عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

فاطمة العسيلي تكتب: رحلة إلى قلب القلم "2-2"

فاطمة العسيلي تكتب: رحلة إلى قلب القلم "2-2"
فاطمة العسيلي تكتب: رحلة إلى قلب القلم "2-2"

قلبي أعياه طول الأمل، واليأس يحاول تكبيلي بأصفاد حديدية، ويسحبني إلى مكان شديد الظلام يمنعني أن أستنشق عبير الحرية، وقد أُرهقت قواي من مقاومته وصده ومحاولة الفرار منه.



في أعماق دواخلي حزن له قضبان، وتُجلدني أصوات الحيارى والمكلومين يستغيثون بي وينشدون مني الإنصاف.

 يأملون مني تحريرهم، لكنني مقيد سجين ومقهور مثلهم، يُقطعون دواخلي من قوة صراخهم تكاد أن تعصف بي، تجتاحني آلامهم كي أُخرج ما بهم وأبوح بصوتهم وأبحث عن حقوقهم وأقتص ممن ظلمهم.

انتظرت كثيرًا ونزفت دمائي وعمري من أجل حريتي، وتغيير العالم من حولي.

حاولت أن أرسل لكِ كل هذا كي تمسكيِ بي وتخطي كل ما يحدث لي، وتخرجي كل هذه الآلام، وتساعدي هؤلاء لكنك لم تسمعيني ولم تشعري بي، وشارف اليأس أن يتمكن مني!

 جفت عروقي وغدت بيداء قاحلة من دمائها، فكان لا بد أن تغشي إلى عالمي كي تري وتشعري بما أشعر مثلما أفعل معك.

 سالت أدمعي على خديّ المتوردتين بدماء الألم والأسى بتقصيري في حق قلمي.

 قلت له: سامحني قد انشغلت عنك ولم أشعر بك ولطالما شعرت بي وقاسمتني أفكاري ومشاعري سامحني صديقي الصدوق.

قال: أسامحك صديقتي وملهمتي، الآن قد ذهبت قواي وضعف نبضي وهزل قلبي من كثرة أحزانه ومجافاة آماله، ولم أعد أقوى على ذرف دمائي التي تكتبين بها.

قلت له: وما الذي أودى بك إلى هذه المرحلة؟

أين إيمانك وعزيمتك الذي طالما تدعمني بهما؟!

قال: لولا إيماني لم تحملت كل هذا العذاب والأسى منذ سنوات طوال.

قلت له صدقت.

والآن ما العمل كي تعود كما كنت وكيف لي أن أساعدك؟

قال: أحتاج بعضًا من دمائك المفعمة بالأمل والحب الذي لطالما استمدهما منك، قلت له بالطبع صديقي دمائي ملك لك، جرحت يدي وذرفت بعض الدماء في عروق صديقي القلم، فعاد نبضه يقوى وتحولت ألوانه الباهتة إلى ألوان زاهية منيرة وذهب اللون الأسود وذابت قيوده وأصبح يشع نورا براقا ملأ المكان كله!

ومن بعدها أدركت أن هناك علاقة حسية أو بمعنى أدق روحانية تربط بين الكاتب وقلمه الذي هو بمثابة لسانه الناطق وسلاحه المغوار وليس مجرد جماد نمسك به لنخط بواسطته ما يدور في دواخلنا.

 إن الكتابة مخاض لأفكار ومشاعر تتكون في أعماق عقولنا وقلوبنا، بوح عميق يسبر أغوار أعماقنا، عملية جهد وتعب وتركيز وتشكيل وتجميل لفكرة ثم تحويلها إلى رسالة تلهم الآخرين، تهديهم طريقهم، تنير دروبهم الظلماء، يقوم بذلك العمل النبيل شخصين يتقاسمان روحا وعقلا واحدا الكاتب والقلم.

 حقا بعض الأحيان أشعر بإن قلمي يريد المثول بين أصابعي لكتابة شيء ما!، أحيانا في البداية تكون الأفكار متداخلة غير واضحة، ولكن بعد التقاطي للقلم أجدها تتوارد وتتشكل وتتناسق في عقلي وكأن القلم هو من فعل ذلك بعد إمساكي به، ربما يقول شخص ما:

 لقد فقدت عقلك!

 سأقول له بل صادقة فيما أقول وإن كنت كاتبا صادقا في فكرك ومشاعرك وخيالك واسع كالفضاء وروحك شفافة وقتها ستفهم قولي، وستدرك أن هناك رابطا خفيا بين الكاتب وقلمه لا يفهمه سوى من تثقلهم العبرات والدموع فيحولونها إلى كلمات تحن وتحزن وتفرح.

وكلما كان الكاتب قريبا من قلمه كان البوح جميلا صادقا، وكانت الكلمات مطواعة لا تعصي لهما أمرا.. وبذلك يكون خلود الأفكار والقيم والمبادئ الجميلة مدونة ومزينة تكلل وجه التاريخ، وتحتفظ بالذكرى حية على مدار الأزمان!

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز