عاجل
الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
التهجير مش حل

التهجير مش حل

بقلم : محمد مصطفى أبو شامة
لا .. هو الحل..
نعم التهجير أفضل حل في اللحظة الراهنة، ولو أدرك المهجَّرون أن الخيار البديل هو الموت، فلربما أدركوا أن جيشهم ما اتخذ هذا القرار إلا مضطرا ومجبرا كي لا يكون «#الدم_المصري_رخيص»، ونلحقه ببقية الشعار ونطالب بأن «#يسقط_أي_رئيس» الشهيرة والتي كانت تتبعها في كل مظاهرة (أيام ما كان فيه مظاهرات).
 
أنتمي لعائلة مصرية كانت تقطن مدينة السويس (عند المدخل الجنوبي للقناة) منذ منتصف الثلاثينات من القرن الماضي، وأجبرت هذه العائلة مع الآلاف من العائلات المصرية من سكان مدن القناة الثلاث (بعد العدوان الإسرائيلي في يونيو/ حزيران 1967) على أن تترك منازلها وأعمالها ومدارسها وتجارتها وكل ما لديها وترحل. وقتها تم تعويض أعداد محدودة من الأسر من المحظوظين وأقارب المسؤولين، أما باقي «السوايسة» و«الإسماعيلاوية» و«البورسعيدية» فلم تستطع الدولة، التي كانت تعاني من تبعات «النكسة»، أن تساعدهم بشيء، فحملت كل أسرة مصيرها، وخرجت أرتال السيارات بالمهجَّرين تبحث لهم عن مأوى بين مدن ومحافظات مصرية «شقيقة».
 
لم تسقط هذه الأيام من ذاكرة جدتي التي ظلت تحكي لنا ونحن أطفال محنة عائلاتنا مع التهجير والتشريد بين بيوت الأقارب، وتحدثني عن كرم «عائلة فلان» التي استضافتهم في بيتها، ونذالة «عائلة علان» التي لم تتحملهم سوى أيام قليلة وضجت بهم.
 
كانت الهجرة بالنسبة لعائلتي محنة عظيمة، لكن هذه العائلة لم تستسلم أو تنهرْ.. كافحت حتى نجح عائلها - وهو والدي متعه الله بالصحة - في أن يجد لها شقة صغيرة في حي روض الفرج؛ أقرب الأحياء إلى «موقف القللي» الذي كان قديما هو «ميناء القاهرة البري - تخصص خط مدن القناة»، قبل أن يُنقل إلى منطقة «الترجمان» في عهد الرئيس الأسبق مبارك. حلم العودة كان مسيطرا عند اختيار محل الإقامة الجديد. لم يكن والدي يعلم بأنه يختار للعائلة وطنا جديدا استوطنته وانتشرت بين ربوعه، وأصبح أفرادها يحملون جنسية «جمهورية شبرا».
 
كنت أراقب جدتي عندما يأتيها صوت المطرب محمد حمام، وهو يشدو برائعته «يا بيوت السويس.. يا بيوت مدينتي.. أستشهد تحتك.. وتعيشي إنتي».. كانت حتى وفاتها عام 2003، رحمها الله، تتساقط دموعها وتتوه في ذكرياتها مع هذه الأيام الصعبة التي لم تسقط من ذاكرتها أبدا.
 
يا أبناء وطني وأشقائي في سيناء - خاصة على الشريط الحدودي الشرقي -  يا «سيناوية».. يا «مصراوية»، نقدر حجم محنتكم، فقبلكم عانى منها مصريون كثر في مراحل زمنية مختلفة عبر تاريخ هذا الوطن، وقبلكم اضطر لها نبيكم المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام. ولكل هجرة سبب، ولكل خروج مغزى.. لا تتاجروا بالقضية، ولا تشوهوا جيشكم العظيم، ولا تجعلوا من غضبكم نارا تحرق الوطن، وتحرقكم قبله. إن اضطرار الجيش إلى تهجيركم من منازلكم أمر صعب لا شك، ولكن الصعاب تهون في هذه الحرب الشرسة التي تواجهها مصر وسائر بلاد المنطقة العربية، مع عدو لم تألفه الجيوش النظامية من قبل في معاركها.. لكن نثق في قدرات جيشنا، ونثق في إيمانه بالله، ولا يليق بمصري أن يشكك في وطنية هذا الجيش أو أي من أفراده، ليس فقط لأنهم إخواننا وأبناؤنا ويمثلوننا نحن المصريين، لكن أيضا لأن تاريخهم ناصع في الذود عن هذا الوطن.. ربما تختلف معهم عندما يمارسون السياسة وتنتقدهم وتعارضهم، لكن وهم بلباس الحرب يدافعون عنا وعن تراب هذا الوطن، لا يليق بأي مصري أن يطعن أخاه غدرا بكلمات لا يمكن وصفها بأقل من «خيانة» و«خيابة» من مراهقين لا يدركون حجم الخطر، ولا يعرفون معنى الوطن.. يسيرون قطيعا وراء جماعة مارقة تروج إشاعات وتصطاد في الماء العكر من أجل أن تهدم هذا الوطن وتحطم دولته المركزية، فيسهل عليها أن تقفز من جديد على السلطة، وهو ما لن يحدث بإذن الله.
 
ويا كل المصريين، افتحوا بيوتكم لإخوانكم «السيناوية».. مدوا لهم يد العون والمدد، فـ«كلنا في الهمّ مصريون»، ويا مفتي مصر أغثنا بفتوى توجه صدقاتنا وزكاتنا لدعم كل المتضررين من أبناء سيناء الغالية، ويا كل جمعيات الخير أغيثوا إخوانكم في سيناء، فهم ليسوا أقل محبة في قلوبنا من أهل غزة، ويا كل شعب مصر، ويا حكومة مصر، ويا رئيس مصر، توحدوا واصطفوا في مواجهة هذا الخطر المرعب.. توحدوا فلا نملك رفاهية الاختلاف والتناحر والتشرذم.. توحدوا على كلمة سواء، كي ننقذ وطنا في مهب الريح، قبل أن يفوت الوقت.
 
وأخيرا، يا سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، نعلم صعوبة المسؤولية، ونقدر شجاعتك في قبولها، ورغبتك الصادقة في إنقاذ مصر القديمة، وبناء مصر الجديدة، لكن قبل الإنقاذ والبناء، ليس أمامك إلا لمّ الشمل، الذي لن يتأتى بإرهاب مضاد يمارسه زبانية الإعلام على كل رأي أو فكر أو موقف يتخذه مصري يعارضهم في الرأي.. يا سيادة الرئيس؛ الشباب في مصر قنبلة ستنفجر في وجوهنا جميعا، ولن تفلح معهم كل الألاعيب الأمنية والحيل المخابراتية.. المجتمع يغلي يا سيادة الرئيس، وأنت فقط في يدك أن تنزع فتيل الأزمة وتوحد الجميع في خندق المعركة تحت نداء «الله أكبر».. صرخة الجيش المصري التي ترعب أعداءه منذ فجر التاريخ.
 
 
 
 
 
 



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز