عاجل
الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
التصالح في التعليم

التصالح في التعليم

 "يسود القانون أم نقنن السائد".. هذا هو عنوان المقال الرائع الصادم الذي كتبه د. يوسف إدريس في الأهرام منذ أكثر من ٤٠ عاماً تقريباً، أشار فيه إلى أننا أصبحنا عاجزين تماماً عن تطبيق القوانين المنظمة لشؤون الفرد والمجتمع ككل، ونترك الحبل على الغارب لمخالفة تلك القوانين فى غياب دور الدولة، ثم نلجأ عوضاً عن تنفيذ القانون إلى تقنين السائد، أي نحصن الخطأ والمخالف بإعطائه صيغة قانونية شرعية، وللأسف فإن هذا ما يحدث دائماً طوال الأربعين سنة الماضية، وأقرب دليل على ذلك هو قانون التصالح في مخالفات البناء، الذي لولا أن انتفض الرئيس للتحذير من الفوضى والعشوائية في سوق البناء لما تحركت مؤسسات الدولة للحد من الانفلات والعشوائية في قطاع البناء، وكذلك في التعديات على الاراضي الزراعية وأراضي الدولة. 



ويبدو أننا نسير في نفس الاتجاه ولكن في مجال التعليم، وذلك بعد تصريحات الوزير د.رضا حجازي، بضرورة تقنين وضع السناتر وأيضاً الدروس الخصوصية وإدخال شركات خاصة تشرف على مجموعات التقوية في المدارس، وأن ما اقترحه أمام البرلمان حفظاً لحق الدولة، بعد أن كشف أن حجم الدروس الخصوصية والسناتر تخطى ٤٧ مليار جنيه سنوياً، وأن ذلك يعد تعليماً موازياً يجب تقنينه والسيطرة عليه ويكون خاضعاً لإشراف الوزارة.

والحقيقة أن ما ذكره السيد الوزير هو إدانة للسياسة التعليمية كلها، فكلنا يعرف أن الدروس الخصوصية والسناتر هي مشكلة النظام التعليمي كله، وأن السبب يرجع بالدرجة الأولى إلى التراجع الشديد في دور المدرسة، والتراجع الأشد في دور المعلم، بالإضافة إلى العوامل الأخرى، ومنها كثافة الفصول وقلة عدد المدارس بالقياس إلى عدد التلاميذ الذي وصل إلى ٢٥ مليوناً في كل مراحل التعليم ما قبل الجامعي والجامعي، أي ربع عدد السكان تقريباً، وأشياء أخرى كثيرة منها عجز المعلمين في كل التخصصات، فالوزارة في حاجة إلى ٣٠٠ ألف معلم لسد العجز، وليس هناك ميزانية، خاصة إذا علمنا أن الأجور والمرتبات في وزارة التربية والتعليم، تلتهم ما يقرب من ٩٠٪ ؜من ميزانيتها  رغم الزيادة التي تطرأ سنوياً على تلك الميزانية. 

والحقيقة أن الحل الأصعب والأمثل لمشكلة التعليم الموازي الذي اعترف به الوزير، وطالبنا بالاعتراف به وتقنينه، هو عودة دور المدرسة والمدرس بالدرجة الأولى، لأن كل ما يحدث في العملية التعليمية الآن هو تستيف أوراق وملء خانات وبيانات، لأن التلميذ يخرج من الابتدائية إلى الإعدادية، وكأنه لم يتعلم شيئاً، والنتيجة ناجح ومنقول، وللأسف ليس هناك رقابة على العملية التعليمية، ولا تفتيش ولا يحزنون، التلاميذ لا يذهبون للمدرسة، والمدرسون مشغولون بالدروس الخصوصية، وأتمنى أن ينزل الوزير بنفسه للتفتيش على سير العملية التعليمية ليس في القاهرة، بل في المحافظات والقرى والنجوع، ليرى بنفسه ويتحقق إذا كان هناك تعليم حقيقي أم لا، ينزل بنفسه ليفتش على المدارس الثانوية، التي لا يذهب إليها الطلاب إطلاقاً طوال فترة الدراسة، لأنهم متفرغون للسناتر. 

الاقتراح الذي قدمه الوزير هو أشبه باقتراح لتقنين تجارة غير مشروعة، وينسى أن التعليم قضية أمن قومي وليست قضية وزارة أو وزير يأتي أو وزير يذهب، والمشكلة ليست في حق الدولة، الذي يبحث عنه في تقنين الدروس الخصوصية والسناتر، لكن في حق المواطن الذي كفله له الدستور في تعليم جيد لا يثقل كاهله، ويصبح الهم الأكبر للأسرة المصرية طوال مراحله.

  التعليم كما قلت قضية أمن قومي تتعلق بالدرجة ببناء الإنسان المصري، الذي تقوم عليه التنمية المستدامة ومستقبل هذا الوطن، ولذا يجب الدعوة إلى مؤتمر قومي لتطوير التعليم، يطرح فيه كل آفات ومشكلات التعليم في مصر، وأن توضع لها الحلول المناسبة لظروف دولتنا ومجتمعنا وإمكاناتنا المادية والبشرية، وألا توضع هذه الحلول في الأدراج، مثلما حدث مع المؤتمر القومي للتعليم، الذي عقد مع بدايات حكم الرئيس الراحل مبارك، ولم يُنفذ منه شيء.               

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز