عاجل
الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
معرض القاهرة الدولي للكتاب
البنك الاهلي
سليم حسن ويعقوب الشاروني.. إعادة طرح سؤال الهوية

معرض الكتاب 2024

سليم حسن ويعقوب الشاروني.. إعادة طرح سؤال الهوية

كنت واحداً من هؤلاء المعتادين على معرض الكتاب بأرض المعارض التاريخية بمدينة نصر.



 

هذا العالم الاحتفالي المصحوب بنوع من حرية مفرطة في السلوك وتفريغ طاقة الصمت في حوارات ومشاغبات المثقفين والفنانين، وحالة من الأنشطة الفنية المصاحبة ذات الطابع الكثيف وندوات معرض الكتاب مع صاحب الخيال الثقافي المؤلف المسرحي الكبير د. سمير سرحان. 

وقد حرص خلال الفترة التي أدار فيها الهيئة العامة للكتاب على طرح القضايا الساخنة والجدلية وعلى محاولة جعله نموذجاً مصغراً لواقع الثقافة والفنون في مصر، إذ كان قد حرص على حضور الفنون التعبيرية بوضوح منتظم كفعاليات أساسية مع المناقشات والندوات المتعددة، كما كان يحرص على تمثيل الأطراف المصرية الثقافية والهامش الثقافي مثلما يحرص على تمثيل المركز والمتن. 

وكان المعرض، آنذاك، قد تحول إلى ما يشبه الاحتفالات الشعبية المصرية بالباعة الجائلين للمأكولات والمشروبات، وكان نزهة ذات طابع مرح إنساني جداً، مع عمقه الثقافي وتعدد دور النشر التي حققت المبيعات الكبرى. 

وفي النسخة الجديدة للمعرض عام انتقاله إلى مركز مصر للمعارض والمؤتمرات الدولية بالتجمع الخامس عام 2019 ذهبت إلى هناك، وفي البداية افتقدت تلك التلقائية التي تقترب من الفوضى أحياناً وهي فوضى مبهجة كنا قد اعتدنا عليها وتمتعنا بها في فترة عاشق الحياة د. سمير سرحان رحمه الله رحمة واسعة.

إلا أن النظام والدقة والنظافة الأنيقة ودرجات الأمان والانضباط في السلوك الجماعي وفخامة المكان، وصياغته الحضارية كانت قد أخذتني إليه عبر الصدمة المدهشة، واعتدت على ذلك النظام والأناقة والطابع الحضاري للمعرض في مكانه الجديد بالتجمع الخامس، حقاً إنه انتقال حضاري إلى القرن الحادي والعشرين، رغم ابتهاجي بكل الذكريات القديمة عن معرض القاهرة الدولي للكتاب.

إنه المعرض التاريخي أول معرض كتاب بالمنطقة العربية 1969 أطلقه المثقف المصري الكبير د. ثروت عكاشه، وها هو يدخل عام 2024 في نسخة تحمل زخماً ثقافياً وتكلل نفسها بتاج التفاصيل الصغيرة وإضافة فعاليات جديدة وتحقيق مبارات عديدة مع مؤسسات الدولة والمجتمع المدني، وتوثق العلاقات الثقافية العربية والدولية وهو ما يمكن ملاحظته بوضوح من متابعة فعاليات المعرض.

ولذلك فهنيئاً لرئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب د. أحمد البهي، وبالطبع لوزيرة الثقافة المصرية د. نيفين الكيلاني هذا الحصاد، فهو نتاج جهد كبير لهما ولكل المفكرين والمثقفين والإخصائيين الثقافيين في اللجنة المنظمة للمعرض في نسخته الخامسة والخمسين.

وإذ أثمن بكل تقدير اختيار شخصية المعرض هذا العام للعالم الأثري والكاتب الكبير المختص في الآثار والحضارة المصرية القديمة د. سليم حسن. 

واختيار الكاتب المصري الكبير يعقوب الشاروني صاحب الأثر البالغ في عالم الكتابة والإنتاج الثقافي وفنون وتربية وثقافة الطفل في مصر والوطن العربي، وهو الاختيار الدال الذي أسعدني جداً وأسعد الملايين في مصر والوطن العربي، ومع اعتزازي بالاختيار للأسمين الكبيرين، أتأمل الاختيار لأجد أنه اختيار بالغ الذكاء لإعادة طرح سؤال الهوية المصرية من جديد. 

وهذه المرة يتم طرحه بمزج بين إثارة الاهتمام بالحضارة المصرية القديمة وبالمستقبل معاً ممثلاً في فنون وثقافة وقيم الطفل المصري.

وما يمكن الحديث عنه في سؤال أول حضارة في التاريخ مدمجاً في سؤال بناء الإنسان، ممثلاً في الطفل والمستقبل، هو مقدرة تلك الأنواع من الأنشطة الثقافية الجماهيرية، وعلى رأسها معرض القاهرة الدولي للكتاب على إدماج تلك الاهتمامات الحيوية داخل الوعي الشعبي وقدرتها على الانتقال من فكر الصفوة إلى الفكر الشعبي العام.

ويعد ذلك الاعتزاز بالحضارة المصرية القديمة والاهتمام بالطفل المصري وسيلة مهمة للمقاومة الثقافية ضد صور العنف والإحباط وإشاعة اليأس التي تضربنا من المتربصين لمصر ومن تخاذل المتخاذلين. 

ولعل احتفاء المعرض بقضية فلسطين، وتلك الندوة الرائعة التي أقامها بالتعاون مع تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين لهو وجه مشرق يعكس مدى اهتمام المصريين شعباً ونخباً تقليدية وحكومة بالقضية المركزية للعرب ألا وهي بالتأكيد قضية فلسطين. 

وفي هذا الإطار ومع الحضور رفيع المستوى للدبلوماسية الثقافية ممثلة في خارجية النرويج ضيف شرف المعرض، وأيضاً فنزويلا وألبانيا.

وبحضور الأميرة ميته ميريت قرينة ولي عهد النرويج، لهو أيضاً حضور متصل بسؤال الهوية، وهو سؤال عن هوية مصر ودورها المحوري في العالم العربي والمنطقة الإقليمية والعالم. وهو السؤال الذي يمكن فهمه مصاغاً بطريقة دقيقة:  ماذا نريد كي نكون حاضرين في عالم واحد معولم بالواقع وبالضرورة؟ وكل تلك الأسئلة في تقديري مرهونة بمدى قدرة النخب الثقافية على الحوار الجاد مع الوعي الشعبي، فاعلية قدرتها على تغيير الوعي الشعبي وتجديده، للحفاظ على التاريخ والدخول للمستقبل معاً، فبمقدار تلك الفعالية يقاس تأثير العمل الثقافي بمعناه العام وقدرته على الحضور في التنمية المستدامة. 

ويفترض مع حدوث ذلك التفاعل الثقافي وجود مساحة لحرية الاختلافات الثقافية. وهي الطريقة السليمة لحيوية المجتمع والدولة والحفاظ على التقاليد الحضارية في عالم متغير قلق وحاشد في صراعاته العنيفة، ومن هنا تأتي المشتركات الثقافية كباب كبير مفتوح للسلامة النفسية المجتمعية ولحضورنا المتفرد في تلك الشمولية العالمية التي تحتاج لمزيد من اليقظة والحضور الثقافي. 

ولمصر في هذا الباب تاريخ وحاضر ومستقبل كبير بإذن الله تعالى.  معرض كتاب جديد سعيد، علامة حضارية واضحة معرض القاهرة الدولي للكتاب في أرض مصر للمعارض والمؤتمرات الدولية 2024.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز