عاجل
الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

تطوير التعليم ومستقبل إفريقيا بين التحديات وفرص الريادة والتقدم

وفاء سعد الشربيني
وفاء سعد الشربيني

إفريقيا، تلك القارة الغنية بالتنوع الجغرافي والثقافي والموارد الطبيعية، والتي تحمل أهمية كبيرة على الصعيدين الإقليمي والعالمي، ولكن القارة السمراء رغم كونها مركزا حيويا وساحة واسعة تمتلئ بالعديد من فرص الاستثمار والتطوير وتحقيق التنمية الشاملة، فإنها تواجه تحديات جسيمة كالفقر الاقتصادي وضعف الصناعة والصحة والسلامة والتكنولوجيا والتنمية الفاعلة، ويأتي على رأس تلك التحديات التعليم بكل مراحله، والذي يعد حقاً إنسانياً أساسيا بل هو المحرك الأول والمركزي للتغيير والابتكار لتحقيق التقدم والتنمية المستدامة وحتى الاستقرار الاجتماعي في أي مجتمع. 



 

ولتجاوز كل التحديات والعقبات التي تواجهها القارة الإفريقية، فإنها تحتاج إلى تعزيز قدرات شعوبها وتمكينهم من المشاركة الفعالة فى بناء مستقبل أفضل لأنفسهم وبلادهم. وهنا يأتي دور التعليم كعامل حاسم لتحقيق هذا الهدف، فالتعليم يمنح الأفراد المعرفة والمهارات اللازمة والثقة لتحسين حياتهم وتوسيع آفاقهم، كما أنه يسهم في تعزيز الديمقراطية والحوكمة وحقوق الإنسان والمساواة وتكافؤ الفرص بين الجنسين، إضافة لتحقيق التنمية الشاملة والتحفيز على النمو المستدام لقارة واعدة تضم أكثر من مليار نسمة حاليا والتي تمثل 17% تقريبا من سكان العالم.

 

وحيث إن التعليم فى إفريقيا يواجه تحديات عدة تعوق تحقيق التنمية، مثل البنية التحتية الضعيفة، ونقص الوصول للتعليم، فوفقا للتقرير العالمي لمتابعة التعليم الصادر عن منظمة الأمم المتحدة هناك حوالى 97 مليون طفل فى جنوب الصحراء الكبرى لا يذهبون للمدرسة وتحديدا فى المناطق الريفية والنائية، وحوالى 40% من الأطفال الذين ينهون تعليمهم الابتدائى لا يتعلمون المهارات الأساسي. بل  إن إفريقيا هى القارة الأقل تعليما فى العالم وفقا لتقرير اليونسكو لعام 2020، حيث يفتقر نحو 258 مليون طفل وشاب إلى التعليم الأساسي، وهو ما يمثل 54% من إجمالي عدد الأطفال والشباب في القارة بأكملها، وهو ما يمثل أيضا نحو ثلث العدد العالمي. هذا وقد أثرت جائحة كوفيد- 19 بالسلب على التعليم فى إفريقيا أيضا ، حيث أدت لإغلاق العديد من المدارس وتوقف العملية التعليمية لملايين الطلاب. 

 

هذا بالإضافة إلى ندرة التمويل الحقيقي والتي تجعله عائقا رئيسيا أمام تحسين جودة التعليم لتوفير مدارس ملائمة وتدريب المعلمين وتطوير المناهج ومواكبة التحولات الاقتصادية والتكنولوجيا الحديثة، بل وبناء بنية تحتية تعليمية ملائمة. الأمر لا يقف عند تلك المعوقات بل إن تأثير النزاعات المسلحة والأزمات الإنسانية المتفاوته من جوع وفقر شديد لبعض المناطق إضافة الى التغير المناخي، أمور لها تأثيراتها وتبعاتها الخطيرة على التعليم والتنمية في القارة بأكملها. ليس ما قد سلف فحسب بل إن التعليم في إفريقيا يواجه عدة معوقات أخرى كالفجوة الرقمية انطلاقا من أدوات الاتصال والأجهزة اللوحية والحوسبة السحابية وبطبيعة الحال ينعكس هذا الوضع على مستويات الأداء التعليمي والمهارات لدى الطلاب الأفارقة، حيث تظهر الدراسات الدولية مثل دراسة التقدم في الرياضيات والعلوم الدولية TIMSS وبرنامج التقييم الدولي لطلاب المدارس PISA أن الطلاب الأفارقة يحققون نتائج أقل من متوسط العالم في هذه المواد.  كل تلك التحديات لا يمكن أن ننسى فى خضامها  قضية الهجرة غير الشرعية والتسرب من التعليم وضعف الرعاية الصحية والتباين اللغوي وقلة الوعى بحقوق الإنسان والتي لا شك تؤثر سلبا على تحقيق النمو المأمول. 

هذه التحديات التي تواجه التعليم هي بذاتها التي تتطلب وتوجب ضرورة الإصلاح العاجل والشامل من خلال بناء منظومات تعليم متكاملة فنية ومهنية متعددة الأبعاد ليتمكن الطلاب من اكتساب المعرفة والمهارات والقيم والمواقف اللازمة للمشاركة الفعالة فى مواكبة سوق العمل وفي بناء وتطوير المجتمعات المحلية والإقليمية والعالمية. وحيث إن إفريقيا هي القارة الأكثر شبابا في العالم، حيث يبلغ متوسط عمر سكانها 19.7 عام، ومن المتوقع أن يصل عدد سكانها إلى 2.5 مليار نسمة بحلول عام 2050. وهذا يعني أن إفريقيا تمتلك قوة عاملة ضخمة ومتنوعة، يمكنها المساهمة في تحقيق النمو الاقتصادي والابتكار والتنافسية في القارة وخارجها، ويمكن للقارة الواعدة استغلال هذا العائد الديموغرافي من خلال توفيرها لشبابها فرص التعليم والتدريب والتوظيف والريادة اللازمة لتطوير قدراتهم ورفع طموحاتهم وهذا بدوره لن يتحقق إلا ببناء رؤية شاملة لتطوير التعليم والتي يمكن تحقيقها من خلال العديد من الطرق والمبادرات والتي على رأسها التكامل الإفريقي والتعاون الدولي لزيادة فرص الاستثمار وتدعيم أواصر الاتصال، فهي تضم 54 دولة وما يزيد عن 1200 لغة وثقافة. وهذا التنوع يمثل ثروة وفرصة للتعلم من التجارب والممارسات الناجحة في مختلف البلدان والمناطق، مما سيعزز من التضامن والتبادل العلمى والمعرفى بين الدول الأفريقية في مختلف المجالات، ويضاف لذلك بناء الشراكات بين المنظمات الحكومية وغير الحكومية خارج القارة على مستويات متعددة لتوفير برامج وشراكات متنوعة تسهم فى نقلة نوعية على صعيد جودة التعليم وتنوع التدريب وتبادل المعارف والخبرات.

ومن أهم طرق تطوير التعليم الإفريقي ضرورة وضع حزمة قوانين صارمة توجب زيادة الإنفاق على العملية التعليمية وتوفر التعليم الأساسى للجميع بحيث يكون متاحاً ومجانياً وإلزامياً لجميع الأطفال، قوانين من شأنها ان تكون ملزمة للحكومات بضرورة إزالة المعوقات التي تحول دون وصول الأطفال للتعليم، سواء أكانت فقراً أو تمييزاً أو نزاعات أو قائمة حتى على بعد المسافات. بل وفرض قوانين ملزمة على التعليم الشمولى، بحيث يؤخذ فى الاعتبار إحتياجات جميع الطلاب بما فى ذلك الفئات المهمشة من الفتيات والأطفال وذوى الإعاقة والأقليات العرقية والقومية. هذا إلى جانب وجوب التركيز على نشر قيمة التعليم وإعلاء قدرها بكافة الوسائل الإعلامية والإذاعية على حد سواء. 

 

وعلى رأس سبل تطوير التعليم الإفريقي الفاعلة لبناء مستقبل مشرق، هو تعزيز تكنولوجيا التعليم والتحول الرقمى، حيث أن استخدام الأجهزة الذكية والإنترنت سيوفر فرصا عديدة للتعلم عن بُعد وتوفير المواد التعليمية بسهولة بل وتدريب القيادات التعليمية الفاعله أيضا دون أعباء مالية مضاعفه، بل وسيزيد من فرص الابتكار والتمكين والشمولية في إفريقيا. ومن بين هذه الفرص توسيع نطاق وصول الخدمات وجودتها بشكل مفتوح ومرن ومستدام وقابل للتكيف مع تعدد اللغات وتباين الثقافات. 

 

ولإرساء قواعد تطوير التعليم يجب أن ينطلق المجتمع الإفريقي إلى تشجيع البحث والابتكار في مجال التعليم بين المؤسسات الأكاديمية والبحثية والمدارس وحتى على الصعيد الفردى، لتطوير أساليب وأدوات تعليمية جديدة وفعالة تلائم الواقع المجتمعى وتعزز من ازدهاره. هذا إلى جانب محور آخر وهو تعزيز المشاركة المجتمعية في صنع القرار وتنفيذ السياسات التعليمية، من خلال إشراك أولياء الأمور وذويهم بل والمعلمين فى عملية التخطيط والتنفيذ والمراجعة للبيئة التعليمية. 

 

وختاماً.. يعد التعليم والتنمية في إفريقيا مترابطين وأساسيين لتحقيق النمو والتقدم والاستدامة في القارة.  لذا يجب أن تُكثف الجهود لتعزيز التعليم بشكل شامل يجاوز حد التحديات ويلبى التطلعات الحالية والمستقبلية للمجتمعات بشكل قائم على تنمية وزيادة المهارات وتحقيق الكفايات والقيم الضرورية للقرن الحادي والعشرين، مثل التفكير الناقد والإبداعى والاستراتيجي ومهارات حل المشكلات وفهم وإدارة الذات وتعزيز سبل التعاون والاتصال وإرساء المواطنة والسلم المجتمعى ليتحقق الرخاء التام للقارة النابضة بساحة تملؤها الفرص للاستثمار البناء والذي لا شك إذا أستُغل بشكل جيد سيُحدث طفرة نوعية للمجتمع والمستثمرين على حد سواء.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز