عاجل
السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
دم البشر.. ودم الحمير!

دم البشر.. ودم الحمير!

بقلم : د. طه جزاع
في  ( حوار ) فكري وفلسفي مثير بين توفيق الحكيم وحماره ، ينتهي بأن يقول الحمار ( رأيه ) طارحا علاجا لمشاكل البشر ( نعم عندي العلاج ، وإذا قلت لك عندي ، فإنما أقصد عند فصيلتي ، فنحن نفكر جميعا تفكيرا واحدا ، فليس عندنا حمار مثالي وآخر مادي ، وليس عندنا زعماء ولا قادة ، ولا أوثان ولا أوطان ، بل يوجد حمير على أرض الله وكفى ، شعورها واحد وقلوبها واحدة ) ويبدي الحكيم اعجابه بهذا الكلام الجميل منتظرا ان يطرح الحمار علاجه لمعشر البشر ، مستنكرا مجد الانسانية المنهار وإذلال القدر لها فلا تجد من يهديها الى علاج امرها غير حمار!
 
أما مشكلة البشر في رأي الحمار فليست سوى الكبرياء الزائفة في دمهم الفاسد ، والعلاج الذي يقدمه هو استبدال هذا الدم الفاسد ( لا أمل فيكم ولا علاج لكم إلا بعملية نقل الدم ، نقل دم جديد) .. ويظن الحكيم ان الحمار سيقترح ان ينقل الى البشر دم الحمير ، غير ان الحمار يصرخ مستنكرا ( لا ، انها تضحية كبرى من فصيلة الحمير ، لا أنصح لها ان تتحملها من أجلكم ) !
 
وتستنتجون معي – ايها القراء الاعزاء- من هذا الحوار بين الحكيم وحماره ، ان كلاهما كان يائسا من الوضع البشري زمانهما ، وكان الزمان آنذاك هادئا مستقرا نوعا ما قياسا بزماننا المضطرب هذا ، وكان الانسان أكثر كياسة وحكمة ورحمة من انسان اليوم الغارق في مستنقع مشكلاته وأزماته وحروبه وتناحراته وأحقاده، وعندما توصل الحمار الذي هو صوت توفيق الحكيم نفسه الى ان الحل يكمن في استبدال الدم البشري الفاسد ، ليصير البشر مثل حمير الله في أرضه ، فأن العالم لم يكن قد اكتشف بعد الخريطة الوراثية التي حلت لغز خلق الانسان الذي لن تتغير صفاته ولو أبدلت دمه بماء القرنفل والياسمين ، وسيبقى مهما تغيرت الظروف والازمان ، ضعيفا عجولا هلوعا جزوعا !
أوليس الحديث عن الحمير أجدى وأكثر نفعا وفائدة ومتعة ، من الحديث عن مخلوق ضعيف عجول هلوع جزوع ، ضاقت عليه الأرض بما رحبت ، نتيجة ظلمه ومكره وخبثه وشروره ودونيته التي تأبى منها مخلوقات أدنى منه وأقل رقيا وكمالا وتقويما ، ومع ذلك فأنها لا تكذب ولا تسرق ولا تنافق ولا تتملق ولا تشتم ولا تشهر ولا تعتدي ولا تخون ولا تغدر ولا تظلم ولا تقتل ولا تسفك الدماء ، ولا تعيث في الارض طغيانا وفسادا !؟
 
كنت قد كتبت سلسلة مقالات عن الحمير في جريدة ( المشرق ) العراقية واسعة الانتشار ، نشرتها بين شهري آب وأيلول من العام 2013 وكان رئيس تحريرها وقتذاك الزميل العزيز المغترب في كندا الكاتب والشاعر الاستاذ صباح اللامي الذي دعاني للكتابة في الجريدة ، غير انه لم يحتمل كثيرا ونفد صبره بعد أن خصصت مقالات عديدة للحديث عن الحمير ، فهاتفني يوما مرعدا مزبدا وهو يطالبني بالكف عن كتابة مثل هذه المقالات ( فقد دعوتك للكتابة عن البشر لا عن الحمير ) ! وكان جوابي في المقال التالي انني قلبت صفحات الكتاب القديم الصادر عن مكتبة مدبولي في القاهرة ( عصا الحكيم وحماره ! ) ليوسف فرنسيس يقينا مني ان الزميل رئيس التحرير لن يعترض بعد الآن بعد ان استسلم امام قناعة مفادها : ان الحديث عن الحمير أفضل بكثير من الحديث عن مخلوقات ( عاقلة ) لكنها تفتقد الحكمة والكياسة والصبر وموهبة التأمل والقدرة على التحمل!



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز