عاجل
الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

حكايات عن التكاررة أو التكرور 

شعب التكرور هم من أشهر شعوب غرب أفريقيا، وأكثرهم ارتباطًا بالإسلام منذ القرن 5 الهجري/القرن 11 الميلادي على أقل تقدير، وكان ذلك أيام ملكهم المدعو "ورجابي بن رابيس". وعن مدينة "تكرور"، يقول الحميري في روايته: "تكرور: مدينة في بلاد السودان بالقرب من مدينة صنغانة (يقصد صنغي)، على النيل (أي: نهر النيجر)". 



ونالت أرض التكرور مكانة مهمة، رغم أنها كانت من الأقاليم التي يحكمها ملك مالي، ومن أدلة ذلك أنه كان يقال لحاكم مالي لقب: "ملك التكرور"، يقول العمري (ت: 749هـ): "وصاحب هذه المملكة هو المعروف عند أهل مصر بملك التكرور..". ورغم ذلك، كان حكام مالي لايحبون هذا اللقب: "ولو سمع (اي ملك مالي) هذا أنف منه، لأن التكرور إنما هو إقليم من أقاليم المملكة، والأحب إليه أن يقال صاحب مالي، لأنه الاسم الأكبر، وهو به أشهر". 

ورغم ذلك، انتشر اسم التكرور أو بلاد التكرور، وذاع في بلاد الإسلام، كما كان يستخدمه أهل البلاد فيما بعد على نطاق واسع، وهو ما يبدو بشكل واضح من مؤلفات مؤرخي وفقهاء التكرور. ولعل عدم استخدام لقب ملك التكرور لدى الحكام في مملكة مالي كان مكروهًا أيام منسا موسى أكثر من غيره من حكام مالي الذين ارتقوا العرش من بعده، فتساهلوا في ذلك الأمر، ولهذا نجد لقب بلاد التكرور وملك التكرور منتشرا في المصادر فيما بعد. 

وكان الفرنسي "ديلافوس" من أوائل المحدثين ممن انتبهوا إلى الأصل الصنه الصنهاجي لكلمة "التكرور"، وأورد أنه من المحتمل أنه لم يكن الاسم الأصلي للاقليم في الماضي، بل أطلقه جماعات من بربر صنهاجة على هذه البلاد، ثم أخذه العرب عنهم. ويقال إن اسم (التكرور) يعني باللغة الصنهاجية: "المكان الذي يتعرض فيه المرء للسرقة"، فهو اسم مشتق من فعل (أكر) الصنهاجي الذي يعني: "يسرق". ولاندري على أية حال ما هي ثمة العلاقة بين أرض التكرور كبلد من البلدان من جانب، وفعل يسرق من جانب آخر. 

ويعتقد المؤلفُ أن في تلك التفسير لاسم التكرور تحاملاً من صاحب هذا الرأي، وهو مستشرق فرنسي على أية حال. ولقد كان اسمُ "التكرور" يُشير بدايةً إلى تجمعاتٍ  قروية في إحدى الإمارات الواقعة في أقصى شمال "السودان الغربي"، وغير بعيدٍ عن مَصبِ "نهر السنغال"، وهو ثاني أكبر الأنهارٍ، وأكثرها تأثيرًا في سكان غرب أفريقيا بعد "نهر النَيجر". 

وتذكر المصادر أن القوافل التجارية كانت تسافر لمدينة تكرور  قادمة من بلاد المغرب، وكانوا يحملون النحاس، والصوف، والخرز، بينما كانوا يحملون من التكرور التبر (الذهب)، والرقيق. بينما يذكر القلقشندي عن مدينة تكرور حاضرة هذه البلاد (أي بلاد التكرور): "وقاعدته مدينة تكرور..وهي مدينةٌ على النيل (يقصُد النيجر) على القرب من ضفافه أكبر من مدينة سلا من بلاد المغرب". 

ويبدو من اللافت أن المؤرخ القلقشندي (ت: 821هـ) يتحدث عن بلاد التكرور، ويحددها بأنها تُمثل الإقليم الخامس من أقاليم دولة مالي  للتفريق بين اللفظين، والدلالة الخاصة بكل منهما. 

وتذكر المصادرُ أن أول ملك تكروري كان قد اعتنق الإسلام: هو الملك "وارجابي بن رابيس"، وهو يُعتبر في ذات الآن أقدم الملوك في تاريخ غرب أفريقيا الذين أسلموا قبل  قدوم المُرابطين (448-541هـ) لهذه البلاد، أو ما يُعرف بمرحلة "الغزو المرابطي" لبلاد السودان الغربي. ويذكر القلقشندي (ت: 821هـ)، وغيره من المؤرخين القدامى، بلاد غرب أفريقيا باسم: "بلاد التكرور". 

كما أنه يُفرق (أي "القلقشندي") بشكلٍ واضح بين مدلول كل من "مملكة مالي" و"بلاد التكرور"، ومن ثم يُحدد أيضًا موقع هذه البلاد، حيث يذكر "القلقشندي" أن "بلاد التكرور" تقع إلى الشرق من "إقليم كوكو".

ويُرجح أن اسم التكرور كان يُطلق بصفةٍ عامة على كلٍ من "مملكة مالي" (596-874هـ)، و"مملكة صُنغي" (777-1000هـ)، وكذا "بلاد الكانم" أيام "المماليك" (648-923هـ)، وهو الأمرُ الذي يتضحُ لنا بشكلٍ جلي من خلال روايات أكثر مؤرخي عصر المماليك القدامى.

 

د. إسماعيل حامد
د. إسماعيل حامد

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز