عاجل
الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

الابتكار وريادة الأعمال ومواجهة البطالة في أفريقيا

في عالم مليء بالتحديات، تتألق أفريقيا بإمكانياتها الهائلة وحضارتها الغنية، ولكن على طريق النمو والازدهار، تعترضنا معضلة تتمثل في البطالة، خاصة بين شبابها الطموح. لكن هل سبق لك أن تساءلت عن مفتاح يفتح أبواب التحول في أفريقيا؟ أو عن القوة الكامنة التي يمكن أن تحدث فى أفريقيا إذا تم الحد تماما من البطالة؟ هل فكرت يوماً كيف يمكن أن تكون ريادة الأعمال والابتكار منارة تضئ الطريق نحو مواجهة البطالة وتحقيق النمو والتغيير الإيجابي في أفريقيا؟ حيث تتحول الفرص المحتملة إلى واقع مزدهر حين الأخذ بها، وحيث يصبح الشباب صانعي القرار والمحركين للتغيير الإيجابي.



 

لقد قدرت منظمة العمل الدولية أن معدلات البطالة بعد جائحة كورونا ستكون أعلى مما قبلها، فبالنسبة لشمال افريقيا فى أخر تقرير، قد يبلغ معدل البطالة فيها 11.2% تقريبا، بينما سيبلغ فى جنوب الصحراء فى القارة نحو 6.3% لعام 2023. فى حين يقدر البنك الدولى المشهد الحالي للبطالة في أفريقيا بأن حوالي 20% تقريبا من سكان القارة بلا عمل. وبين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 عامًا، تصل هذه النسبة إلى 30% في بعض البلدان. ووفقا لـ Trading Economics ، فإن معدل البطالة فى جنوب أفريقيا هو 32.6% تقريبا، مما يجعلها الدولة الأعلى فى معدل البطالة في القارة في عام 2024. ووفقا لـموقع Al-Ain فإن أعلى معدلات للبطالة بعد جنوب أفريقيا تتركز فى جيبوتى وإيسواتينى ثم الجابون. كما أشارت Erem Business إلى أن معدل البطالة بين الإناث في إفريقيا حوالي 8% في عام 2023، في حين بلغ 6.6% بين الرجال. 

لاشك تواجه القارة تحديات كبيرة في قضية البطالة، لكن الابتكار وريادة الأعمال تعدان بتحول جذري في هذا المشهد. لذا سنلقي الضوء على جذور واسباب البطالة :

 

البطالة في أفريقيا تعتبر قضية متعددة الأسباب، وتنشأ من عوامل اقتصادية واجتماعية وهيكلية متنوعة. لذا إن فهم الأسباب الجذرية للبطالة أمر بالغ الأهمية لتطوير استراتيجيات فعالة لمكافحتها وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام عبر القارة. ويأتى على رأس هذه الأسباب معدلات النمو السكاني المتزايدة، والتي تسهم في الضغط على سوق العمل وتقليل الفرص الوظيفية المتاحة، خاصةً بين شباب السكان الذين يدخلون سوق العمل. بالإضافة إلى ذلك، أن العديد من الاقتصادات الأفريقية معتمدة بشكل كبير على قطاعات أساسية قليلة مثل الزراعة والتعدين والموارد الطبيعية ولهذا فإن قلة التنوع الاقتصادى تزيد من عرضة الاقتصادات الأفريقية لتقلبات أسعار السلع العالمية وبالتالى تصبح معرضة لمخاطر اقتصادية شديدة، مما يؤثر سلباً على خلق الوظائف ويزيد من معدلات البطالة.

 

ويأت فى مقدمة الاسباب التعليم غير الكافي وعدم التوافق في المهارات، واللذان يعيقان القوى العاملة من الحصول على الوظائف المتاحة ويزيدان من مستويات البطالة. حيث أن هناك عدم تطابق بين المهارات التي يمتلكها الباحثون عن عمل وتلك المطلوبة من قبل أصحاب العمل، مما يؤدي إلى مستويات عالية من البطالة، خاصةً بين الشباب المتعلمين. بالإضافة إلى ذلك، فإن المناهج القديمة والاستثمارات المحدودة في التعليم التقني والمهني تزيدان من الفجوة. 

 

ولاشك أن لضعف المؤسسات العمالية والسياسات الصارمة والبيروقراطية العريضة التي تعيق خلق الوظائف، إلى جانب النفاذ المحدود للتنظيمات العمالية، وبالإضافة إلى أن النظم الاجتماعية الضعيفة تفشل في توفير شبكات الأمان الاجتماعي الكافية للعمال الذين يواجهون فقدان الوظائف أو الصدمات الاقتصادية، يزيدون من مستويات البطالة والفقر. ومما لا نغفل عن ذكره أن النزوح الناتج عن عدم الاستقرار السياسى له تاثير سلبي على البنية التحتية بل ويقوض مساعى الاستثمار مما يعيق التنمية الاقتصادية. وأخيراً، إن التفاوت بين الجنسين في الوصول إلى التعليم والفرص الوظيفية يزيد من مستويات البطالة بين النساء، مما يعكس ضرورة تعزيز المساواة بين الجنسين لتحقيق نمو اقتصادي شامل في أفريقيا.

 

أما عن استراتيجيات مواجهة البطالة وكيف يمكن أن يكون الابتكار وريادة الأعمال وسائل لمكافحة البطالة فى أفريقيا:

 

يتطلب لمواجهة هذه القضية استراتيجيات شاملة لا تقتصر فقط على خلق فرص العمل، بل تعزيز النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية الشاملة. بدءا من تعزيز التنوع الاقتصادي حيث يجب على الحكومات تشجيع التنوع في الصناعات ذات النمو العالي مثل التصنيع والتكنولوجيا لخلق فرص عمل مستدامة ومرونة اقتصادية عالية تلائم الواقع المعاصر. ويأت على رأس الاستراتيجيات الفاعلة تعزيز ثقافة الابتكار، الأمر البالغ الأهمية لخلق صناعات جديدة، وتحسين الإنتاجية، وتحفيز النمو الاقتصادي في أفريقيا. حيث يجب على الحكومات والأوساط الأكاديمية والقطاع الخاص التعاون لتحقيق بيئة ملائمة تعزز الإبداع، وتكافئ على الإقدام، وتدعم مبادرات البحث والتطوير. كما يعد الاستثمار في التعليم في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات STEM إلى جانب الاستثمار فى التدريب والتعليم المهنى، أمراً أساسياً لتزويد الأفراد بالمهارات والمعرفة اللازمة للابتكار ودفع التطورات التكنولوجية.

 

يعد دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة SMEs العمود الفقري لكثير من اقتصادات أفريقيا، ومن اهم استراتيجيات مواجهة البطالة، حيث تسهم الشركات الصغيرة والمتوسطة بشكل كبير في خلق الوظائف والتخفيف من الفقر وخصوصا دعم رواد الأعمال والشركات التي تعمل فى مجال التكنولوجيا الرقمية لتوسيع نطاق السوق، وفتح مصادر دخل جديدة. لذا يجب على الحكومات خلق بيئة مواتية لريادة الأعمال من خلال تبسيط إجراءات تسجيل الشركات، وتنفيذ سياسات تسهل نمو هذه الشركات ، مثل توفير الوصول إلى الائتمان بأسعار مناسبة، وتحسين البنية التحتية، وتقليل العقبات البيروقراطية. علاوة على ذلك، يمكن أن يعزز التعاون والتواصل وبناء الشراكات بين الشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات الكبيرة للوصول إلى الأسواق الأكبر وتعزيز الابتكار ونقل المعرفة. انطلاقا إلى استراتيجية تعزيز أنظمة الحماية الاجتماعية لتوفير الدعم للأفراد خلال فترات البطالة أو الصعوبات الاقتصادية. كما أن التشجيع على إقامة مبادرات توظيف وتدريب تقوم على أثرها بتشجيع الشباب على الانضمام لبيئات العمل وتقديم اقتراحات حول ما يريده العمل والمهارات اللازمة وإمكانية تقديم تدريبات يعقبها التعيين او الترشيح، أمرا سيعلى من همة الشباب والباحثين عن العمل.

 

والآن سنستكشف بعضًا من التجارب الناجحة فى مواجهة البطالة وفى دعم ريادة الاعمال فى أفريقيا وعالميا:

 

أعطت رواندا أولوية لريادة الأعمال كوسيلة لخلق فرص عمل من أجل دفع النمو الاقتصادي. حيث أطلقت الحكومة برنامج العمل الوطني NEP لدعم رواد الأعمال والشركات الصغيرة. من خلال مبادرات مثل مدينة الابتكار كيغالي وصندوق الابتكار في رواندا، نجحت رواندا في تعزيز بيئة الأعمال النشطة، مما أدى إلى خلق فرص عمل جيدة. ولقد بدأت عدة دول أفريقية في استغلال الابتكار وريادة الأعمال لمواجهة البطالة بالفعل. على سبيل المثال، يعرف المشهد التكنولوجي الناشئ في كينيا باسم "سافانا السيليكون"، حيث أنجبت العديد من الشركات الناشئة التي لا تدفع النمو الاقتصادي فقط ولكن أيضًا تخلق فرص عمل متنوعة. وبالمثل، فإن التزام رواندا بأن تصبح مركزًا تكنولوجيًا أدى إلى استثمارات كبيرة في البنية التحتية الرقمية والتعليم، مما فتح الباب أمام جيل جديد من الرواد.

 

ولأن جنوب أفريقيا واجهت مستويات مرتفعة من البطالة بين الشباب بشكل دائم، مما دفع الحكومة إلى تنفيذ مبادرات مستهدفة، مثل برنامج خدمة التوظيف للشباب YES، الذي تم إطلاقه في عام 2018، والذي يهدف إلى توفير فرص عمل لمدة عام واحد للشباب العاطلين عن العمل. بحلول عام 2021، قدم YES أكثر من 50,000 فرصة عمل، مما ساهم في تقليل ملحوظ في معدلات البطالة بين الشباب. علاوة على ذلك، فإن المشاريع الاجتماعية مثل فارمكروودي Farmcrowdy في نيجيريا تقوم بثورة في الزراعة عن طريق ربط المزارعين الصغار بالمستثمرين من خلال منصة عبر الإنترنت، وبالتالي خلق فرص عمل في المناطق الريفية.

 

أما على الصعيد العالمى، فقد أعطت سنغافورة أولوية لتطوير المهارات لضمان بقاء قوة العمل تنافسية في الاقتصاد العالمي. حيث توفر مبادرة مستقبل المهارات تحفيزات وإعانات للتعلم مدى الحياة وتطوير المهارات بشكل دائم. نتيجة لذلك، حافظت سنغافورة على معدلات منخفضة من البطالة وقوة عمل ماهرة للغاية، مما يُظهر أهمية تطوير المهارات المستمر في مواجهة البطالة.وفى الهند يضمن قانون ضمان العمل الوطني لمهاتما غاندي في الهند MGNREGA، 100 يوم من العمل بالأجر في السنة للأسر الريفية.

 

منذ تنفيذه في عام 2006، قدم MGNREGA فرص عمل لملايين العمال الريفيين، خصوصاً خلال مواسم الزراعة. لقد كان البرنامج محورياً في تقليل الفقر وتعزيز معيشة أهل الريف. ولا يمكن أن نغفل ما فعلته ألمانيا فى مواجهة البطالة حيث يشتهر النظام التعليمي والتدريب المهني فيها بفاعليته في تأهيل الشباب لسوق العمل. حيث يتابع نحو نصف الطلاب في ألمانيا التدريب المهني، مما يؤدي إلى وجود القوى العمالية الماهرة. ونتيجة لذلك، تتمتع ألمانيا بمعدلات منخفضة من البطالة بين الشباب مقارنة بالعديد من الدول الأوروبية الأخرى، مما يُظهر قيمة الاستثمار في التعليم المهني.

 

والآن نأت إلى المستقبل حيث الاتجاهات الواعدة لريادة الأعمال والابتكار في أفريقيا:

 

أفريقيا على أعتاب عصر تحولي يدفعه ريادة الأعمال والابتكار. على الرغم من مواجهة العديد من التحديات، تشهد القارة انتعاشاً في الأنشطة الريادية والحلول الابتكارية التي تعد بتشكيل مستقبلها. وهنا سنستكشف بعض الاتجاهات المتوقعة لدفع ريادة الأعمال والابتكار في أفريقيا خلال السنوات القادمة. إن أحد أكثر الاتجاهات الواعدة في المشهد الريادي في أفريقيا هو انتشار الحلول التقنية. مع زيادة الوصول إلى الهواتف المحمولة والإنترنت، حيث يستفيد رواد الأعمال من التكنولوجيا لمعالجة التحديات المختلفة في قطاعات مثل الرعاية الصحية والزراعة والتمويل والتعليم. انطلاقا من منصات الدفع المحمولة إلى خدمات الطب عن بُعد، تلك الابتكارات ليست فقط تعزز الكفاءة ولكنها توسِّع أيضًا الوصول إلى الخدمات الأساسية لملايين الأشخاص.

 

مع التركيز المتزايد على التغير المناخي، يتزايد التركيز على التكنولوجيا الخضراء والحلول المستدامة. وهنا تعد أفريقيا، بمواردها الوفيرة من الطاقة المتجددة وإمكانياتها الزراعية الشاسعة، في موقع مثالي لقيادة هذا المجال. حيث يقوم رواد الأعمال بتطوير حلول طاقة نظيفة مبتكرة وممارسات زراعية صديقة للبيئة وتقنيات إدارة النفايات لمعالجة التحديات البيئية بينما يخلقون فرصًا اقتصادية. من المتوقع أن يتسارع اعتماد التكنولوجيا الخضراء في السنوات القادمة، مدفوعًا بالطلب السوقي والضروريات البيئية. كما يُعَد السكان الشباب في أفريقيا من الفئات الديموغرافية الرئيسية التي تمثل رافعة اقتصادية مهمة لريادة الأعمال والابتكار. مع وجود نحو 60% من السكان تحت سن ال 25 عامًا، يوجد إمكانية إبداعية وريادية هائلة تنتظر الاستغلال. بالإضافة إلى أن ريادة الأعمال الاجتماعية تكتسب شعبية في جميع أنحاء أفريقيا حيث يسعى رواد الأعمال إلى معالجة القضايا الاجتماعية والبيئية الملحة مع إنشاء أعمال مستدامة. مثل الشركات الناشئة في مجال الطاقة المتجددة. حيث يقوم رواد الأعمال الاجتماعيون بتقديم نماذج مبتكرة تضع الأثر الاجتماعي جنبًا إلى جنب مع العوائد المالية. من المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه في النمو مع تزايد عدد رواد الأعمال الذين يدركون إمكانيات الأعمال كقوة للخير.

 

وختاما يتطلب مواجهة البطالة في أفريقيا نهجاً شاملاً يتعامل مع التحديات الهيكلية الأساسية. حيث  أن مستقبل ريادة الأعمال والابتكار في أفريقيا مشرق ومليء بالوعود. بواسطة التكنولوجيا التي تعمل كعامل دافع، وريادة الأعمال الاجتماعية التي تكتسب زخمًا، وبيئات الابتكار التي تزدهر، والتكنولوجيا الخضراء التي ترتفع، والمبادرات التي تهدف إلى تمكين الشباب، يمكن لأفريقيا أن تُكون قادة عالميين في مجال الابتكار وريادة الأعمال. من خلال تبني هذه الاتجاهات والاستثمار في المواهب الريادية للقارة، يمكن لأفريقيا أن تسلك طريقًا نحو التنمية المستدامة والازدهار الاقتصادي والتحول الاجتماعي بشكل إبداعى ملهم.   

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز