعمليات القوات البرية في عام 1966 ورئيسا لأركان حرب الجيش الثاني في 1967، وفي أعقاب نكسة 5 يونيو 1967 أسند إليه الرئيس جمال عبدالناصر مهمة قيادة هيئة تدريب القوات المسلحة، وفي عام 1972 عين رئيسا لهيئة عمليات القوات المسلحة ليتغير مصيره تماما.. ومصير مصر كلها والمنطقة أيضا.

قاد هيئة عمليات القوات المسلحة لإعداد دراسة عن أنسب التوقيتات للقيام بالعملية الهجومية، سلمها للرئيس أنور السادات، والذي قام بدوره بعرضها على الرئيس حافظ الأسد لاختيار التوقيت المناسب للطرفين.

الدراسة التي أعدها "الجمسي" ورفاقه في هيئة عمليات القوات المسلحة والتخصصات المختلفة في القوات المسلحة، تتضمن دراسة الموقف العسكري للعدو وللقوات المصرية والسورية، وسميت تلك الدراسة "بكشكول الجمسي"، وتم اختيار يوم 6 أكتوبر بناء على تلك الدراسة.

يقول المشير الجمسي في حديث تليفزيوني له: "يجب أن أعطي الفضل لأصحابه فهو كشكول هيئة عمليات القوات المسلحة التي أفخر وأعتز بأنني كنت رئيسا لها في هذه الفترة".

وفي مذكراته البحث عن الذات قال الرئيس السادات "عندما جاء الرئيس حافظ الأسد في زيارة سرية لمصر في أبريل73 عرضنا عليه مذكرة الجمسي والتي دون فيها المواعيد المناسبة للعمليات العسكرية علي مدار السنة.. من وجهة نظر العلوم العسكرية... وقلت للأسد: قررت أن أدخل المعركة هذا العام فما رأيك؟

 

فقال لي: أنا معك.

عاش "الجمسي" رئيس هيئة العمليات ساعات عصيبة حتى تحقق الانتصار، لكن أصعبها تلك التي تلت ما عرف بثغرة "الدفر سوار" التي نجحت القوات الصهيونية في اقتحامها، وأدت إلى خلاف بين الرئيس أنور السادات ورئيس أركانه وقتها الفريق سعد الدين الشاذلي الذي تمت إقالته على إثرها ليتولى الجمسي رئاسة الأركان، فأعد على الفور خطة لمحاصرة وتدمير الثغرة وأسماها " شـامل" إلا أنها لم تنفذ نتيجة صدور وقف إطلاق النار.

عندما سئل "الجمسي" عن رأيه في ثغرة "الدفرسوار" ومن المسئول عنها؟ رد ببساطة دون أن يحدد المسئول قائلا: أثناء حرب أكتوبر وقعت50 معركة انتصرنا في49 منها وفازت إسرائيل بواحدة هي الثغرة.

يوم الأحد 7 أكتوبر حدث أول اتصال سري بين مصر وأمريكا عن طريق حافظ إسماعيل مستشار الرئيس للأمن القومي لكن المشكلة في هذا الاتصال أنه كشف لكيسنجر نية مصر عدم توسيع الهجوم وعلق كيسنجر عليه بأن مصر غير راغبة في متابعة العمليات العسكرية ضد إسرائيل بعد الأراضي التي كسبتها.

واعتبر الجمسي أن هذا إفشاء لنوايانا العسكرية تجاه العدو عن طريق حليفته أمريكا.

رقى إلى رتبة فريق في 1973، إلى رتبة فريق أول في 1974، وفى 1980 رقى إلى رتبة مشير.

وفي الفترة من 1974 وحتى أكتوبر 1978 عُين وزيرا للحربية وقائدا عاما للقوات المسلحة، وتدرج في المناصب حتى عُين نائب رئيس الوزراء ووزير الحربية والإنتاج الحربي والقائد العام للقوات المسلحة في 1975.

 

المفاوض الصلب

عين الرئيس السادات "الجمسي" ممثلا لمصر في المباحثات التي تلت صدور قرار مجلس الأمن 340 الذي قضي بإنشاء قوة طوارئ دولية لمراقبة وقف إطلاق النار، والعودة لخطوط22 أكتوبر وبجهود أمريكية وافقت مصر وإسرائيل علي إجراء مباحثات لتثبيت وقف إطلاق النار، وذلك بحكم عمله رئيسا لهيئة العمليات وملماً بأوضاع القوات المصرية وقوات العدو في الجبهة وأنه أنسب من يمثل مصر في هذه المباحثات وأقيم أول اجتماع في الساعة 1.30 صباحا يوم 28/3/1973 وتم النشر عن هذا الاجتماع في الجرائد وكان هذا أول ظهور أسم الجمسي إعلاميا في الجرائد.

يقول "الجمسي" : "توجهت في عربة جيب واصطحبت معي عربة عسكرية أخري تحمل مجموعة مسلحة من الصاعقة للحراسة ورافقتنا عربة من قوات الطوارئ الدولية, وعندما وصلنا لمكان الإجتماع.. اصطف الضباط الإسرائيليون برئاسة الجنرال أهارون بارليف مساعد رئيس الأركان الإسرائيلي وقاموا بتأدية الخدمة العسكرية, وقمنا برد التحية".

"الجمسي" وصف مكان الإجتماع قائلا: "عبارة عن غطاء من المشمع تم ربط أحد أجنابه في دبابة وربط الجانب الآخر في عربة مدرعة, وضعت بينهما منضدة خشبية حولها عدد عن الكراسي, وعلي رأس المائدة كان ممثل الأمم المتحدة. ولم يكن هناك مندوبون من وسائل الإعلام عن هذا الاجتماع".

بعد سبعة اجتماعات مع الجانب الإسرائيلي طلب الجمسي وقف الاجتماعات لأنها لم تعد مجدية ووصلت إلي طريق مسدود ولم تحقق نتائج إيجابية عن فك الاشتباك و الفصل بين القوات للخلاف الجوهري بين وجهة النظر المصرية و الإسرائيلية, وتوقفت هذه المباحثات.

 

دموع "الجمسي"

اغرورقت عينا "الجمسي" بالدموع بعد حواره مع وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، ومعرفته بموافقة الرئيس السادات على اقتراح "كيسنجر" – وزير خارجية الولايات المتحدة وقتها - بتخفيض حجم القوات على الضفة الشرقية.

 بدأت المفاوضات بين "السادات – كيسنجر" في أسوان في

في6 نوفمبر1973، ثم جاء إلي أسوان مرة أخري يوم11 يناير1974 واتبع دبلوماسية المكوك بين أسوان والقدس عدة مرات.

فوجئ "الجمسي" بإعلان توصل "السادات – كيسنجر" لاتفاق لفك الاشتباك والفصل بين القوات تضمن موافقة السادات علي تخفيض حجم القوات علي الضفة الشرقية للقناة إلي7000 جندي و30 دبابة وعدد محدود من المدفعية.

"الجمسي" قال لكيسنجر بحدة: إنك تعطي إسرائيل كل ما يضمن تأمين قواتها.. إني لا أوافق على ذلك ولا يمكنني كرئيس أركان حرب القوات المسلحة إيجاد المبرر لذلك.

فرد "كيسنجر" على "الجمسي" بقوله: "إنه يضع إستراتيجية للسلام مستقبلا".

فقال الجمسي لـ"كيسنجر": "أنا لا أتحدث عن السلام ولكن أتحدث عن تأمين قواتنا.. وتركت غرفة الاجتماع بانفعال بعد أن أغرورقت عيناي بالدموع.. واتجهت إلي غرفة الحمام.. وتملك الغضب كل أعضاء الوفد المصري.

وشحب لون كيسنجر وظل يتمتم قائلا: ما الخطأ الذي قلته. وعدت للاجتماع صامتا حتي نهايته وراح كيسنجر يغرقني بالمديح قائلا إن العسكريين الإسرائيليين لايخشون أحدا سواي.

ويعلق الجمسي علي هذا الموقف قائلا: "كنت أتمني أن يستشير الرئيس السادات الفريق أحمد إسماعيل أو يستشيرني لابداء الرأي في الموضوعات العسكرية ومنها حجم القوات التي يجب الاحتفاظ بها في سيناء.. فالتضحيات والدماء لا تروح هكذا".

 

أنواط وأوسمة

حفلت مسيرة "الجمسي" بعشرات الأوسمة والأنواط والميداليات التي وصلت لـ 24 ميدالية ونوط ووسام حاز عليها من مصر وعدد من الدول الأخرى هي كالتالي: "صعيد الأوسمة حصد وسام نجمة الشرف في حرب أكتوبر 1973، وسام نجمة الشرف من منظمة التحرير 1974، وسام الشرف العسكري من رتبة الفارس من الجمهورية العربية السورية 1974، وسام الشجاعة من الجمهورية العربية الليبية عام 1974، وسام النيلين من الطبقة الأولى من السودان عام 1974، وسام الملك عبدالعزيز من الطبقة الأولى من السعودية 1974، وسام همايون من الطبقة الأولى من إيران عام 1975.

وفيما يخص الأنواط فقد حصد نوط الجدارة الذهبي عام 1949، ونوط الجلاء 1955، ونوط الاستقلال 1956، ونوط النصر 1957، ونوط التدريب من الطبقة الأولى 1971، ونوط الخدمة الممتازة 1972.

ونال الفريق الجمسي عددا من الميداليات هي ميدالية الإمبراطورية البريطانية عام 1946، وميدالية فلسطين بالمشبك سنة 1949، وميدالية محمد على التذكارية سنة 1949، وميدالية يوم الجيش سنة 1959، وميدالية العيد العاشر للثورة سنة 1962، وميدالية الخدمة الطويلة والقدوة الحسنة سنة 1962، وميدالية الاستحقاق الذهبية من الجيش الشعبي والوطني لألمانيا الديمقراطية سنة 1972، وميدالية العيد العشرين للثورة سنة 1972، وميدالية 6 أكتوبر سنة 1974.

 

ثعلب الصحراء المصري

تعددت الألقاب التي أطلقت علي المشير الجمسي؛ فجرت المقارنة بينه وبين الجنرال الألماني الأشهر روميل؛ فسمي “ثعلب الصحراء المصري”؛ نظرا لبراعته في قيادة معارك الصحراء، ولُقب بأستاذ المدرعات التي احترف القتال في سلاحها منذ تخرجه في الكلية الحربية.. أما أحب الألقاب إلى قلبه فكان لقب “مهندس حرب أكتوبر”؛ نظرا لاعتزازه بالحدث وفخره به.

إلا أن أغرب الألقاب التي أُطلقت على المشير الجمسي؛ كان ذلك الذي أطلقته عليه جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل إبان حرب أكتوبر، حين وصفته بـ”الجنرال النحيف المخيف”.

 

من أقواله

في 27 أكتوبر 1975 قال "الجمسي" خلال الندوة الدولية لحرب أكتوبر 1973 " في خلال الربع قرن الماضي دارات أربع حروب في المنطقة، بدأت إسرائيل ثلاثة منها بغرض العدوان والتوسع، وبدأنا نحن العرب الحرب الرابعة لتحرير أرضنا وإعادة حقوقنا وتحقيق السلام العادل، فنحن نريد تحرير أرضنا.. وهذا حق، ونريد استعادة حقوق شعب فلسطين... وهذا عدل، وتحقيق الحق والعدل هو السبيل إلى السلام في هذه المنطقة".

وفي كلمته في 6 أكتوبر 1975 قال خلال العرض العسكري في الذكرى الثانية للسادس من أكتوبر 1973 " إن أعظم تقدير لأيام القتال المجيدة ليس التغني بها وإنما استلهام معانيها".

رحل المشير "الجمسي" في صمت بعد معاناة مع المرض في 7 يونيو 2003 عن عمر يناهز 82 عامًا، عاش خلالها حياة حافلة.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز