عاجل
الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
مصطفى أمين يكتب : طلعت حرب الذى لا يعرفه أحد

مصطفى أمين يكتب : طلعت حرب الذى لا يعرفه أحد

بقلم : رشاد كامل

 



عاصر الكاتب الكبير الأستاذ «مصطفى أمين» المحنة التى عاشها أستاذنا الكبير الكاتب «محمد التابعي» فى البحث عن سلفة أو قرض لإنشاء مجلة آخر ساعة!

لقد اختلف الأستاذ «محمد التابعي» مع السيدة «روزاليوسف» بسبب «مصطفى أمين» نفسه، وخرج الاثنان من بيت السيدة روزاليوسف وقد قرر التابعى أن يصدر مجلة كما قال  لمصطفى أمين يومها!

ويروى مصطفى أمين رحلة البحث عن رأس مال للمجلة الجديدة وهو صاحب اسمها «آخر ساعة» ومنحه التابعى خمسة مليمات مكافأة له عن الاسم!

كما يروى  عشرات المحاولات  للحصول على المال باءت كلها بالفشل ورفضوا منح «التابعي» ما كان يحتاجه كسلفة أو قرض!!

وكان «طلعت حرب باشا»  هو المنقذ الوحيد!!

باقى التفاصيل رواها «مصطفى أمين» فى مذكراته «من عشرة لعشرين» حيث كتب يقول : 

«كان البحث عن مائة جنيه فى تلك الأيام عملية شاقة مهينة، كان المبلغ يبدو ثروة طائلة فى تلك الأيام، وكان دفعه فى مشروع صحفى مخاطرة مجنونة».

وفجأة رأى ليلة القدر، اتصل به – أى بمصطفى أمين – صديقه «محمد فهمى الخضري» وقال له إن «طلعت حرب باشا»  يريد أن يراه.. وذهب لمقابلته، فقال له أنه سمع من «أحمد عبدالوهاب باشا» وكيل وزارة المالية أنكم تبحثون عن شخص يقرضكم مائة جنيه لإصدار  مجلة، فكيف تكون صحفيا ذكيا ولا تفكر فى بنك مصر ؟! مهمة بنك مصر مساعدة كل مشروع مصرى يتوسم فيه النجاح وأنا مؤمن أن مشروعكم سينجح! 

وأمسك «طلعت حرب» التليفون وطلب «عبدالحميد البنان»فلم يجب وطلب «لطفى محمود» سكرتير بنك مصر وأمره أن يقرض آخر ساعة ألف جنيه، وأن تسدد المبلغ بثمن الإعلانات التى تنشرها عن البنك وشركاته!

أبدى مصطفى أمين والتابعى دهشتهما البالغة من هذا الموقف النبيل، وكما يقول «مصطفى أمين» إن التابعى كان قد نشر منذ عامين خبرا عن «أحمد عبد الوهاب» باشا أساءه وأغضبه، فاستدعى  التابعى إلى مكتبه وتركه عند السكرتير، وخرج إليه وشتمه ثم عاد إلى مكتبه دون أن يحادثه!!

وظهر أن «أحمد عبدالوهاب باشا» فرح بأن مجلة مصرية ستصدر واتصل بطلعت حرب وطلب منه أن يقدم المبلغ الذى  تطلبه المجلة الجديدة رغم  المشادة التى وقعت بينه وبين صاحبها – محمد التابعي!

وكان «التابعي» يروى دائما قصة أحمد عبدالوهاب باشا ويقول : 

 هذه يد لا أنساها!!

ولم يعرف أحد أن رأس مال آخر ساعة من بنك مصر!

هذه الرجولة كانت ميزة فى رجال هذه الأيام، يحاربونك فإذا وقعت على الأرض مدوا لك يدهم ليساعدوك على الوقوف، ويختلفون معك فى الرأى ويتضامنون معك فى أى عمل وطني.

واعتقد أصدقاء  السيدة «روزاليوسف» أن الألف جنيه من «أم مصطفى أمين» ولم يتصور أحد أن  بنك مصر – يجرؤ أن يقرض متهما بالعيب فى الذات الملكية ليصدر مجلة تهاجم الحكومة وتعارض القصر!

ولكن كانت هذه شخصية طلعت حرب العجيبة، لم يكن متتسبًا لحزب من الأحزاب، ولم يؤيد الوفد فى يوم من الأيام، وقابل «سعد زغلول» يوم توليه رئاسة الوزارة فى قصر عابدين ولم يصافحه لأنه كان ضد الحكم الديمقراطي!! ومع ذلك كان رجلا وطنيا.

وعندما علم أن «عباس محمود العقاد» عاجز عن دفع إيجار بيته بعد أن  اختلف مع الوفد وترك «روزواليوسف» استدعاه وفتح له  حسابا على المكشوف واشترى أغلب النسخ التى لم يبعها من كتاب «سعد زغلول» الذى لم يكن يحبه طلعت حرب!

وفى اليوم الذى أنقصت حكومة إسماعيل صدقى باشا «معاش» مصطفى النحاس – بعد استقالته من رئاسة الوزراء – وامتنع عن قبض المعاش ورفع قضية على الحكومة لم يتردد – طلعت حرب – فى إقراض النحاس بلا ضمان متحديا الملك فؤاد وحكومة إسماعيل صدقى!

ويمضى «مصطفى أمين» بأسلوبه الرشيق فيقول : 

«كان طلعت حرب يعتبر نفسه مسئولا، لا عن شركات بنك مصر وحدها، وإنما عن كل شركة مصرية وكل مصنع مصري، كان يشجعه وكأنه مؤسسه، وكان يفرح به وكأنه صاحبه، وكان يقول إنه تمنى أن يصدر جريدة مصرية عظيمة لأن كل الجرائد الكبيرة يملكها متمصرون!

وأنه جرؤ على فتح ستديو مصر للسينما وعلى إنشاء فرقة مسرحية  ولكنه لم يجرؤ على إنشاء جريدة لأن  إنشاء جريدة فى رأيه أصعب من إنشاء تياترو- مسرح- أو إخراج فيلم سينمائي!

وكان طلعت حرب يقول إنه لم يشترك طوال حياته فى مظاهرة، وأن البلد فيه كثير من الذين يهتفون ويصفقون، وقليل من الذين يعملون وينشئون وأنه يؤمن أن الاستقلال يأتى بمداخن المصانع لا بأفواه المدافع، وأنه يعتقد أن البنوك والشركات تحرس حرية مصر أكثر مما تحرسها القلاع الحربية!

وكان رجلا محافظًا، صامتا عبوسا جامد الوجه، ولكن كانت الأرقام تضحك وتتكلم وتغنى فوق شفتيه! يفخر بأنه ألف كتابا هاجم فيه كتاب قاسم أمين «تحرير المرأة» عندما طالب بسفور المرأة المصرية!

وأنه بقى طوال حياته يعارض اشتغال المرأة بالمسائل العامة، ورفض بشدة أن تعمل فى بنك مصر وشركاته!!

وكان يضحك مع «مصطفى أمين» ويقول له إن السر الحقيقى لموافقته أن يدفع بنك مصر ألف جنيه قرضا لمجلة آخر ساعة هو أنه كان لا يطيق أن يكون اسم أكبر مجلةسياسية فى مصر باسم سيدة هى «روزاليوسف»!

وقد هوجم طلعت حرب كما هوجم كل ناجح فى مصر! فالطوب هى طريقتنا عادة فى التعبير عن الإعجاب بدل باقات الزهور!

ويروى «مصطفى أمين» عشرات الشائعات الكاذبة المغرضة التى أطلقها خصومه عليه فيقول:

«قالت الإشاعات الكاذبة  أنه أنشأ مسرح الأزبكية وفرقة عكاشة المسرحية لأنه يحب السيدة «فاطمة سرى» ممثلة الفرقة الأولى!

بل قيل أنه أنشأ شركة مصر للأسماك لأنه يحب السمك!

وأنشا شركة الملاحة لأنه يحب السفر إلى أوروبا!!

وأنشأ شركة مصر للطيران لأنه يحب الانتقال السريع!

وكانت جريمته الكبرى أنه كان أول من عين الشبان المصريين فى مناصب المديرين وأعضاء مجالس إدارة الشركات، وكانت هذه المناصب احتكارا على العجائز والمحالين على المعاش!

ومع ذلك صمد طلعت حرب كهرم رابع بجوار الأهرامات الثلاثة، تنكسر عليه العواصف والأعاصير، وتتحطم أمام صلابته محاولات الهدم ومؤامرات  التشويه!

كان يبدو خائفا وهو شجاع، وكان يبدو حذرا وهو مغامر، وكان يبدو عملاقا وهو قصير القامة!وكان يبدو بلا قلب وكله قلب وعاطفة وإحساس. 

 وكان موقفه فى أزمة إنشاء «آخر ساعة» موقف شجاعة فى عصر كثر  فيه الجبناء، وعلامة جرأة فى زمن امتلاء بالمترددين!

وكان شرطه الوحيد على التابعى ومصطفى أن يكتما سر أن بنك مصر أقرض  المجلة الوليدة ألف جنيه، وحافظا على هذا السر، ولم يخبرا به أى إنسان!

 كان طلعت حرب بحق «ضمير وطن» وأسطورة مصرية يندر أن يتكرر أسطورة فى عشق مصر وكل ما هو مصري!

وللحكاية بقية 

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز