عاجل
الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

قراءة فى كتاب..

حكاية صوت من الجنة

تقدم لنا رحمة ضياء فى روايتها الأولى «النقشبندى» تجربة مهمة فى ترجمة حياة الشيخ سيد النقشبندى إلى لغة الرواية، حيث يشف السرد عن خبرات جمالية، ودربة فى نقل ما هو وثائقى إلى لغة درامية تأخذ بوجدان الملتقى إلى عالم صوفى. بل يستأثر بنا النص الروائى ليطرح أسئلة تتعلق بقدرة الإنسان على مواجهة الصعاب فى رحلة الحياة، وتحقيق ما يصبو إليه من آمال.



وقد فازت الرواية بجائزة خيرى شلبى للعمل الروائى الأول عام 2021، وقد صدرت الرواية عن دار الشروق.

 

 

 

 

فى محبة الإنشاد الدينى

فيحكى لها النقشبندى عن طفولته أيضا، وتمضى بنا الرواية لتصور لنا هذه السيرة المتخيلة لحياة النقشبندى،  والتي أفادت الكاتبة من بعض ما نشر عنها، فقد كان والده محمد النقشبندى شيخ طريقة وكان جده الأكبر محمد بهاء الدين النقشبندى يعيش فى «أذربيجان» وارتحل إلى القاهرة للدراسة فى الأزهر، فأحب القاهرة وعاش فيها، وأنجب ابنه والد سيد النقشبندى،  الذي أثر كثيرا فى حياة منشدنا، فقد كان يصطحبه لختم «الخواجكان» والخواجة فى اللغة الفارسية تعنى الشيخ، والختم هو الذِكر، وختم الخواجكان هو طريقة فى الذِكر اتبعها مريدوه وطريقتهم منذ قرون عدة.

أتقن منشدنا الكثير من أشعار البوصيرى،  وقصائد ابن الفارض، وتعلق قلبه بالموالد التي كان يصطحبه إليها والده، مثل مولد أبو حجاج الأقصرى،  وعبدالرحيم القناوى،  وجلال الدين الأسيوطى،  والسيد البدوى حيث كان يستمع إلى ابتهالاتهم ويعود إلى الدار ليرددها مع نفسه، ويدونها فى دفتره.

مؤثرات ثقافية

وترسم الساردة صورة الحياة الفكرية والنفسية للنقشبندى من خلال سرد وافر، حافل بالتفاصيل، أسهم فى تصوير الشخصية الرئيسية النقشبندى،  فقد ارتحل إلى طنطا بعد زواجه من ابنة خاله «صديقة» واصطحب أولاده منها للعيش بجوار السيد البدوى،  الذي أحب النقشبندى السكنى فى جواره فهو البدوى صاحب الكرامات الذي كان يشبه أهل البادية فى ملازمة اللثام، ومن ألقابه «صاحب اللثامين، والفرج وأبو فراج وندهة المنضام، وساكن طنطا والسطوحى،  والصمدى،  وعز الرجال».

فرح النقشبندى بالإقامة إلى جواره فى طنطا، فالسيد البدوى نفسه قد جذبته طنطا أو «طندتا» ليقيم فيها منذ تسعة قرون، وفى طنطا استأجر النقشبندى شقه واسعة «تخيل نفسه جالسا فى المندرة يحتسى القهوة، وهو يقرأ كتابا للمنفلوطى أو الرافعى أو أشعار أحمد شوقى،  وحافظ إبراهيم، وغيرهم من الأساتذة الكبار الذين شكلوا أفكاره، وتصوراته عن الحياة والبشر.

هنا نتعرف على المقومات الثقافية التي شكلت الذائقة الأدبية والمعرفية للنقشبندى،  وهى الخلفية المنفتحة على عالم الشعر، والسرد والأدب، وكذلك الثقافة الصوفية التي تهيأت له من خلال ارتحاله مع والده، وحفظه لأشعار كبار الصوفيين مثل ابن الفارض والبوصيرى.

أما زياراته للموالد فقد عرفته عن قرب بعالم الإنشاد، كما استمع فيه أيضا لأغنيات شعبية، وسير شعبية أثرت فى عالم وجدانه إلى الدرجة التي جعلته يتعلق بعالم الإنشاد فكانت بطانته تضم شقيقه من والده: الشيخ إبراهيم، والشيخ حسين، وانضم إليهم الشيخ محمد أبو ليلة، والشيخ حامد الزفتاوى،  وكانوا يتمرنون جميعا على القصائد الدينية، ويستعدون للمناسبات التي يدعون لإحيائها.

أن تكون نفسها

تبدأ الكاتبة روايتها من خلال أزمة بطلتها «نصرة» التي هزمتها الحياة فدخلت تجارب مع الخذلان فى صراع أنهكها، فلم تكن لها إرادة فى اختيار نوعية دراستها، وكانت تريد أن تصبح صحفية وكاتبة، فاختار لها والدها أن تدرس بكلية التجارة، لتعمل بالوزارة التي يعمل بها، فتصبح بعد ثمانية عشر عامًا نائبا لرئيس قسم الحسابات فى هيئة الصرف الصحي.

وكانت تريد أن تحمل حقيبتها على ظهرها، وتطير على جناح حمامة لترى العالم، أو يحملها إلى أماكن جديدة تبعث الحيوية فى حياتها، فإذ بها تتزوج وتنشغل بهمومها ومسؤوليات أسرتها الصغيرة، وترقب عاطفتها التي تخبو تجاه زوجها بعد أن انشغل عنها بأصدقائه فى المقهى وبأصدقائه على الفيس بوك، والحياة الإلكترونية التي يقلب صفحاتها على الإنترنت.

فتقرر «نصرة» أن تكتب روايتها الأولى وتختار أن تسافر إلى «طنطا» حيث عاش الشيخ سيد النقشبندى الذي قررت أن يكون بطل روايتها، وسافرت رغم دهشة زوجها، وأسرتها لكنها قررت فى لحظة أن تكون نفسها، وتحقق حلمها بلقاء الشيخ سيد النقشبندى ولو على صفحات كتاب.

مغالبة الصعاب

ويتوهج السرد عندما تتحول إلى وثائق ومعلومات عن المنشد الشهير جمعتها الساردة من أخباره فى الصحف والمجلات إلى حياة نرى أحداثها، ومشاهدها بل نتماهى معها، ونحن نستمع إلى الروحية فى تبتل وابتهال صادق نابع من القلب.

فتمضى مع النقشبندى فى رحلة حياته من خلال حوار «نصرة» الطويل معه حيث تلقى بحزنها بين يديه، فقد عاشت طفولة قاسية، بين والدين يتشاجران دائما فتروى له أصعب مشاهد فى هذه الطفولة، وكيف تعرفت على صوته وكانت ابتهالاته ملاذًا روحيًا لها، بل كان صوته ملاكها الحارس لتعبر ما مرت به من صعاب، وقد كان ابتهاله «مولاى إنى ببابك» هو المفتاح السحرى لعالم جديد بالنسبة لها تعلقت فيه بالتصوف وأقطابه، ويتفتح النص على عالم الإنشاد بهذا الابتهال الرائع الذي كتب كلماته الشاعر عبدالفتاح مصطفى ولحنه بليغ حمدى،  فتمضى نصرة وهى تردد، ونردد معها «مولاى إنى ببابك، قد بسطت يدى» وتستعيد «نصرة» مشهدا من مشاهد طفولتها، فتحكى للنقشبندى كيف تعرفت على صوته لأول مرة، وكيف كان الدعاء والابتهال طريقين لمغالبة الصعاب، فقد تعرفت على صوته عندما غادرت هى وأمها وأختها البيت بعد شجار عاصف وتشابك بالأيدى بين الأبوين، فأخرجت الأم لكل من بنتيها جاكيت ترتديه فوق البيجامة وانصرفن جميعا إلى بيت الجد فى ساعة متأخرة من الليل، وفى الطريق استمعت «نصرة» الطفلة إلى النقشبندى،  وصوته القادم من ميكروفون مسجد السيدة زينب، ومع كل خطوة كان الصوت يزداد قوة ووضوحًا «من لى سواك؟، ومن سواك يرى قلبى ويسمعه؟».

 

 

 

 

 

نموذج إنسانى فريد

تتماهى بطلة الرواية «نصرة» مع حياة النقشبندى فترى فيه نموذجا إنسانيا فذا، استطاع أن يشق طريقه إلى الأمان النفسى بحب الله، وأن يحقق النجاح الدنيوى بالإصرار، والتغلب على الصعاب، وهى تريد أن تحقق أملها وتصبح كاتبه، وتغير مصيرها الذي رسمه لها والدها، وتتمرد على الوظيفة، وتسعى وراء موهبتها، إلى عالم الإبداع والكتابة، النقشبندى تعرض فى رحلته إلى طنطا لضيق الحال، فبعد أن كان قد اشتهر فى الصعيد كمنشد يُحيى المواسم والليالى،  عانى هو وأسرته ماديا، فلم يكن أحد يعرفه فى طنطا، لكنه عمل كمقرئ فى مسجد طنطا، هو مسجد سيدى سالم العزبى،  ليوفر المال للإنفاق على أسرته، وترصد الساردة بعض التفاصيل فى تصوير ما يقابله من صعاب، فتذكر أن زوجته «صديقة» باعت شبكتها الذهبية لتساعده ماديا، وعندما علم أصر أن يعودا إلى الصائغ فى ليلتها ليستعيد شبكتها، وكان واثقا أن الله سيرزقه بفرج قريب.

كثير من الحب

وتترجم الساردة لشخصية النقشبندى فترسم له صورة إنسانية عامرة بالدفء تتمثل فى حبه لزوجته وأولاده، وحرصه على إسعادهم رغم أنه عانى من انفصال أبويه وهو طفل، وأصبح لكل منهما أسرة بعد أن تزوج أبوه وتزوجت والدته، وأصبح له عدد كبير من الإخوة الأشقاء، لكن فراقه لأبيه، معلمه الأول، وقدوته ومصدر فخره، قد أثر فى نفسه تأثيرا عميقا، فلقد نشأ فى بيت خاله، ثم تزوجت والدته من الشيخ «المواردى» الذي عامله معاملة طيبة كوالد، لكن فراق أبيه كان ندبة فى فؤاده كان يضمدها بكثير من الحب، والعفو، والمسامحة، وهى الوصية التي كان النقشبندى يوصى بها «نصرة» لتنعم بطمأنينة النفس.

ومن خلال الحوار كأسلوب سردى تكشف الساردة عن أزمة نصرة، وسر تعلقها بعالم النقشبندى فتقول بطلتها:

كنا نسير فى شارع البحر خلال حديثنا، توقفت عن السير ونظرت له قائلة: اخترتك لأنك لا تشبهنى،  لأنى لم أر فى عينيه حيرتى،  كانت ابتسامتك الهادئة فى الصور تصدر لى إحساسك بالسلام، وصوتك القادم من الجنة، يبعث فى نفسى السكينة، كنت أبحث بين سطور حياتك عن أجوبة لأسئلتى.

على باب الحيرة

ويسألها النقشبندى عما يحيرها فتقول له:

هل كان الطريق واضحًا لك على الدوام؟، كم خطوة واثقة قطعت؟ وكم مرة توقفت مترددا أين تضع قدميك؟

وهل أنا وحدى من بين جميع الخلائق من أتعثر كل خطوتين، وأتوقف عن السير حائرة؟

فيسألها عن اللحظة التي شردت فيها روحها فتجيب: لا توجد لحظة بعينها، تحمل وحدها كل الذنب فالأمر لا يحدث هكذا فى غمضة عين، وإنما تتراكم لحظات الخذلان فوق روحى حتى تنال منها.

 

 

 

 

 

ومن هذه اللحظات الصادقة فى البوح يكشف لها عن حياته بسؤال آخر عندما ترى حياته حافلة بالأفراح فيقول لها: أهكذا تبدو حياتى للناظرين؟

معنى الزهد

وفى انتقالات رشيقة ترصد الساردة وما واجهه النقشبندى من صعوبات وكان رأيه فيها كما يقول العارفون:

من لم تكن له بداية محرقة، لم تكن له نهاية مشرقة.

حدثها عن تعامله مع أحزان الطفولة، عن انشغال والده عنه وعن أسرته، وكيف نظر بشكل إيجابى فيما يحدث وأدى إلى انفصال والديه فيقول:

حاولت كثيرا أن التمس العذر للوالد لأنه كان يظن جفوته تقربا إلى الله، وانصرافا بذكره عمن سواه، جعلنى ذلك أتدبر لسنوات طويلة معنى الزهد، وغاية الصوفية، وإن كان هذا ما يريده الله منا حقا؟

فتسأله نصرة وإلام توصلت؟

فيقول: كنت دوما أعود إلى قوله تعالى: ولا تنس نصيبك من الدنيا، سورة القصص، آية 77.

أقول لنفسى أن الزهد لا يعنى أن تحرم على نفسك ما أحل الله لك.

وتمضى الكاتبة فى استقراء المعنى الحقيقى للزهد كما يراه النقبشندى فيقول على لسانه: 

وفى ظنى أن الغاية من الزهد، والله أعلى وأعلم ألا تترك نفسها لشهواتها، وتنغمس فى الملذات وتلهيك الدنيا فتنسى أن تشكر الوهاب.

فى طهطا

وتمهد الساردة لرحلة نجاح النقبشندى وشهرته، ففى المرحلة الأولى التي قضاها فى صعيد مصر، اشتهر فى طهطا.

حيث أنشد لأول مرة ابتهالا للشيخ على محمود، فى السرادقات التي كانت تقيمها الطرق الصوفية لاستقبال أتباعها وضيوفها، وتقول كلمات هذا الابتهال:

«أشرق فيوم ساطع بسام/ 

يا صفوة الرسل الكرام سلام/

أوليتنا شرفا يفيض وحسبنا/

نور بعثت به وأنت له حمى/

فيه الهدى والعلم والإسلام»

فى أسيوط

ومن السمات المهمة التي رصدتها الساردة وهى تترجم للنقشبندى تعلقه بالأدب والفن، وهو ما جعله يلبى دعوة الشاعر عزيز أباظة له وكان وقتها مدير مديرية أسيوط وطلب منه أن يغنى قصيدة لأم كلثوم خلال حفل هناك، وتلك هى المرة الأولى التي أنشد فيها النقشبندى مع فرقة موسيقية أغنية لكوكب الشرق التي كان يحب صوتها وأغنياتها فأنشد من كلمات الشاعر أحمد شوقى:

سلوا كئوس الطلال هل لامست فاها/ واستخبروا الراح مست ثناياها.

بعد هذا الحفل، كان يشارك فى إحياء حفلات كبار القوم فى مختلف أنحاء الصعيد، ومنها تلك التي تشارك فيها الإنشاد مع المنشد طه الفشنى فى مدينة ديروت فى أسيوط.

فى القاهرة

وكان النقبشندى قد تعرف على الشيخ محمد سليمان الذي لقنه الأوراد اليومية للطريقة الدومية، وأصبح من يومها شيخه ومعلمه الذي يلتمس منه النصح والمشورة، وقد دعاه الشيخ محمد سليمان لإحياء حفل فى منزله فى القاهرة، وكان وقتها النقشبندى فى السابعة والعشرين من عمره، وفى القاهرة حاول أن يلتحق بالإذاعة كمقرئ، فتقدم للوقوف أمام لجنة للاستماع إلى صوته فقال له أحد أعضاء اللجنة «إن صوتك مميز بلا شك، لكنه يصلح للإنشاد فى الموالد لا فى الإذاعة» وكان هذا الأمر من الذكريات المريرة التي كان يذكرها وكأنها حدثت للتو.

فى الحسين

لكن هذا لم يمنع النقبشندى من مواصلة رحلة النجاح، فقد استمع إليه الإذاعى مصطفى صادق، وعرض عليه تقديم ابتهالات قصيرة فى إذاعة البرنامج العام، بعد أن استمع إليه فى مسجد الحسين وهو يقرأ آيات من سورة «مريم»، وبالفعل ذهب منشدنا فى صحبة مصطفى صادق ليقابل الإذاعى الشهير محمد محمود شعبان الشهير بـ«بابا شاور» الذي تحمس له وقام بتعديل خريطة البرنامج الإذاعية فى رمضان، ليضيف دعاءه كفقرة يومية طوال شهر رمضان، عقب أذان المغرب مباشرة.

أول ابتهالاته فى الإذاعة المصرية

وتوثق الساردة لابتهالاته الأولى فى شهر رمضان والذي نقلته الإذاعة المصرية للمستمعين:

سبحانك اللهم من خالق نسعى إليه، وحكيم رشيد/ إن قلت كن يكن/ من ذا الذي يريد إن كنت إلهى تريد/ يارب.. يارب/ فارحمنا/ وأصلح لنا أحوالنا/ أنت الولى الحميد.

مع الرئيس السادات

وكان النقشبندى قد تلقى دعوة لحضور خطوبة لبنى السادات كريمة الرئيس السادات ليفتتح المنشد الشهير الحفل بعدد من الأناشيد الدينية، وقد حضر منشدنا مع الدكتور محمود جامع طبيب الرئيس، وتذكر الساردة أن السادات حكى لجامع كيف وقف أربع ساعات خارج مسجد الدكرورى فى السويس ليستمع للشيخ النقشبندى.

وفى حفل خطوبة كريمة السادات، تعرف منشدنا على الملحن بليغ حمدى،  وطلب منهما الإعلامى وجدى الحكيم أن يتعاونا فى عمل فنى يجمعهما، وأن الرئيس السادات قد كلفه بالإشراف على ذلك، وتخصيص أحد استديوهات الإذاعة لهما لحين انتهاء العمل، وحضرا اجتماعا مع الشاعر عبدالفتاح مصطفى الذي أمتعنا بكلمات ابتهال «مولاى» والذي لحنه بليغ حمدى.

هذه الكلمات، وهذا اللحن..، وهذا الصوت الشجى الذي كان ملاذ بطلة الرواية فى لحظاتها الصعبة،وحين قررت أن تكتب رواية لم يكن صعبًا أن تحتار عمن تكتب.

 

 

 
 
 

 

 

بكى الشيخ سيد عندما وصفته بأنه ملاذها، وملاكها الحارس، ويمس هذا التعاطف الإنسانى القارئ أيضا عندما تصوره الكاتبة بإحساس مرهف فتقول:

كان الشيخ سيد يستمع إلى متأثرا، وسالت دموعه مبللة لحيته، ابتسمت له بعينين ممتلئتين بالدموع وقلت: تبكى من أجلي؟

فحكى لها أنه دائما يدعو الله أن يمن عليه بالحب، حب عظيم يليق بقدره، ولن يرحل عنى يوما، ويتركنى أقاسى الحرمان، حب لا ينفذ مداده، ولا تبدله الأيام.

قلت له بعينين مبللتين بالندى والحسرة: أين نجد هذا الحب؟

ابتسم لى مؤكدا: لا تبحثى عنه فى بركة راكدة، وأمامك المحيط.

حياة جديدة

وتكشف الساردة عن حياة بطلتها الجديدة فهى ما التقت بالنقشبندى إلا فى غيبوبة تعرضت لها إثر حادث سيارة، وعندما أفاقت تنبهت إلى أنها ما زالت تحيا فتهلل صوتها بالفرحة وخاطبت النقشبندى بأنه لا تزال هناك فرصة للحياة، لا يزال هناك بصيص من نور فى نهاية النفق.

لقد غير هذا اللقاء حياتها جعلها تفكر بتغيير حياتها، وتحقيق أحلامها، وأن تنعم بفرصة ثانية، وتهمس بطلة الرواية أولى خطواتها فى حياتها الجديدة فتقول:

شعرت وقتها أننى أقف فوق جسر يصل بين عالمين، أضع قدما فى الدنيا، وقدما فى الآخرة، هنا حيث زوجى وأولادى،  وأبى وأمى،  وبداية جديدة تنتظرنى،  لا أعرف إن كانت ستقودنى إلى نهاية مختلفة، وهناك الشيخ سيد بابتسامة المطمئنة التي تبعث فى نفسى السكينة، على أول طريق فى نهاية ضوء مبهر، وراحة أبدية، وحب لا يزول ولا يتغير مع الأيام، وكعادتى وقفت طويلا محتارة أى الطريقين أختار.. إلى هنا تنتهى الرواية، لكن يبقى النداء خالدا فى كل نفس تنشد طمأنينتها: «مولاى إنى ببابك قد بسطت يدي/ من لى ألوذ به إلاك يا سندى».

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز