عاجل
الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

الكذب فى سبيل الله!

الكذب فى سبيل الله!
الكذب فى سبيل الله!

كتب - حسام سعداوي

بينما كان الشاب الأربعينى «حسن البنا» مؤسس جماعة الإخوان جالسًا بين عدد من عناصر الجماعة فى أحد الاجتماعات التنظيمية أواخر عام 1947 ألقى عبارته الشهيرة «ربنا يريحنا من الخازندار وأمثاله» وذلك تعليقًا على إصدار المستشار أحمد الخازندار حكم بالأشغال الشاقة المؤبدة فى حق شباب الإخوان بالإسكندرية.. أعضاء فى التنظيم اعتبروا مقولة مرشدهم العام بمثابة «ضوء أخضر» لتصفية المستشار فقام اثنان منهم باغتياله فى 22 مارس 1948.  

عندما سئل البنا خلال التحقيقات عن علاقة الإخوان بالحادثة أنكر وجود أية صلة لمنفذى العملية بالجماعة، قبل أن تعترف الإخوان لاحقًا بأن أحد المتهمين وهو حسن عبدالحافظ، كان يعمل سكرتيرًا خاصًا للبنا نفسه.
فى العام ذاته (1948) تورطت عناصر من الجماعة فى اغتيال رئيس وزراء مصر محمود فهمى النقراشى، ورغبة من البنا، فى امتصاص غضب الحكومة والملك، أصدر بيانه الشهير الذى حمل عنوان «ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين»، تبرأ خلاله من أفعال «التنظيم الخاص» أو الجناح المسلح لجماعة الإخوان.



مرت الأيام والسنوات، وبعد ما يقرب من 70 سنة تورط عدد من شباب الجماعة فى تكوين خلية إرهابية تمثلت مهمتها فى اغتيال المستشار هشام بركات النائب العام السابق بدعوى إصداره قرار بفض اعتصام الجماعة الشهير فى ميدان «رابعة العدوية» -وهو ما لم يحدث أصلًا لأن الأمر ليس من اختصاص النيابة– وبعد القبض على 67 متهمًا أثبتت التحقيقات تورط 9 منهم فى العملية إذ أدلوا بمعلومات تفصيلية مسجلة بالفيديو عن طبيعة دور كل منهم فى الواقعة، وعقب عملية تقاضى استمرت إجراءاتها 4 سنوات -تقريبًا- أمام القاضى الطبيعى صدر حكم نهائى بات بإعدامهم، وحينها قدم الشباب أنفسهم عرضًا مسرحيًا ينفون فيه الاعترافات التفصيلية التى أدلوا بها.  
من شابه مرشده فما ظلم

 


ولأن «من شابه مرشده فما ظلم»، فإن الشباب الذين شرحوا للنيابة فى «مسرح الجريمة» أدق تفاصيل العملية بداية من مراحل تكوين «الخلية الإرهابية» وطبيعة مهمة كل منهم فيها، وآلية التواصل فيما بينهم، وصولًا لطريقة التنفيذ وأماكن التدريب، وأسهبوا فى شرح طريقة إعداد دائرة التفجير المستخدمة، هم أنفسهم الذين وقفوا يقسمون بأغلظ الأيمان أمام القاضى وأمام كاميرات «قناة الجزيرة» أن تلك الاعترافات أخذت منهم تحت وطأة التعذيب، وراح أحدهم يقول إنهم أخذوا كهرباء تكفى مصر 20 سنة كاملة، حتى إننى كدت أصدق روايتهم لولا أننى رجعت للاعترافات المسجلة بالصوت والصورة لنفس الأشخاص. 

قبل أن نمضى فى توضيح موقف «الإخوان» من الكذب والتضليل وكيف يتم التأصيل للمسألة فقهيًا، علينا أولًا توضيح بعض النقاط المهمة فيما يخص موقعة «الشوشرة المنظمة» التى أعقبت تنفيذ حكم إعدام المتورطين فى اغتيال النائب العام، لأن ما جرى فيها مؤكد أنه سيتكرر فى وقائع أخرى لاحقة عندما تنفذ أحكام الإعدام الصادرة بحق «الرؤوس الكبيرة» فى  الجماعة.   

اعتمدت الجماعة «خطة دعائية» تهدف لغسل سمعتها أمام الرأى العام الغربى قبل المحلى والتأكيد على عدم تورطها فى أعمال الإرهاب، تعتمد هذه الخطة على الادعاء بأن الأحكام القضائية «مسيسة» وغير منصفة، وللتأكد من أن ما جرى كان «معركة حقيقية» خلفها جهد منظم وليس مجرد تعاطف فردى علينا الالتفات إلى عملية اختراق الصفحة الخاصة بابنة النائب العام السابق ووضع منشور مزيف يقول: إن بعض المتهمين قد ظلموا ما دفعها للخروج برسالة مصورة تؤكد تعرض صفحتها للاختراق.  

عبر شبكات التواصل الاجتماعى، قادت عناصر الجماعة عملية «استعطاف شعبى» واسعة النطاق استطاعت استمالة شرائح غير قليلة إذ اعتمدت القواعد الإخوانية على استمالات عاطفية تتمثل فى نشر صور باسمة للمدانين فى الحادث، كما لجأت لمبرر غريب فى نفى التهمة عنهم وهى انتماؤهم لما يسمى بـ«كليات القمة» فأربعة منهم خريجو كليات هندسة واثنان من خريجى كلية العلوم، وثلاثة من خريجى جامعة الأزهر وهو «منطق أعوج» إذ أن أيمن الظواهرى زعيم تنظيم القاعدة كان طبيبًا بل إن أغلب قيادات التنظيمات الدينية من خريجى الكليات العلمية وذلك مرده إلى كونهم يعتمدون منهج تفكير أحادى (صواب/ خطأ، أبيض/ أسود، حق/ باطل). 
الإرهابى تفضحه وصيته

أدانت قنوات الإخوان العناصر الإخوانية من حيث أرادت تبرئتهم، فقد أتاحت قناة «مكملين» التى تبث من أسطنبول الفرصة لوالد أحد الإرهابيين اسمه «أبو بكر السيد» ليتلو وصية ابنه لعائلته وجيرانه، لندرك بسهولة أننا أمام خطاب إرهابى داعشى بامتياز صادر من مجرم يفتخر بالجريمة الشنيعة التى ارتكبها.  

استهل «الشاب البرئ» وصيته بشعار جماعة الإخوان «الله أكبر ولله الحمد» ووصف الرسول الكريم بإمام المرسلين و«قائد المجاهدين»، وهى الصفة التى دائما ما ترد على لسان «أمراء الدم»، ومضى يردد أبياتًا من الشعر على الطريقة الداعشية بنفس أسلوب نشيد «صليل الصوارم» ويقول فيها «هذا طريقى الذى اخترته .. سلكت طريقى ولا لن أحيد.. عزمت المسير بعزم حديد، توجهت طرفاى لأرض الأسود.. فإنى مضيت لأرض الجهاد .. فما سرت إلا لدحر اليهود، وعذرا أبى قد عشقت الجهاد ودينى دعانى لأحمى العباد، فـ «جيش الصليب» فى البغى تمادى، وأبناء دينى أراهم قعود»، وتخلو الوصية من كلمة ندم واحدة على ما اقترفه، بل امتلأت بعبارات الإصرار والافتخار بالجريمة التى ارتكبها.  

فى الفيديو الثانى نرى والدة إرهابى آخر من نفس الخلية تعترف على مشاركة ابنها فى الجريمة مستنكرة أن يتم إعدامه لكون دوره اقتصر على رصد وتتبع خط سير النائب العام السابق قبل تفجير موكبه. 

فى الفيديو الخاص بالاعترافات، عندما سأل «وكيل النيابة» الشاب صاحب مقولة الصعق بالكهرباء عن الهدف من العملية، أخذ يقدم شرحًا مفصلًا يقول فيه: إنه شارك فى العملية لهدف شخصى والآخر تنظيمى، أما الشخصى فللأخذ بالثأر وانتقامًا من النائب العام اللى أصدر قرار فض «رابعة» لأن الإرهابى محمود وأخوه اتصابوا أثناء عملية الفض، فكان لازم اللى أخد قرار فض الاعتصام يتصفى، أما الهدف التانى فكان تكليف من التنظيم بتنفيذ عملية الاغتيال، ويشرح كيف أنه شعر بالسعادة والفخر عندما أتاه التكليف بتنفيذ عملية كبيرة مثل هذه توصل رسالة للجميع أنهم موجودين ومازالوا بقوتهم وأنهم يقدروا يوجعوا النظام.
رؤوس للإيجار المفروش!  

المفارقة الأهم هنا لا تكمن فقط فى عدم تعاطف مدعى الإنسانية مع أمهات وأطفال وزوجات ضباط الشرطة الذين راحوا ضحايا للإرهاب، وإنما تكمن أيضًا فى أن بعض الألسنة التى تعالت فى الماضى محملة الدولة مسئولية الإرهاب ومنتقدة عدم تنفيذ أحكام الإعدام على الإرهابيين هى نفسها من تعاطفت مع هؤلاء القتلة عندما تم تنفيذ حكم الإعدام فيهم بعد اعترافهم بكل تفاصيل جريمتهم أمام النيابة وبكل أريحية، والغريب أن أغلب منشورات التعزية فى المنفذ ضدهم حكم الإعدام انتهى بجملة واحدة «اللهم مكنا من رقاب أعدائك» ومع ذلك لم يفهم المتعاطفون . 

 


ما لا يدركه كثير من الذين تعاطفوا مع هؤلاء القتلة هو أن صراع هذه التنظيمات ليس فقط ضد السلطة، وإنما صراعهم ضد قيم الحضارة الإنسانية، فجماعة «نور الدين زنكى» الإرهابية التابعة للإخوان فى سوريا ذبحت الطفل عبدالله عيسى ذو الـ 12 سنة فى فيديو شهير، وقالوا إنه «بصاص» للنظام السورى. 

ما تغافل عنه بعض الناس أيضًا أن الإرهابى ليس مجرد فرد «مقطوع من شجرة» فأغلب المنفذين ينتمون لأسر إخوانية بالكامل، كما أنه ليس شرطًا أن يكون شخصًا قاسى الملامح مثل عاصم عبدالماجد أو خالد الإسلامبولى أو عبود الزمر، كما أن التطرف لا علاقة له بالطبقة الاجتماعية ولا نوع أو مستوى التعليم النظامى الذى حصل عليه الفرد.  

ينبغى الإشارة هنا إلى أن جزءًا من نجاح الجماعة الإرهابية يتمثل فى إثارة تعاطف العوام لأن هذا يخدم حربهم ضد المؤسسات الأمنية والعسكرية والقضائية التى تمثل المكون الصلب من جهاز المناعة الاجتماعى ضدهم، ومن ثم فهم يحاولون إفقاد هذه المؤسسات ولو جزئيًا مصداقيتها لدى الجسد الاجتماعى الذى تدافع عنه. 

النيران ترتد لصدور القيادات
المثير أن نيران ما جرى ارتدت إلى صدور قيادات الجماعة مرة أخرى، خاصة الهاربين منهم إلى تركيا، ففى إحدى المسيرات التى نظمتها عناصر الجماعة فى أنقرة انفجر شباب الجماعة المحبطين فى وجوه قياداتهم، ومن خلال فيديو تداوله بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعى واجه أحد شباب الجماعة يدعى عبد الله قيادات الإخوان الهاربين بجرائمهم ومحاولتهم المستمرة للزج بشباب الجماعة فى تنفيذ جرائم إرهابية، قائلا :«الناس دى ودتنا فى 60 ألف داهية واحنا كفرنا بيهم» فى إشارة لقيادات الجماعة. 

وواصل الشاب الإخوانى فضح قيادات الجماعة ومحاولات تنصلهم من شباب الإخوان قائلا: «لما جينا هنا اتداس علينا بالجذمة»، كما فضح اهتمامهم بمصالحهم الخاصة على حساب الشباب وقال: «محدش يقولى محبط ..أنا واقعى جدًا.. احنا تعبنا..الناس لازم تفوق ياجدعان ..ياعم فوقوا»، كما اتهمهم باستخدام الشعارات لتسكين الشباب وقال :«الشعارات دى مش نافعة» وأبدى قطاع كبير من المشاركين تأييدهم لما يقول.
الكذب المقدس

بالعودة إلى تأصيل الجماعة للكذب والتضليل سنجد أن الإخوان لديهم من الأدبيات ما يشرعن الكذب عند الضرورة ما دام «يصب فى صالح الدعوة»، وهو نفس المبدأ الميكافيلى «الغاية تبرر الوسيلة»، وتعتمد الجماعة فى ذلك على ما يسمى بـ«الفقه الحركى» الذى ابتدعه الإخوان واتبعهم فيه بعض تنظيمات الإسلام السياسى، وتأسس الفقه الحركى على كتاب «المنهج الحركى للسيرة النبوية» للقيادى الإخوانى السورى «منير الغضبان» وهو من الكتب الأساسية فى عملية التربية الإخوانية ولم يزل مقررًا على الأسر الإخوانية، ولا تخلو منه مكتبة فى بيت إخوانى. 

لا يجد «الغضبان» أى غضاضة فى إباحة الكذب قائلًا : «إن الدعاة إلى الله لا بد أن يكونوا على قدر من الوعى والنباهة وحضور البديهة وحدة الذاكرة ما يجعلهم قادرين على خداع عدوهم والإفلات من يديه دون أن يستعملوا أسلوب الكذب الصراح إلا عند الضرورة».. ويقول فى الصفحة رقم 70 من الكتاب: «الاستفادة من العصبية الجاهلية فى حماية شباب الدعوة أمر شرعى، فابن العائلة الكبيرة والقبيلة الضخمة الذى يستطيع أن يوظف زعيم هذه العائلة لحمايته لا يعنى أنه قد تخلى عن دينه بذلك، واستفادة بعض الدعاة من ضابط كبير فى الجيش أو المخابرات، أو وزير متنفذ فى دولة، لا ينقص من عقيدة هذا الداعية ومن دينه شيئا».

وفى الصفحة رقم 74 يقول القيادى الإخواني: «ونخلص من هذا إلى أن الاستفادة من قوانين الجاهلية أمر مشروع إن كان فيه مصلحة للدعوة، وليس هذا طعنًا فى الدين، أو احتكامًا لغير شريعة الله كما يدور بخلد بعض المتحمسين.. ومن هذا المنطلق نقول: إن الديمقراطية -وهى نظام غير إسلامى ابتداء- هى خير للحركة الإسلامية من الديكتاتورية الطاغية، هى مناخ ملائم لتفريخ الدعوة وانتشارها، إنها وهى نظام جاهلى، أجدى على المسلمين من أى نظام جاهلى آخر، وهى تضمن عادة حرية التعبير عن الرأى وحرية العقيدة، أو بتعبير آخر حرية العبادة وحرية الدعوة».

وفى موضع آخر يقول «كما لا  بد أن يكون للحركة الإسلامية رجالها فى صفوف العدو المحالف تكشف مخططاتهم واتجاهاتهم فى نقض العهد أو الوفاء به.. هذا الموقف هو الذى يمكن أن نسميه تغطية سياسية لأى جهاد إسلامى، فلو أن ضباطا فى جيش يحملون فى السر انتماء إسلاميا لحركة مجاهدة، فليس بالضرورة أن يكشف عن هويتهم، ويعلن إسلامهم طالما أن فى إخفاء شخصيتهم مصلحة للإسلام والمسلمين».

فى الجزء الثانى من الكتاب يتكلم «الغضبان» عن «عمليات الاغتيال وأثرها فى بث الرعب فى صفوف العدو» ويستدل على مشروعية الأمر بذكر بعض الوقائع من التراث ومنها اغتيال عصماء بنت مروان وهى شاعرة كانت تهجو النبى واغتيال «أبى عفك» وهو شاعر يهودى كان يهجو النبى واغتيال «كعب بن الأشرف» زعيم يهود بنو النضير

ويشرح الغضبان منهج الإخوان فى اتباع مبدأ «التقية» الشيعى: «ولا شىء أقوى للحركة الإسلامية من أن تتعامل مع حلفائها أو أعدائها ببلاهة ظاهرية، بحيث تعرف مخططاتهم وتتظاهر بجهلها لهذه المخططات، لأن هذا التعامل هو الذى يكشف المخبوء من النوايا، والمستور من الشر». 

 

نقلاً عن مجلة روزاليوسف

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز