عاجل
الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الهانم

الهانم

بقلم : سامية صادق

كان الناس يحسدونها على زواجها من ذلك الثري الشهير الذي ينتمي لإحدى العائلات الأرستقراطية العريقة، ويرونه وقد صنع منها (هانم)، وهي الفتاة الفقيرة التي نشأت في أحد الأزقة بحي شعبي.



فينظرون إليها على أنها فتاة ذكية استطاعت أن تضع نفسها في طريق ذلك الرجل المهم الثري ابن الحسب والنسب.. وتمكنت من صيده وإقناعه بالزواج منها لتتحول من فتاة فقيرة مهمشة إلى سيدة القصر.. وكثيرا ما قللوا منها واستكثروا عليها القصر الكبير المهيب الذي نقلها إليه البك..

ويتساءلون وهم يسخرون من مشاعرها حين دخلته لأول مرة:

هل استطاعت أن تحصى عدد غرفه؟!.. بالتأكيد كانت مبهورة به.. وربما قد أغشي عليها من الفرحة!

وكان زوجها الذي أكمل عامه السبعين بعد شهور قليلة من زواجهما.. بدينا.. مريضا.. لا يقوى على المشي عدة خطوات متواصلة.. كما أنه يلتقط أنفاسه بصعوبة حتى أنه ينهج كثيرا أثناء الحديث.. ويظل متواجدا بالبيت طوال الوقت.. حتى إنه يدير أملاكه ومشاريعه من منازلهم.. كما أن مصوره الخاص يلتقط له كل صوره وهو جالس في غرفة مكتبه شديد الفخامة والرقي.

وربما كانت قبل أن تتزوجه تعتقد فيما اعتقده حسادها بأن هذا الزواج سيمنحها الجاه والمال والمكانة الاجتماعية.. وبالتالي سيجعلها تعرف السعادة.. فكيف تتحقق لها كل هذه الأشياء المهمة ولا تكون سعيدة؟! وهل هناك سعادة أكثر من سكن القصور وركوب السيارات الفارهة وقضاء الصيف في أوروبا ووجود فريق من الخدم والحشم رهن إشارتها!!... حتى إنها كانت تتهم الفتيات اللاتي يبحثن عن الحب بالبله والعته وعدم النضوج.. وتعتقد أنها أكثر فهما للحياة منهن.

ومنذ اليوم الأول الذي أغلق عليهما باب غرف نومهما بالقصر العتيق، الذي لا يخلو من وحشة ورهبة، وقد شعرت بأنها ارتكبت أكبر خطأ في حق نفسها، وأنه من المستحيل أن يجتمع الربيع مع الخريف أو ينسجما معا!!... واكتشفت أن القصر الحقيقي الذي كانت تشعر فيه بإنسانيتها وحريتها هو بيتها المتواضع بالزقاق الذي كانت تسكن فيه وتمردت عليه!!.. أن اللحظات التي تعيشها مع البك العجوز كزوجة تزيدها كراهية واحتقارا لنفسها وتشعرها بأنها باعت نفسها بأبخس الأثمان... إنه يعتبرها مثل أي شيء في القصر استطاع أن يقتنيه بماله ومركزه!!

إنها قصة متكررة منذ عشرات السنين الفتاة الصغيرة الفقيرة، التي يشتريها عجوز ويتزوجها.. ولكن الحقيقة التي تدركها جيدا أنه لم يسع لشرائها لكنها هي من خططت واجتهدت لتبيع له نفسها.. ظنت أنها باعتها بأعلى سعر، ولكنها اكتشفت أنها ليست أكثر من لعبة يلهو بها البك وقتما يشاء ويرميها بعد أن يملها ويزهق منها ثم يطلبها مرة أخرى!!.. فلديه الكثيرات غيرها مهمتهن تسليته والترفيه عنه!!

لكنها الوحيدة بينهن التي تمتلك ورقة عليها توقيع إثنين من الشهود تسمى قسيمة زواج.. ولكن ما فائدتها  إذا كانت هذه الورقة لا تفرض عليه احترامها أو الحفاظ على كرامتها.. بل باتت سبب تعاستها وقهرها...وربطتها به  مدى الحياة.. ورغم مرضه إلا أن الله يمد في عمره.. لقد صار في الثامنة والثمانين مريضا.. واهنا.. ضعيفا...بينما لازالت هي في الأربعين من العمر امرأة جميلة ناضجة تلتهمها العيون في أي مكان تذهب إليه... حتى يهيأ لها أنهم يمدون أعينهم وخيالهم إلى غرفة نومها ليتلصصوا عليها ويراقبون علاقتها مع البك العجوز.. خاصة أنها بلا أبناء... فلم تنجب منه... بينما لديه أربعة أبناء من زوجته الأولى وسبعة أحفاد...

ورغم أنه طاعن في العمر لا يقو على الحركة.. إلا أنه لا زال مسيطرا عليها راغبا فيها.. وهي لم تعد تطيقه.. إنها تتمنى له الموت في كل لحظة.. لقد امتص رحيق شبابها وأصاب حياتها  بالجفاف.. وجعلها ذابلة حزينة طوال الوقت.. ولا تستطيع الخلاص منه.. فهي تدرك جيدا أنها أضعف من أن تتركه.. أن عائلته ذات المكانة والنفوذ ستحطمها لو تجرأت وتركته أو تسببت في إيلامه.

كانت تحاول أن تقاوم تعاستها الداخلية بسعادة مفتعلة، وبالمشاركة في أنشطة متعددة.. وتظهر دائما في صورة (الهانم) وسيدة المجتمعات.. خاصة بعدما أحضر لها البك في بداية زواجهما معلمة إتيكيت متخصصة.. فجعلتها تبدو وكأنها مولودة في عائلة أرستقراطية.. في ملبسها ومشيتها وحركتها وابتسامتها وأسلوب نطقها للكلمات وطريقة تناولها للطعام.. فكانت تبدو بالفعل (هانم).. ولا يناديها كبار الشخصيات إلا بفلانة هانم.. والمدهش أنها لازالت ترى الحسد في عيون المحيطين بها وخاصة السيدات!!

ويموت البك وهو في بداية عقده العاشر... لتتحرر وهي في الخامسة والأربعين من قيد قد قيدت به نفسها، فأدماها وسرق أجمل سنين عمرها.

ويبدي الناس دهشتهم حين ينتشر خبر زواج (الهانم) من شاب يصغرها بخمسة عشر عاما.. كان أحد جيرانها القدامى في الحي الشعبي التي كانت تسكنه قبل زواجها.. حيث كان لا زال طفلا صغيرا عمره عشر سنوات حين انتقلت للعيش مع البك في قصره المهيب.. وظل يتابعها باهتمام.. فمثل حكايتها في الأحياء الشعبية أشبه بحكايات ألف ليلة وليلة!!

وقد جاء لتقديم واجب العزاء حين توفي زوجها.. وقدم لها نفسه.. وحرص على توطيد علاقته بها إلى أن أحبته ووافقت عليه حين طلبها للزواج.. وينصحها من حولها أن تقلع عن هذه الزيجة، وأنه طامع فيها وفي ميراثها من البك.. فتجيبهم بهدوء:

وأنا أيضا طامعة فيه.. فهو يمتلك ما هو أهم من المال والميراث.. فلديه ثروة من شبابه وحيويته وحماسه وعنفوانه..

لديه ما حرمت منه طوال عمري!!

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز