عاجل
الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
مناظر مؤذية !

مناظر مؤذية !

بقلم : مفيد فوزي
فى الستينيات كان فكرى أباظة أحد كبار كتابنا يكتب بطريقته بابًا فى مجلة المصور تحت عنوان «مناظر مؤذية»، وكان يرصد المناظر المؤذية فى الطرق وفى سلوكيات الناس، وفكرى أباظة صاحب أول صيحة لإذابة الجفاء بيننا وبين إسرائيل، وعندما كتب مقالاً فى هذا السياق كاد يفتك به عبدالناصر لولا تدخل محمد حسنين هيكل، وقد أتيح لى الاقتراب من فكرى باشا فى فجر مسيرتى الصحفية ووجدته «الرجل الدوغرى» الذى لا يعرف اللون الرمادى، وأكثر ما كان يؤذى مشاعر فكرى أباظة هو اللامبالاة والإهمال والكتابات الملونة بألوان الطيف، وكنت أشعر أن فكرى أباظة يغمس قلمه فى محبرة الشارع ويكتب لنرى أنفسنا فى مرآة الذات تماماً مثلما كان الريحانى يفعل حين يضحكنا على أنفسنا حين يضبط لنا «مناظر مؤذية»، ولست أدرى لماذا أربط بين فكرى أباظة وسليمان نجيب والريحانى، ثمة شىء واحد يربط بين الثلاثة لعله استقامة القصد.
 
 
 
ودعونى أستعير عنوان فكرى باشا فى رصد «مناظر مؤذية» فى الحالة المصرية.
 
1- إن هناك حالة إسهال عند المصرى البسيط فى الإفتاء فيما يعرفه وما لا يعرفه، فهو دائماً «أبوالعريف» الذى يعرف كل شىء ويفهم كل شىء ويجادل فى كل شىء، هذا النوع من الإفتاء الجهول يسبب إهداراً للوقت والمال والأعصاب، وقد ابتلينا بهذه الآفة فى موسم «الربيع العربى» حتى كاد أغلب الناس يتحولون إلى زعماء ونشطاء، وسر هذا هو غياب المعايير، فهى التى تحكم الرشد فى السلوك والأقوال، والأفضل والأيسر فى هذا الزمان ألا تجادل جهولاً واحتفظ بعقلك، فالناس - بعض الناس - لا يقتنعون بسهولة ولا يملكون المرونة ويصرون على مواقفهم الخطأ، ومن هنا صار التناحر فى المجتمع أمراً طبيعياً وأصبح الرشد هو الاستثناء، والعقل الجمعى المصرى محير، فهو حساس جداً أمام الظلم وغياب العدالة، إنه يقف وراء الحاكم فى منطقة «الوعود»، فإذا ما تبخرت أو لم ير لها ظلاً لواقع تغيرت مشاعره وصار يعادى النظام، والاحتجاجات الفئوية ما هى إلا صراخ مكتوم بين الضلوع.
 
2- زمان كان الناس «أهلاوى وزملكاوى» أو «وفدى وسعدى»، الآن انقسم المصريون وانشطروا إلى مائة اتجاه حتى تكاد تفقد الجهات الأربع الأصلية، حتى مواقع «التواصل» صارت ظاهرة، ففى مصر «الفيسبوكيون» وفى الكويت «التويتريون» وفى السعودية «الانستجراميون»، وفى كل مجتمع يصل تأثير مواقع التواصل إلى حدود غير آمنة تهدد السلم الاجتماعى. ومن الممكن القول إن التكنولوجيا - رغم أنها سهلت الحياة، لكنها مزقت التواصل وهتكت عذرية الشفافية والخصوصية.
 
3- المناظر المؤذية كثيرة.
 
■ منها أن الغش وتسريب الامتحانات صار سمة تعليم أمة فى خطر، وأخجل كثيراً من الاقتراح بأن يتولى الجيش الإشراف على عملية الامتحانات ضماناً لعدم التسريب.
 
■ منها عدم اقتناع بـ«ترميم الصندوقين الأسودين» للطائرة المنكوبة وإصلاح اللوحات الإلكترونية لهما فى فرنسا، مجرد إحساس.
 
■ صمت البرلمان التام عن الاقتراب من قضية الظلم فى الإيجارات القديمة، وكأنه من الممنوعات، ولا تفسير لهذا الصمت إلا أن مناقشة القانون قد تصطدم بأصحاب مصالح.
 
■ منها أن المسودة «الثالثة عشرة والنهائية» لمشروع قانون بناء وترميم الكنائس، تناقش لإقرار القانون خلال الدورة البرلمانية الحالية ويقفز سؤال: إحنا بجد دولة مدنية؟!
 
■ تيران وصنافير: «عربية» الهوية، «مصرية» الجغرافيا، «سعودية» الملكية، نقلب الصفحة ونشوف حالنا.
 
■ منها أن إحدى شخصيات برامج رمضان اسمه: جزمه؟؟؟
 
■ منها أنى لم أعثر بعد على «كيم كاردشيان» المصرية، التى انتقدت كنجمة لتليفزيون الواقع مجلس الشيوخ الأمريكى على سهولة الحصول على أسلحة مدمرة على خلفية هجوم غادر أسفر عن مقتل 94 شخصاً وإصابة 25 آخرين، قضايا الواقع المرير لا تشغل بال نجماتنا واهتمامهن بالقضايا العامة على الورق فقط.
 
4- ناس تؤذيهم مناظر مؤذية.
 
■ «القطانية» نسبة إلى السفير السعودى فى مصر «أحمد القطان» حافظ على أشكال معمار وزخارف مصرية فى مبنى ملحق ببيته «بيت كل سفير للسعودية فى مصر» ومذهب القطانية يرفض المبانى «الطرشة» التى تقام فى غفلة من الزمن وبلا ذوق، وعندما بنى مبنى جديدا كرر المبنى الأساسى بالكربون، والقطانية مذهب «ابدأ بنفسك أولاً» وحينئذ لن تصادف مناظر مؤذية، وفى الزمن القطانى بنيت السفارة السعودية الجديدة، قطعة من المعمار الجميل العصرى، وزودت أمنياً بأحدث ما فى العالم من تقنيات، وبعيداً عن هوية الجزر السعودية المصرية، فقد جمعتنا بالسفير القطان مائدة إفطار شهية ضمت كتيبة من الإعلاميين وأصحاب القنوات الخاصة، وبعد الإفطار كانت الجلسة على ضفاف نيل مصر، وقفز إلى رأسى سد النهضة وتناقص المياه مستقبلاً، وقلنا للسفير القطان: فى يد السعودية أن تضغط بطرقها الدبلوماسية على إثيوبيا للوصول إلى منتصف الطريق، واستمع السفير السعودى لوجهة النظر، وأحمد القطان نصف وزنه إصغاء للآخرين والنصف الآخر دعابات مصرية بطعم سعودى.
 
■ من المناظر المؤذية جداً للمشاعر، إشاعة «رحيل الجنزورى» مد الله فى عمره، رجل لم تلوثه السياسة ولا يلعب بالبيضة والحجر ومباشر.
 
■ من المناظر المؤذية اكتشاف علاء عبدالهادى، رئيس اتحاد الكتاب، خلايا نائمة، سمع بحسه الوطنى شخيرهم وكشفهم، فعادوه.
 
 
■ من المناظر المؤذية، مهارتنا فى التشنيع، مثلاً، نقول: وزارة التربية و«التسريب» ونقول لوزير التعليم «قدم استقالتك فتريح» وكأننا بهذا الكلام توصلنا لعمق المشكلة، والصحيح أن التسريب والغش مشكلة مجتمعية يساهم فيها البيت المصرى (!!) قبل تراخى الحكومة وغياب الضمائر، ولو قرر السيسى «فرم» المقصرين، قلنا بشفقة كاذبة: يا حرام.



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز