عاجل
السبت 21 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي
حديث الببغاوات الثلاث

حديث الببغاوات الثلاث

بقلم : هويدا عطا


بأيديها تدق أطراف السعادة الملقاة على هاماتها·· تسدل ستائر الأحزان وتمنحنا النسيان، معلقة بقلوب صغيرة، طريق الأمل والأحلام السرمدية، تلك الحورية منحتها سري، فلم تحفظه، باعته لأول عابر، كنت أبكي على حافة أسوارها وأخزن من حديثها زاداً لي·



كاد القلب يتقطع عندما شاهدت طفلة تجر عينيها الصغيرتين في دكاكين اللذة والحلوى، كانت تدس ملامحها الدقيقة في سرداب الأزهار المرمرية على قارعة الطريق، لم تلمح أن تقاطيعها الملائكية تغريني بالعودة ثانية للحياة والعيش في فاتحتها· لم أكن أعرف أن ميتتي الصغرى كانت رهينة الأبواب الحديدية التي ظلت مغلقة في وجهي إلى نبض أخير·

تبعثرت فوق رصيف قاس لا يرحم، صرخت بأعلى صوتي: أين بقيتي، أين قدمي اليسرى؟ أهربت مع أحلامي، وودياني الوسيعة؟ أم شقت طريقها إلى قدم أخرى؟ صرخت·· لقد سمعت موسيقى الكسر والظلم وزئير الموت الخاطف·

ها أنا أجلس في مقعدي الوثير من جديد ترقبني الببغاوات الثلاث، لكنها ما عادت تتمتم أو تضحك أو ترميني ببعض من قشها الدافئ ولا أنا عدت أنا، كلانا تغير، تحير في مقاومة عواصفه الحياتية، فاختار الصمت رفيقاً لدربه، لكن الآخرين لا يرضون بذلك، يضحكون ثم فجأة يسخرون ويسقطون من بين أصابعي·

ها أنا أجلس إلى نفس الطاولة ذات التعاريج المجوفة والمحدبة والمقطبة، والتي يميزها كل هذا البياض، الذي اعتدت أن أفترشه بأوراقي وحبري وفكري المبعثر، "حائر هو الآخر"، لكنه يحاول دائماً أن يتدارك الأمور والمواقف في آخر لحظة فيمنحني بعض سطور عرجاء حتى لا أخرج من مقهاي وأنا خالية الوفاض·

ها أنا أجلس تحت ظلال الببغاوات الثلاث، تنظر إليّ بشماتة، تخرج لسانها، بل تتمادى في جرأتها، فتسقط منقضة فوق رأسي محاولة قتلي·

ها أنا أجلس جنباً إلى جنب مع الببغاوات، عيني في عيونها، صوتي يخترق آذانها، فيسكتها عن الكلام، إجابتي تبث فيها الحيرة فتسقطها صرعى الأحزان· ها أنا أجلس وأراقب وأفكر وأكتب، ليتني ما جئت إلى هنا، نفس المكان، لأتعلق بعيون تلك الببغاوات، تحدق فيّ وتطيل النظر إليّ فأشعر بغربة ووحشة وأردد ما عاد المكان هو المكان ولا الزمان هو الزمان ولا أنا أنا ولا هي هي، فأخرج على الفور هائمة على وجهي وأفكر في كتابة أخرى بلا مفردات أو مرسى أو مقهى جديد يحمل نفس المعنى.
 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز