عاجل
الأربعاء 22 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
لازم نفرح !

لازم نفرح !

بقلم : سمير محمود

امتى هتفرح من قلبك ؟



 

من فترة كده وأنا بسأل نفسي السؤال ده ومش لاقي له إجابة مقنعة؟ هي الفرحة راحت فين؟ وليه مبقتش أفرح واضحك من قلبي وأشوف ابتسامة صافية وضحكة بريئة في عيون الناس من حواليا؟ الفرحة جوانا أكيد وعندنا ألف سبب وسبب عشان نفرح، مش عايز أقلب كلامي وعظ ديني لأنه مش دوري ولا أفهم فيه، بس فعلاً الفرحة جوانا بالأساس، مجرد أني أصحى من النوم ده شىء يسعدني جداً وأحمد ربنا عليه للصبح لأن فيه غيري بينام وما يصحاش تاني حصلت كتير وبتحصل وهتحصل، وفيه ناس كتير ما يطولوش يناموا أصلاً من شدة الألم بسبب مرض أو معاناة أو هم أو دين أو عجز أو أرق، النوم في حد ذاته حياة وفرحة رغم أنه شقيق الموت بس ما يعرفش قيمته إلا المحروم منه، اللي بيحايل روحه ويحايل النوم بالساعات ويستعمل كل المهدئات والمنومات، وفي الآخر ما يعرفش ينام، السعادة في أني شايفك وسامعك وبتكلم معاك لأن فيه غيرنا ملايين لا شايفين ولا سامعين ولا قادرين يتكلموا، السعادة أني لسه قادر أمشي وأتحرك وأتنفس هوا، لأني غيري ما يملكش الكلام ده خالص، الفرحة إني لي عقل بيفكر وعندي ذاكرة جواها مخزن ذكريات كبير أوي، فيه الحلو وفيه المر، فيه المبهج السعيد وفيه المزعج الحزين، لكن الحمد لله إننا بننسى مع الأيام والحمد لله برضه إننا بنفتكر ونستدعي من شريط ذكرياتنا حاجات كتير ممكن في لحظة تخلينا نبتسم أو تجر دمعة متحجرة في عينينا، لازم تنزل عشان نطهر بيها نفوسنا ونغسل بيها همومنا وأوجاعنا وربما أخطائنا أو خطايانا.

الفرحة ممكن تحسها لمجرد أنك لك بيت وعيلة وأب يخاف عليك وأم لو طايلة تجيب لك من السما حتة هتعمل، بتفرح وأنت وسط أخواتك، ولما يكون لك بيت وزوجة وأولاد وعالم خاص بيك لوحدك، أفرح يا ابن الكئيبة غيرك عاش ومات محروم من كل ده.

كل اللي فات ده جميل بس السؤال هي فرحتنا راحت فين؟ يعني زمان كانت فيه فرحة ودلوقتي مفيش؟ سيبك من الهموم والمشكلات والأوجاع وضغوط الحياة لأن يقيني هو أن الكلام ده كله موجود من يوم وجودنا على الأرض، ويقيني أكتر أن الفرحة جوانا أكتر ما هي حوالينا، بدليل إنك لو رحت مكان أنت وأصحابك، ممكن المكان ده قبل ما توصله تعيش في حالة من السعادة الغريبة في وقت المكان بالنسبة للي معاك ما يحركش فيهم شعرة ولا يفرق معاهم أساساً، بل من الجايز أنك تلاقي حد من اللي معاك عايز يمشي ويسيب المكان لأنه حاسس فيه بالخنقة والزهق والملل حد الموت!

زمان كنت كل يوم اضيف لأسباب فرحتي سبب جديد، ولما كبرت الحاجات البسيطة اللي مرت علي في طفولتي ولحد ما وصلت للجامعة، كانت هي صانع البهجة والسعادة لدرجة إنها بقت مرجعية لكل مواقف وتجارب حياتي سواء اتحركت عبر الأماكن بالسفر والتنقل والترحال أو عبر الأزمنة في الطفولة والصبا والشباب والكبر، أسباب الفرحة جوانا لأننا مهما حصل ومهما هيحصل لسه مفقدناش إنسانيتنا، لسه بني آدمين لحم ودم حتى لو حولتنا ضغوط الحياة وتعقيداتها إلى آلات في صورة بشر.

لحد الآن ممكن ساندوتش فول على عربية في الشارع يفرحني أكتر من إنه يسد جوعي ويشبعني، متتخيلش إيه الشعور اللي ممكن أحسه لما أقرأ على عربية الفول البسيطة دي جملة متعدلة من غنوة لكوكب الشرق أم كلثوم بتقول: " ما خطرتش على بالك يوم تفطر عندي"، عيش مع طبق الفول أو الساندوتش واسرح في الدقيقة اللي بتأكل فيها مع غنوة يا مسهرني وافتكر مين اللي كان مطلع روحك ومسهرك، افتكر أول مرة سمعت الغنوة دي أمتى بالظبط وفين ومع مين وليه، افتكر وافرح وأعرف أن الشعب المصري المطحون ده، هو صانع البهجة وأنه مالهوش كتالوج فعلاً.

نرجع بقا للأكل والشرب عشان المصريين من زمان لو حبوا يحتفلوا باي حاجة يربطوها بالأكل، من أول رمضان اللي هو جوهر الصوم تلاقي فرحته في فطار على مائدة فيها ألف صنف ولون من الأكل والشرب والعصاير، العيد تلاقي الكحك بيكمل الفرحة، واللحمة في عيد الأضحى والفسيخ والبيض الملون في شم النسيم، وحلة المحشي في كل وقت، وطبق الكشري العبقري كمان، ولما اتنين يتخاصموا ممكن يتصالحوا على أكلة تجمعهم مع بعض، حتى المياتم بتجمع الناس على الأكل، ارجع وأقول الحكاية مش حكاية أكلة والسلام، الفرحة جوانا ساكنانا، عشان كده كنت زمان افرح أوي مع أول رغيف بلدي بيتي طالع بنار الفرن الفلاحي الصغير فوق سطوح بيتنا، وافرح من قلبي لطبق عدس أو بصارة أو مسقعة عاملاها أمي بروقان، أفرح لكوباية شاي على قهوة بلدي، رغم إن في بيتنا الشاي ما بيتقطعش كل ثانية، شوب عصير قصب نضيف في محل سوهاجي تفرحني، تين شوكي عسل من العربية اللي في الشارع حاجة بسيطة تفرحني، كوز درة مشوي على الكورنيش بيسعدني أوي ولو جنبه بطاطا مشوية أو حبة ترمس بالليمون مع حمص الشام سواء كنت لوحدي أو معايا ناس بفرح وتبقى الدنيا مش سايعاني .

في البيت لو سمعت صوت الآذان لمؤذن بحبه كنت أحس باطمئنان غريب ونادر، وفرحة مكتومة بس ساكنة جوا قلبي، عشان كده لما كنت أروح أصلي وأنا صغير واسمع أصوات الأذان البشعة عمري ما كنت ببقى فرحان ولا قادر أعبر عن ضيقي، لأن الأذان له صوت تاني ساحر في وداني، صوت مصطفى اسماعيل والحصري ومحمد رفعت. القرآن على الصبح مع أول ضوء نهار في بيتنا وفي المحلات اللي كنت بمر بيها في طريقي للمدرسة، ده لوحده سحر رباني كان سبب للفرحة والسكينة، لدرجة إن اليوم اللي كنت أخرج من البيت ما اسمعش صوت القرآن أحس إن فيه حاجة غلط، ولما كان القرآن يشتغل استحالة تلاقي صوت تاني يعلي عليه، مش الهمجية وقلة الاحترام والسيرك والنشاز اللي احنا فيه النهارده. الموسيقى اللي بحبها لو سمعتها من تلاتين سنة ولو سمعتها النهارده هتفرحني وتسعدني حتى لو كانت بالنسبة لغيري دقة قديمة، غنوة حبيتها وسمعتها ورددتها في وقت ما زمان ممكن كل أما افتكرها لحد دلوقتي أدندن بيها مع نفسي وافصل عن العالم اللي حواليا وافرح من قلبي. فيلم شفته أو مشهد ضحكني زمان ما نسهوش، وكل أما افتكر الفيلم أفتكر المشهد وأردد نص الحوار حرفياً وأضحك من قلبي، ويمكن فيه ناس مروا على في حياتي لما تيجي سيرتهم بس أفرح، ولما أشوفهم أضحك من قبل ما يتكلموا ولا ينطقوا حرف فما بالك بقى لو نطقوا، وطبعاً في ناس أجارك الله، أحمد ربنا على خروجهم من حياتي وذاكرتي إلى الأبد.

لمتنا حوالين ماما وهي طالع روحها في تحضير حلة محشي كبيرة بتسعدني، ويا سلام بقا لو بتحمر كفتة رز عشان تطبخها، أفتكر أني كنت استنى الكفتة المحمرة تنزل من ع النار وأكلها قبل ما تتطبخ لأني بحبها كده، أفتكر أني كنت أرفض أنقي الرز مع ماما، لكني ببقى أسعد واحد لو طلبت مني أفرط البسلة عشان أكل نصها وأنا بفرطها وأقعد أضحك، لو قلبت في أدراج مكتبي ببيتنا القديم ولقيت ألبوم صور زمان أسرح بذهني لسنين طويلة عدت علينا وافرح، وأفتكر العايشين والميتين وافرح وممكن أبكي من غير دموع، أفتكر العجل والزينة ولبس العيد الجديد والبمب والمراجيح وأنا طفل,افرح وأتنطط من الفرح لأي خبر حلو أسمعه حتى لو ميخصنيش.

أول ما كبرت قعدت سنين طويلة كل يوم الصبح اسمع دعوة حلوة ومتكررة من أمي وماكنتش وقتها عارف قيمتها ولا فاهم معناها لما كانت تقولي:" روح يا ابني ربنا يحبب فيك خلقه"، ياه على الدعوة دي، النهارده بس عرفت قيمتها وفرحت بيها لما اتكعبلت في عشرات البشر اللي بيحبوني بجد وغيرهم كتير من المنفسنين والحاقدين، بفرح اوي كل أما افتكر الدعوة دي لأنها بتفكرني بأمي، وببقى بتحسر ,انا رايح الشغل كل يوم الصبح ومعايا زوجة تسد عين الشمس بس الحقيقة مش بتدعيلي، تدعيلي مين يا حاج، ده اليوم اللي يعدي من غير ما تدعي عليَ بيبقى يوم عيد، واضح أني مطلع روحها وما أستهلش غير كده!

أما أنزل من البيت أشتري حزمة بقدونس مش عايزها أو علبة مناديل مش محتاجها أصلاً من ست عجوزة وأديها اكتر من تمنها بكتير وتقعد تدعي لي وتبكي، قلبي يطير من الفرحة، اتعمد أمشي في ميدان التحرير وأروح طفل أو عجوز قاعد يمسح الجزم، ممدش رجلي اتحرج من سنه وأخلع جزمتي واقعد جنبه أراقبه وهو بيلمعها وأيده ووشه غطاهم الهباب وسواد السنين وخريطة الزمن مرسومة بدقة في تجاعيد وجه الراجل ده، ياه لما قلبي يتخطف وهو بياخد مني الفلوس ويدعيلي، كنت بفرح أوي وأتمنى أرجع جري على البيت ألم كل جزم العمارة وأوديها للراجل ده وللي زيه عشان يشتغل وياخد فلوس ويفرح ويدعي لي.

 الضحكة الصافية في عيون العمال والناس الغلابة في الشارع لأبسط شيء بتفرحني وترضيني، ولما بشارك في عمل الخير ولو بقدر بسيط ده بيفرحني أوي، لما اروح بيتنا القديم في حي شبرا وأقلب في دولاب أمي واخرج هدومي القديمة بتمسك في جسمي رعشة فرحة غريبة، كأني لبست السنين اللي فاتت ورجعتها واستحضرتها بكل ما فيها مش مجرد لبست بيجاما أو جلابية بيت، عارف أنت شعور اللي بيوقف شريط عمره ويرجعه ويعيد منه الحتة اللي بيحبها وبس، حتة الطفولة والصبا والشباب قبل أي مسؤولية وحزن ووجع، ياااه هو ده شعوري بالظبط.

أول مرة دخلت جنينة الحيوانات وشفت الأسد والنمر والفيل والقرد بعيني، كنت كأني بحلم، لما كبرت وخدت بنتي نفس المكان بقت فتحة عينيها واصلة لحد ودانها من الذهول وقتها شفت نفسي في بنتي ورجعت طفل كبير متنكر في صورة أب بيلاعب طفلة صغيرة هي بنته. فرحة أول مرة في كل شيء، بوابة العبور من البراءة للتجربة لها طعم تاني، أول مرة ركبت ضهر الجمل والحصان وأول مرة ركبت مركب في النيل وأول مرة نزلت البحر في مصيف وأول مرة زرت المتاحف وشف الآثار وقربت من أبو الهول والأهرامات وطلعت برج القاهرة، ونزلت اصطاد سمك في النيل، ياه مش متخيل منظري مع أول سمكة كبيرة اصطدتها وبهدلتني في الميه، ولا أتخيل حجم فرحتي لما زرت الريف لأول مرة في حياتي وقعدت وسط الزرع والغيطان، وقطفت اليوسفي والبرتقال من على الشجر.

ياه على الفرحة اللي كنت بحسها في كل مرة كنت بانجح فيها في المدرسة والجامعة وفي الشغل، وياه على السعادة اللي كانت بتنط من عينيا لما كنت احضر فرح لأي حد قريب أو صاحب أو غريب. عروض التنورة كانت بتهوسني، المتاحف في الأقصر وأسوان بأحجام التماثيل الضخمة كانت بتملاني سعادة وفخر ورهبة، وأول مرة رحت الأوبرا وحضرت حفلة لعمر خيرت كانت فرحتى واصلة للسما ويمكن بعدها بشوية، ولما زرت سواقي الفيوم وعيون حلوان ومزارع الشرقية وبيت عبد الحليم وفيلا أم كلثوم كانت الفرحة مش سايعاني، ولما قابلت نجيب محفوظ وحاورته هو وأحمد زويل ومجدي يعقوب وفاروق الباز، ماكنتش حاسس بنفسي من الفرحة، ولما سافرت أتكرم أكتر من مرة بره مصر، حسيت بطعم الفرحة بجد، لما رحت حجيت واعتمرت وحججت أمي وزوجتي وبناتي كانت فرحتي بحجم الكون، فرحت بأول جنيه كسبته من شغلي في الاجازة وأنا طفل، وبأول مرتب قبضته بعد ما اتخرجت من الجامعة، وفرحت لما قلبي دق لأول مرة، وفرحت من قلبي وأنا بشوف أسمي في الجرايد لما كنت موضوع لخبر عن المتفوقين، ولما بقيت صحفي أصنع الأخبار كنت عايز أوري الناس اسمي وأقولهم أنا أهوه، لما أروح حي السيدة زينب وسيدنا الحسين في أي وقت ولأي سبب بفرح من قلبي، لما أشوف الحرف اليدوية من أول صناعة الطربوش والغربال والأواني الفخار والنحاس والصدف والمشربيات الأرابيسك، وقاعدة قهوة الفيشاوي، والمشي في شارع السد كل ده بيفرحني، لما أصلي في جامع عمرو بن العاص وأمر على باب زويلة وباب النصر وباب الفتوح وأزور الجمالية والدرب الأحمر وأقعد على مقهى ريش، بحس بفرحة بنفسي وببلدي وبعمالقة مصر في الفكر والفن والأدب والموسيقى، مش الشمامين والكولجية والعيال الفكسانة بتوع اليومين دول.

افتكر أول هدية أخدتها في حياتي وأفرح لما افتكر مناسبتها ومين جابها وايه قيمتها لأنها النهارده ما تتقدرش بتمن، وافتكر برضه أول هدية جبتها لحد في حياتي وكانت لأمي وأفرح وأبكي لأنها كانت حاجة بسيطة أوي على قد حالي وقتها، دلوقتي بقيت مقتدر لكني متغرب وبعيد عن أمي ومش عارف حتى أشوفها!

كنت أفرح اوي لو اتدخلت بين اتنين وحليت مشكلة، ولو صالحت متخاصمين، ولو عملت خير أو ساعدت في أني خرجت حد من مأزق كبير، وأفرح من قلبي لفرح ماما وبابا واخواتي وأسرتي، وناسي وأهلي وجيراني، وأفرح وأبكي بالدموع لما أشوف علم مصر بيرفرف مع كل نصر بنصنعه في أي مجال، ولما يتصل بيا حد أو يبعت لي رسالة على فجأة وبدون ترتيب ممكن الرسالة دي والاتصال ده لوحده يخلي يومي زي الفل، ويخلي مزاجي في العلالي، افرح أوي لكل كلمة تقدير أو تشجيع اسمعها وبالذات من ناس ماعرفهمش ومفيش بينا اي مصلحة، الفرحة مش محتاجة أسباب لأنها فعلاً جوانا، بس من سنين مش عارف هربت وضاعت فين، جربت أخرج في الشارع أدور على الفرحة، في عيون الناس وقلوب الناس في المواصلات في المصالح الحكومية في كل مكان، حزنت بكيت حسيت الناس مخنوقة، الناس بتضحك بالعافية من الغلب، وبتضحك من سنانها مش من قلبها زي زمان، حتى الجانب المضيء في حياتي أنا حاسس إن اللمبة بتاعته اتحرقت.

فعلاً محتاجين نشحن بطارية الفرحة جوانا من جديد، بدل ما احنا قاعدين نتلكك عشان نفرح، واضح أن الهم والغم سحل الناس وطحنها والتراب والكآبة والحزن غطت على الفرحة اللي جوانا، وبقى فيه ناس حوالينا تشفط الاوكسجين والأمل وتزرع فينا اليأس والألم وتسرق الفرحة وتنفسن وتحقد، مش عارف ايه اللي جرى للناس، الشغل بقا بالعافية، الأكل بالعافية، الحب بالعافية، الجواز بالعافية، الضحك بالعافية، العيشة كلها بقت بالعافية، بس برضه لازم نفرح النهارده قبل بكره، نفرح عشان ننسى أو ننسى عشان نفرح !

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز