عاجل
الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
تجديد الحوار الأُسَري (1)

تجديد الحوار الأُسَري (1)

بقلم : د. أحمد الديب
 
تؤكد إحصاءات الأمم المتحدة أن نسب الطلاق ارتفعت في مصر من 7 في المئة إلى 40 في المئة خلال نصف القرن الماضي، ليصل إجمالي المطلقات في مصر إلى 4 ملايين مطلقة. ذلك في الوقت الذي تؤكد فيه الإحصاءات الرسمية أن المحاكم المصرية، شهدت تداول نحو 14 مليون قضية طلاق في العام 2015، يمثل أطرافها 28 مليون شخص، أي نحو ربع تعداد سكان المجتمع المصري، حيث تشهد محاكم "الأسرة" طوابير طويلة من السيدات المتزوجات والراغبات في اتخاذ القرار الصعب في حياتهن، بلجوئهن إلى المحكمة المتخصصة في الأحوال الشخصية.
أتبني نظرية مسؤولية الرجل في نجاح أي أسرة ، ليس فقط بسبب قوامته  ، ولكن الرجل هو الذي ينعم بميزة الإختيار وهي الميزة التي لا تنعم بها المرأة بالطبع في مجتمعاتنا . الرجل ، والرجل فقط هو الذي يقرر متي سيبدأ رحلته في تكوين أسرة ، فيحدد أين ومتي وكيف ، ومن ثم يختار شريكة حياته التي من المفترض أن تصعد معه إلي متن السفينة . الرجل ، ولأنه يتمتع وحده بالمبادرة للصعود إلي تلك السفينة , ويتمتع وحده بإختيار من سيرافقه علي متنها ، لا يمكن أن يتنصل من مسؤوليته الكاملة عن قيادة السفينة .
تتعرض السفينة فيما تتعرض إلي الأنواء والأمواج العالية والرياح الصرر العاتية ، سيختل توازن السفينة المنطلقة إلي وجهتها ، وبغض النظر عن أسباب ومصادر إختلال التوازن والتي هي في معظمها طبيعية ، تبقي مسؤولية الربان قائمة باستمساكه بدفة القيادة حتي يستطيع أن يحافظ بقدر الإمكان علي توازن السفينة ويحميها ويحمي نفسه  ومن علي متنها من الغرق . هذا لا يعني إعفاء باقي الطاقم من المسؤولية ، لكلٍ دوره المحدد ولكن تبقي المسؤولية الأولي والأخيرة علي عاتق الربان.
يبقي تحديد المسؤوليات في رأيي من أولويات التخطيط لبناء أسرة ناجحة ، ويبقي علي ذلك القدر من الأهمية حين تتوسط في إصلاح ذات بين أو في حل مشكاة أسرية ما . أعترف ، وأدعي ان لي باع وذراع من الخبرة في مثل هذه المشكلات ، في معظم الحالات التي قابلت ، أجدني أنصف المرأة ، لا لشيء إلا لانني أطبق نظرية المسؤوليات والتي تبقي نصب عيني في مراحل الوساطة . كما أنني أري أن المرأة أضعف دائماً حتي وإن كانت الشواهد تدل علي عكس ذلك وليس أدل علي ذلك من قدرة الرجل أن يتزوج بأخري في أي وقت بينما لم يحسم المشكلة القائمة.
أعرف أن هذا الطرح لا يأتي علي هوي الرجال مطلقاً بينما تستثيغه النساء وقد أتهم ظلماً بمعاداة بني جنسي لمصلحة الجنس الآخر .
فقط دعني أقص عليك هذه القصة عن رجل ستيني قابلته بالصدفة علي شاطيء البحر في مدينة مرسي مطروح الجميلة منذ سنوات عديدة ، سمعته يدندن لفيروز فأقتربت منه وسلمت عليه ، وبعد أن فرغ من حكايته عن فيروز والرحبانية قال لي "عذراً إن وجدت في كلامي أي خلل ، فأنا أعالج من الإكتئاب منذ سنوات بمضادات إكتئاب " ، أكدت له أنه لا خلل مطلقاً فيما يقول وتمنينت له الشفاء العاجل ولم أساله عن شيء فبادرني بقوله " بص يا دكتور ، إنت سنك صغير ، أنا كنت رجل أعمال ناجح جداً ولي ولد وبنت وأمرأة جميلة لكنها متسلطة ومادية وعصبية ولم تفلح كل المحاولات للإصلاح حتي انفصلنا ، وها أنا أمامك أعالج من الإكتئاب منذ سنين وكذلك زوجتي السابقة وأولادي. كانت نصيحة الرجل لي ولجيلي عموماً ، تتكون من جزأين ، أولهما تحمل مسؤولية الإختيار ، ثم تحمل مسؤولية ما بعد الإختيار واعترف لي أنه لا شيء في الدنيا يساوي إصابة إبنه وبنته بالإكتئاب وأن تنازله كان أولي وأن أي تنازل كان من المفترض أن يقدمه لا يساوي شيئاً في مقابل السواء النفسي لأولاده .
لماذا تنطفيء جذوة الحب المشتعلة أو تكاد بعد الزواج في معظم الأحوال ؟ ..أعتقد أن هذا السؤال الجوهري علي قدر كبير من الأهمية بين أسئلة كثيرة أخري يجب أن تطرح بلا تحفظ أو مواربة ، هذا السؤال ينطبق بالطبع علي الحالات التي تتكون فيها الأسرة من شخصين كلاهما في حالة حب . والحق أقول بأن الإجابة علي هذا السؤال ليست بسيطة كما كنت أتصور ، كما أن الإجابات السطحية لا تقدم ولا تؤخر في تفسير حالات بدأت في تكوين أسرة بإسم الحب بل بإسم الحب الشديد ثم إنتهت إلي المأذون الشرعي مرة أخري في حالة الإتفاق علي الطلاق أو في أحوال أسوأ بكثير ينفصل الطرفان ولا ينفصلا ، بمعني أنهما يعيشان تحت سقف واحد وكل منهما علي حدة  في عالمه الخاص وكأنه يعيش وحدة ، أو في الحالات الكثيرة المعلقة ما بين الأحكام العرفية وساحات المحاكم إن لم يكن ساحات العراك والشجار والأذي.
دعني أكون واقعياً هذه المرة في محاولة الإجابة علي السؤال السابق ، الواقعية تقتضي الإجابة علي سؤال آخر متصل عن ماهية الحب الذي كنا نقصد في سؤالنا الأول ، ما تعريفه ، وما خواصه ، ومتي يمكن أن نشخص حالة رجل وأمرأة أنهما تزوجا عن علاقة حب ، هل نقصد بالحب الأنس والذي هو دونه الوحشة أم نقصد به الألفة أم نقصد به تلك الحالة القلبية التي ربما لا يستطيع أن يصفها أحد ، أم هذه الحالة العقلية التي تشبه المصباح الذي يضيء في عقلك عندما تري الآخر فتقدر بعقلك مدي ملائمة هذا الآخر لك ، أم أنه الحب الجسدي الذي لا يتجاوز الجوارح ، أم أن الحب هو مزيج من كل ماسبق ذكره .ربما أنطلق من هذا إلي المحاولة الأولي للإجابة علي السؤال الأول فأقول إن أول أسباب خمود جذوة الحب المشتعلة بعد الزواج أنه ليس حباً ما كان البعض يظنه حباً .
يظهر الطرفان قبل الزواج أحسن ما لديهما علي كل المستويات ، حكي لي صديق طريف عن صديق له لم يذكر لي إسمه بالطبع كان يتناول الطعام مع خطيبته في أحد المطاعم وكان يحب الملوخية فطلب طبقين من الملوخية علي المائدة فإذا بخطيبته تستنكر ذلك وترفض أن تتناول الملوخية لأنها تستلزم إستخدام الخبز والأصابع وهي معتاده علي إستخدام الشوكة والسكينة ، فسأله صديقي ماذا فعلت بعد الزواج فقال " بعد الزواج ،تشرب الملوخية والشوربة بالطبق وليس حتي بالمعلقة" .
 هكذا ينكشف ما كان يستتر وقت الخطوبة في الزواج . في الزواج يرانا شريكنا في كل وقت ، أثناء نزلات البرد والإستخدام الاستثنائي المتكرر للمناديل ، أثناء النوم وما يحدث من جلبة وضوضاء بفعل أصوات قادمة من أي مكان ، في أوقات آلام الأسنان ، في أوقات المود السيء ، والمزاج الغير منضبط ، في حالات الفشل وخيبة الأمل ، في حالات صينية البطاطس المحروقة أو التي تخلو من الملح ، في الضوائق المادية ...وغير ذلك من تقلبات واقعنا المعاش والتي لا يختبرها الطرفان قبل الزواج.
في حالات أسوأ ، وهي حالات الحب المدفوع بالغريزة الجنسية والتي تنقضي بمجرد أن يستمتع أحدهما بالآخر في الزواج دون النظر إلي أي عامل آخر . لم يفكرا أبداً في مفاهيم هامة كتكوين الأسرة والمسؤوليات المشتركة والتفاهم وإدارة الخلاف . فإذا ما قضي أحدهما من الآخر وطراً ، لم يعد أمامهما إلا المسؤوليات التي تبدأ غالباً عندما تنفد إسطوانة البوتجاز والتي تحتاج إلي تغيير عاجل وإلا سيتناولا سندويتشات الجبن أو المربي. هكذا يجابه الطرفان مسؤوليات لم تكن في الحسبان فيعيد كل منهما تقييمه لتجربة الجواز والذي سيكون سلبياً في معظم الأحوال.
كيف يمكن أن نفهم الزواج ونراه من منظور تكوين الأسرة وكيف يمكن لطرفيها ان يجددا حوارهما الُأسري ، هذا ما سنحاول إلقاء الضوء عليه في مقالات تالية إن شاء الله.



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز