عاجل
الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
روزاليوسف.. سر الخلود!
بقلم
كرم جبر

روزاليوسف.. سر الخلود!

ذهبت فاطمة اليوسف بنفسها إلى وزارة الداخلية، لتطلب ترخيصًا لها بإصدار مجلة، وقابلت «محمد مسعود بك» مدير المطبوعات وهددته بالشكوى لرؤسائه إذا لم يمنحها الترخيص، وأمام إصرارها حصلت على الترخيص.



قررت أن تسمى المجلة باسمها «روزاليوسف»، وهو الاسم الفنى الذي أحبته الجماهير ويوفر عليها أى جهد فى الدعاية والإعلان، بعد أن قررت أن تعتزل التمثيل وتتفرغ للعمل الصحفى.

 

فاطمة اليوسف من مواليد مدينة طرابلس فى لبنان سنة 1897، جاءت إلى مصر وحيدة وعاشت ظروفًا صعبة فى بداية حياتها، ولكنها كانت قوية الإرادة والعزيمة.

وقفت روزاليوسف على خشبة المسرح فى فترة الحرب العالمية الأولى، وسنة 1918 عندما ولد «إحسان» كانت هى الممثلة الأولى والنجمة المتألقة التي تستحوذ على قلوب الجماهير.

تألقت كثيرًا فى دور «غادة الكاميليا»، وسنة 1925 اختلفت مع يوسف وهبى صاحب فرقة رمسيس التي كانت هى بطلتها، فقررت أن تعتزل التمثيل.

الذي لا يعرفه كثيرون أن هذه المرأة العظيمة كانت تحسن القراءة؛ ولكنها لم تكن تجيد الكتابة، وكانت توقع باسمها فقط، أما مذكراتها المعروفة فقد أملتها على أحمد بهاء الدين، وكانت تعتبره مع فتحى غانم مثل ابنها إحسان.

محمد عبدالقدوس والد إحسان، كان عاشقًا للفن وترك الهندسة وعمل مع نجيب الريحانى وسليمان نجيب وعزيز عيد، ولعب دورًا فى فيلم «الوردة البيضاء» لمحمد عبدالوهاب.

ينحدر والد إحسان من أسرة مصرية عريقة، جده هو سليمان زيدان من عرب الصالحية، واشترك فى الثورة العرابية وسجن وهرب وغيَّر اسمه إلى رضوان.

هكذا كما كتب عنه الراحل الكبير رجاء النقاش تكتمل فى شخصية إحسان عناصر كثيرة: لبنان وعرب الصالحية والثورة العرابية والأزهر والفن والتمثيل، والحقوق التي تخرج فيها سنة 1943.

فاطمة اليوسف لم تكن مجرد فنانة عادية، ولكنها أحاطت نفسها بكل ألوان التفوق والإبداع، وكانت صديقة لأعظم الرجال فى عصرها مثل عباس محمود العقاد ومحمد التابعى ومحمود عزمى.

كامل الشناوى كان يقول عنها إنها رجل، وكانت ترد عليه «لا يا كامل لست رجلًا ولا أحب أن أكون، أنا فخورة بأنى سيدة، وعيب صحافتنا كثرة رجالها وقلة سيداتها.. ويوم أرضى عنك.. سأقول إنك سيدة». 

فى هذه الظروف تعلم إحسان كيف يكتب وكيف يمسك بالقلم، وكان أساتذته بعد والدته: محمود عزمى ومحمد التابعى وعباس محمود العقاد.

يقول رجاء النقاش أيضًا: من التابعى تعلم إحسان أسلوب الكتابة، والتابعى هو عميد الأسلوب الصحفى المعاصر بلا منافس، إنه ساحر الكلمة ومعلم الأجيال، وتعلم من محمود عزمى نظرته التقدمية لمشاكل الحياة والمجتمع والإنسان، حيث كان عزمى من أعظم دعاة التجديد والتقدم، ووصل به الأمر إلى حد الدعوة إلى لبس «القبعة» بدلًا من «العمامة».

من العقاد تعلم إحسان جرأة الكاتب وفروسية صاحب القلم، والاشتباك العنيف مع الأفكار الخاطئة، التي ينبغى هدمها وإفساح الطريق أمام عالم جديد.

كان إحسان عبدالقدوس من القيادات الصحفية القادرة على اكتشاف المواهب الجديدة وإفساح الطريق لها.. وخير دليل على ذلك اكتشاف الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين.

كان بهاء يعمل فى إحدى الإدارات القانونية، وذات يوم ترك مقالًا فى استعلامات «روزاليوسف» وانصرف، ولم يكن يعرف إحسان أو أى صحفى آخر فى المجلة.

فوجئ بالمقال فى الأسبوع التالى على الغلاف، ولما ذهب ليترك مقالًا آخر، أمسك به عامل الاستعلامات، ولم يتركه إلا فى مكتب إحسان وصار بعد ذلك واحدًا من أعظم الكتَّاب فى مصر.

دروس ودروس ودروس، يجب أن تتعلمها الأجيال، وهناك من يتصور أن القلم يجب أن يكون أداة حادة وترشقه فى الأجساد والسمعة والشرف، دون وازع من ضمير.

دروس فى النقد السياسى العنيف الذي يحقق الهدف، دون أن يُدمى، ومن يقرأ مقالات إحسان وهو يشرِّح الواقع السياسى المصري، يتأكد أنه لا يزال يعيش بيننا حتى اليوم.

دروس تجيب عن السؤال المهم: لماذا أطلقوا على الصحافة لقب «صاحبة الجلالة»؟.. فقد كانت بالفعل أميرة متوجة يحرسها صحفيون بدرجة أمراء ونبلاء.  

هذه هى «روزاليوسف»، المؤسسة العريقة التي تحتفل بصدور العدد 5000 بما يليق بمكانتها العريقة، وكونها شاهدًا على تاريخ مصر ومعاركها وانتصاراتها واشتباكها الدائم مع قضايا المجتمع وهمومه ومشاكله.

إحسان.. ما أروعك كمؤسس لمدرسة صحافة النبلاء العامرة بالحب والحرية والجرأة والإقدام والشجاعة والمواقف النبيلة والجملة النظيفة والنقد الذي لا تحركه مصالح شخصية ولا دوافع ذاتية.

ما أروعك.. وأنت تقود كتيبة الوعى والتنوير، التي تحارب التطرف والغلو والظلامية، وما زالت شموعها تضيء حتى الآن.

إحسان.. هو سر «روزاليوسف»، الذي تكتشفه الأجيال وتحافظ عليه، فيستمر التدفق الحى الخلاق فى فكر الأمة ووجدانها.

 

 

 

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز