في معبد أبوسمبل.. نحن نقدم لك القرابين زهورًا

بقلم : د. ايمان الجمال

 في 22 من اكتوبر و22 فبراير عندما تبزغ الشمس فوق الجبال الشرقية، يمتد الشعاع أفقيًا ليدق باب الدخول ويخترق الظلمات ويصل إلى المعبد منطلقًا من السماء فوق الهيكل، تستطيع الشمس الدخول مرتين في العام إلى أعماق المعبد لتضيء وجه تمثال رمسيس الثاني في ظاهرة أعدت بدراية ودقة كاملة.

تعود الشمس مرتين بالعام، لتمنح الملك النورانية في جلال وسمو في مجمع إنشائي هائل مع وضع في الاعتبار المقصورة الشمسية والمعبد الخاص بتحوت والكهف الشمالي للملكة نفرتاري.

   في أجواء مغايرة للأزمنة القديمة على ضفة النيل أراد رمسيس الثاني إقامة صرح عظيم ويعتبر أضخم بناء بناه الإنسان في زمانه أهداه على آمون رع وحور أختي.    

تماثيل ضخمة في صرح واجهته أربعة تماثيل عملاقة جالسة نحتت بالجبل توجه أنظارها نحو البشر وسمات وجوهها تعبر عن براعة الفنان في حركة تشكيلية للتماثيل المتجاورة في واجهة أسطورية تتطلع إلى الشمس وشروقها لا يقل ارتفاعها عن عشرين متراً .. بلاطات مربعة الشكل تؤدى إلى سطح عملاق مطلة على نهر النيل، ولكن هذه الواجهة العملاقة ما هي إلا مدخل للعديد من الأسرار للمقصورة الشمسية .

    معبد أبوسمبل بمثابة تحفة، تشتمل على سحر وتماثيل تفيض بالأناقة لنفرتاري تقدم الزهور قرابين وصور رمسيس الثاني ممسكاً بباقة زهور منسقة للربة تاورت وحاتحور، هنا يحل إهداء الزهور مكان القرابين واللون الأصفر الذهبي تتألق به حاتحور.

   فكرة بناء المعبد كانت تقام للأعياد الدينية، وكان يبعث في النفس الجلال الديني وكان يحاط به الاسوار وفى واجهته بوابات، وكان يبنى بحيث تجعل البناء قابلًا للإضافة دون أن يمس جوهر المعبد الأصلي أو يشوه وحدته المتناسقة، وكان يبنى ليبقى أثره أبديًا، فكانت تقام القاعات الضخمة والاعمدة التي تشبه الاشجار الباسقة، والمسلات العالية على عكس القصر الملكي، الذي كان الغرض منه الحياة الدنيا فقط، وتطورت من محاريب في الدولة القديمة.

   كانت المعابد تقام على طرز واحدة وصور المعبد، كانت تقام على شكل حزم سيقان البردي، وحل مكانها بعد فترة عمد سيقانها مستديرة الشكل، وكانت الفكرة أن هذه العمد تمثل نباتاً ينبت من الأرض وينتهي بأزهار أو تكون في هيئة حزام يرتكز عليه السقف المصور في صورة سماء

العمد النباتية، وزيد في طول الردهات وإضافة ردهات جديدة وبوابات تعد من أهم خواص الفن البنائي المصري.

    معبد يجلل نفرتاري أحيط بجانبي الممر المؤدى إلى باب الكهف بالعملاقين الملكيين الجالسين، ونحت تمثال للملكة الأم موت توى بجانب تمثال رمسيس الثاني وفى الاماكن الثانوية للتماثيل نحت أبناء الملك من الزوجتين نبت تاوى الابنة الكبرى لايزيس نفرت، ومريت آمون ابنة نفرتاري، وباكت موت ابنة نفرتاري أيضاً، وتجنب وجود الزوجة الملكية إيزيس - نفرت.

      يتكون المعبد من ردهة أمامية قطعت في الصخر أمام المعبد الأصلي، وكانت محاطة بسور من اللبن، والحجرة الأولى وهي قاعة العمد العظيمة ويرتكز على سقفها أعمدة مربعة الشكل يستند فيها صورة الملك على هيئة أوزير وسقف الطريق الوسطى محلى بعقبان طائرة أما الطريقان يحلى سقفيهما بالنجوم.

  تستوعب قاعة الأعمدة أربعة أعمدة مزينة بمشاهد تتعلق بالقرابين يقدمها الملك للآلهة، وفى الحجرة الأمامية يتضاءل الضوء ويخفت ليصل إلى الظلام وفيها صور الملك وهو يقدم القرابين.

   وقدس القداس، ويعد بمثابة التل الأزلي، وهو أول رقعة من أديم الأرض ظهرت من مياه العدم في يوم خلق العالم والذي يتمثل من البراح الأزلي.

 من الجدار الغربي للحجرة الأمامية، ويطلق عليه مقصورة المركب في رسم شعائر التبخير.

    والجانب الجنوبي الغربي مشهد رمسيس الثاني يقدم القرابين لتمثال آمون الجالس فوق العرش بداخل مقصورة صخرية، ويوجد ممر مستطيل يؤدى إلى حجرتين ممتدتين.

في النصف الأيمن من الجدار الشمالي المعبد الملك وهو يضرب الاعداء في حضرة رع حور أختي، الذي يقدم له السيف المعقوف، وعلى الجدار الجنوبي الملك يهاجم قلعة سورية والحاضرين يطلبون الرحمة وفى النهاية يعود الملك ومعه الأسرى.

   وفى المعبد يظهر منظر رعمسيس الثاني وفى يده السيف والقوس ممتطيًا عربته على مهل، ومعه جيش يسير في ركابه وبجانبه جواده وأسده الأليف يتبعه ويسير امام العربة أحد اتباع الفرعون يحمل قوسًا وعصا نعلى الفرعون وسيق أمامه صفان من الأسرى السود مكبلين في الأغلال.

    وفى مشهد آخر رمسيس وبيده القوس يقود صفين من الأسرى السود يقدمهم إلى ثالوث طيبة وهم آمون وحوت وخنسو، وفى الجدار الشمالي حملة الملك على خيتا والتي صورت في معبد الرمسيوم والعرابة.

    وفى النصف الأسفل من الجدار صور سير الجيش، والذي يحتوي على مشاه وخيالة ومنظر جاسوسين، يؤخذ منهم الاعتراف وفى المنظر الأخير، على اليمين العربات مشتركة في المعركة، وفى المنظر على النصف الأعلى الواقعة مصورة بكاملها، فنرى الملك منقض بعربته على العدو الذي أحاط به ونشاهد قادش محاطة بالنهر والمدافعون يرقبون سير القتال، وعلى الجدار الخلفي نجده يقود صفين من الأسرى وعلى اليسار صفين من العبيد.

 معابد أبو سمبل تحف معمارية صامدة على مر الزمان بمعجزات فلكية زقيم تشكيلية وفنية جسدها الفنان المصري القديم بكل صدق لفنه الذى خلده .