عاجل
الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

السويس التى لا تنسى

تحقيق- عصام ستاتى

الجزء الأول  ..  



 

على جانب من القناة ارتسمت أحلى صورة لمدينة السويس وظهرت عروس البحر الأحمر بفستان أزرق متموج يضمه ترس وأربع عجلات تدور كعقارب الساعة يتوسطه شعلة بلون الدم والجمر ،  وكأن شريط سينمائى يعيد لى ذاكرة القراءة والمعرفة والحياة ، لمدينة يعجز أوغسطين عن وصفها وليست فى مملكة الرب ، أتفحص بعين الصقر حوراس لقطات بعيدة للزمان والمكان .

 

 

مدينة السويس

 

 

·       لقطات مصرية قديمة جداً

 

 

كان بلباس كتانى أبيض يشبه سكان طيبة والدلتا ، بل هو منهم وجاء إلى هنا ليس ليحرث الأرض بل ليحرث البحر ويشرب ماء البئر ويحارب " ست " إله الصحراء ويعمر الأرض ويحمى البلاد من "العامو" القادمين من صحراء أسيا ويريدون التسلل إلى " كميت " أحب أسماء مصر فى زمانه وتعنى الأرض السمراء ، فمنذ الدولة المركزية أنتبه حكام البلاد لعمل قرية كل سبعة كليو ونصف الكيلو من بعد " أوون " ( عين شمس – المطرية ) ومن بعد أفاريس أو بو باستت ( الشرقية ) وكان من أهم هذه المناطق التى تجمع بعض القرى هى " ب أتوم " فالباء أداة تعريف وأتوم اسم الإله الذى خرج من المحيط الأزلى على شكل بيضة الروح فخرج منه باقى الآلهة الملائكة .. فهذه أرض الأتومين أتباع أتوم . المكلفين بحماية الوطن أرض ومناجم وبحر والمتصلين عبر البحر سواء ببعض بلاد " النحسو" الزنوج سكان بوند " الصومال " أو ببعض العامو" جنوب بلاد العرب حالياً لجلب مستلزمات العبادة من البخور والعطور والصموغ أهم ما تحتاجه العبادة المصرية  لإقامة الشعائر الدينية " للرمت " البشر كما كان يحب المصريون أن يطلقوا على أنفسهم .. هنا أنشئت أهم قلعة للدفاع عن الوطن والتى عرفت فيما بعد بقلعة القلزم ، والوثيقة الوحيدة المكتوبة عن الموقع الآثرى لقلعة القلزم هى بحث أعده عالم الآثار الفرنسى " برنارد بروبير " عام 1932م فور أنتهائه من أعمال الحفر والتنقيب التى قام بها بنفسه فى منطقة القلزم على مدى عامين متتاليين .

 

 

كانت مساحة المنطقة التى قام " بروبير " بالتنقيب فيها 200 م ×170م وكان الطرف الجنوبى من منطقة البحث جزءاً من قلعة قديمة مقامة على هضبة مساحتها 115م وعرضها 82م وبارتفاع 15م وكانت هذه الرابية أعلى فى الأرتفاع من أية مبانى فى جميع أنحاء المنطقة المحيطة بها.

كانت مساحة الجزء الأكبر من القلعة 330م  × 150م محاطة بجدار استحكمات مزدوج داخلى وخارجى .

 

 

كان الجدار الداخلى مبنى من الأحجار الجيرية والطوب اللبن وسمكه متر واحد وبالقرب منها أكتشف " بروبير " بيوتاً من حجرة واحدة تعود هى والجدار الداخلى إلى عصر الحكم الإغريقى فى مصر ( 333م – 30ق0م )

 

 

وبالنسبة لجدار الاستحكامات الخارجى للقلعة فإنه اتضح من دراسته الفارق بينه وبين الجدار الداخلى فى طريقة التصميم المعمارى حيث تبين أنه بنى فى عهد غارق فى القدم عن العصر الإغريقى وكان سمكه 3 أمتار وشيد من أحجار تماثل تلك الأحجار التى شيدت بها الاستحكامات التى أقامها قدماء المصريين بين فيلة وأسوان فى عصر الأسرة الخامسة والأسرة السادسة من الدولة القديمة واللتين حكمتا مصر فى الفترة ( 2563- 2300 ق0م ) .

 

 

وقد عثر " بروبير" على شيئين هامين وثيقا الصلة بالطقوس المصرية القديمة هما " جعران " وتمثال لإله الجبانات فى مصر القديمة .. كما عثر المكتشف الفرنسى فى أطلال القلعة والميناء القديم على مائة قطعة معدنية من الفئات الصغيرة تعود إلى بداية حكم الإغريق لمصر وعملات أخرى سك معظمها أثناء حكم الرومان لمصر ، وعثر العالم الأثرى أيضاً على أوانى فخارية مصنوعة فى مدينة طيبة فى صعيد مصر فى عهد الاسرة الثانية عشر ( 1320- 1580 ق0م ) ومنسوجات وسلع تجارية من القرن السابع قبل الميلاد صنعت فى الأراضى المعروفة بإيطاليا الآن .

 

 

وفى الحقيقة إن العثور على أطلال جدار الاستحكامات الخارجى لقلعة القلزم يعزز المقولة التاريخية التى تؤكد دور قلعة القلزم الدفاعى كحصن لتأمين حدود مصر الشرقية فقد كانت قلعة السويس تقع فى أقصى جنوب برزخ السويس ضمن سلسلة من الحصون سواء فى طريق وادى الطميلات وتل المسخوطة ناحية الاسماعلية الحالية والشرقية أو فى طريق " أون " عين شمس – المطرية حالياً ، وظلت هذه القلعة تلعب دور الحماية والدفاع عن مصر من مصر القديمة حتى نهاية عصر المماليك وبداية الاحتلال العثمانى التركى لمصر .   

 

 

ومحتويات هذه القلعة موجودة كاملة فى متحف الإسماعلية لتعرض متحف السويس القديم للإصابة وكثير من أهل السويس يطالبون باستعادتها الأن .

وهذه القلعة تم هدمها عام 1962 بحجة عمل مساكن شعبية وكأن السويس ليس بها أراضى خلاء ،إنها سخرية الأقدار أو بالأحرى سوء تنظيم لم يفعلها المحتل ولكن تمت فى عهد عبد الناصر!  .. ومع ذلك لازالت القلعة وأساطيرها تهيمن على الوجدان الشعبى وتنسج الحكايات مثل أسطورة الملك سوس والذى يركب حصانه الأبيض ورداءه الأبيض ويذهب على البيوت ليلاً يضع احتياجات الفقراء ويحقق أمانيهم ويتجلى فى المحن ويحرض على رفض الظلم ويظهر كمقاتل ويظهر كشهيد وكذلك حكاية ديك الجن وكنوز الملك سوس  المرتبطة بالقلعة ذلك الديك الذى إذا صادفت ظهوره فى مكان القلعة عند الفجر وأخذت ريشة منه  وغرستها فى عنقه فمكان سقوط الدم إذا حفرت سيظهر كنز الملك سوس ، وهذه الأساطير تجاوزت حكايات الجماعة الشعبية بالسويس لتهمين على وجدان مثقفيها من كتاب الرواية مثل محمد الراوى فى تل القلزم أو على المنجى فى كنوز الملك سوس وكذلك الشعر وخاصة مجدى عطيه واستلهاماته لمثل هذه الأساطير ، بل أن الحكايات تجدد نفسها ولازالت تفرز وتنتج حكاية جديدة عن الملك سوس الذى تجلى فى مظاهرات 25يناير يوزع البصل والمياة الغازيه لحماية المتظاهرين من الاختناق بل كان يعبئ زجاجات الملتوف للدفاع عن أنفسهم .

 

 

 

خريطة محافظة السويس

 

·       قناة على بحر العزيمة

 

 

هو الشريان صانع التواصل والحياة والسؤال الذى يؤرق الباحث فى سر الاهتمام بربط النيل بالبحر الأحمر ، هل كان المصرى يفعل ذلك من أجل توفير متطلبات العبادة من بخور وعطور وصمغ وحناء وخلافه ، فتدلنا الوثائق المصرية على أن  الطريق البحرى الذى يسمى الأن ببلاد العرب كان مفضلاً ويرجع إلى عهد الأسرات الأولى من الدولة المصرية القديمة ، ذلك أن نصوص الأسرة الخامسة ( حوالى 2560- 2470 ق0م ) تحدثنا عن الحملتين البحريتين اللتين أرسلهما ملكان من ملوك هذه الأسرة – ساحورع وأيزيس – إلى بلاد الصومال وجنوب بلاد العرب ، ويحدثنا كذلك أحد رجال الأسرة السادسة حوالى ( 2470- 2270 ق0م) فيقول : " أرسلنى مولاى صاحب الجلالة بيبى ( الثانى) إلى بلاد الأسيوين لاستحضار جثمان الصديق الوحيد رئيس القواد ، الذى كان قد ذهب إلى هذه البلاد ليبنى سفينة سوريه للسفر بها إلى الصومال ولكنه قتل ومن معه بأيدى " العامو" قبائل البدو الأسيوية .

 

 

وقد تتابعت رحلات المصريين البحرية إلى بلاد الصومال وبلاد العرب الجنوبية طوال عصور التاريخ المصرى القديم ، وترجع آداب المصريين القدماء أصداء شغفهم بهذه الرحلات فتروى قصة ( البحار) كيف أن خرج إلى هذه البلاد مع نفر من الملاحين المصريين الجسورين لكن ريحاً صرصراً عاتية هبت على سفينتهم فحطمتها وأتت عليها وكل من كانوا فيها سواء ، فقد قذفت به الأمواج على جزيرة آقام فيها فترة من الزمن إلى أن أتيحت له الفرصة ليعود إلى مصر محملاً بالهدايا فيروى لأهل بلده ما صادفه من أهوال وما شاهده من عجائب .

 

 

وقد كان لمصر فى عهد رمسيس الثانى أسطولا فى البحر الأحمر كانت بعض سفنه تقوم بنقل النحاس من مناجم سيناء ومناجم عتاقة بالسويس والبعض الآخر تقوم بنقل السلع من بلاد الصومال وجنوب بلاد العرب ، ولا أدل على اهتمام القدماء المصريين بالبحر الأحمر من الطرق البرية والمائية التى أنشئت لربط النيل بنواح متعددة كانت السويس من بينها .

 

 

وقد ازدادت أهمية الطريق البحرى فى العصر اليونانى الرومانى ، فقد أرسل البطالمة البعثات لارتياد شواطئ البحر الأحمر ، وأسسوا عدداً من الموانى على الشاطئ الأفريقى لهذا البحر وعنوا بالطرق التى تربط النيل بالبحر الأحمر ، وأنشئوا أسطولاً لتأمين الملاحة فى هذا البحر وصار الرومان على طريق البطالمة فنشروا نفوذهم على شواطئ البحر الأحمر وأصلحوا الطرق التى تربطه بالنيل وشقوا طرقاً جديدة وأقاموا الآبار والحاميات على جوانب هذه الطرق وإزاء كل ذلك راجت تجارة مصر الشرقية رواجاً كبيراً .

 

 

أما القناة التى كانت تخرج من النيل وتتصل بالبحر الأحمر عند رأس خليج السويس وتعرف بقناة وادى الطميلات ، فإن معلوماتنا عنها مستمدة من أقوال الكتاب الإغريق والرومان وكذلك الأدلة الأثرية ويحدثنا "هيردوت" الذى زار مصر حوالى ( 450 ق0م ) بأن ملك مصر نخاو ( 609- 593 ق0م ) أول من حاول شق حفر قناة بين النيل والبحر الأحمر لكن الملك الفارسى دارا الأول ( 521- 486 ق0م ) هو الذى حفر هذه القناة ، أما استرابون ( الذى زار مصر فى 25م ) وبلينيوس ( الذى عاش فى القرن الأول الميلادى ) فإنهما ينسبان حفر هذه القناة إلى أحد ملوك الأسرة الثانية عشرحوالى ( 2000- 1788 ق0م ) فهل هذه النسبة تصور الحقيقة أم أن مبعثها ما أشتهر به ملوك هذه الأسرة من أقامة مشروعات عامة ضخمة مثل مشروع بحيرة موريس فى الفيوم ومقياس النيل عند الشلال الثانى . والقناة التى شقها سنوسرت الأول الذى يدعوه الإغريق سيزوستريس ( 1980- 1936 ق0م ) فى صخور هذا الشلال ؟ والواقع أنه إزاء هذه الأعمال الجليلة لا يستبعد أن يكون أحد ملوك هذه الأسرة قد أقدم على شق قناة وادى الطميلات .

 

الميناء قديما

 

ومن ناحية أخرى فإن الملكة حتشبسوت حوالى ( 1505- 1495 ق0م ) نقشت على جدران معبد الدير البحرى أخبار ومناظر الحملة التى قامت بها إلى بلاد الصومال ، ولما كانت سفن هذه الحملة تبدو رأسية على شاطئ النيل لا شاطئ البحر الأحمر فإن هذا يوحى بوجود أتصال مباشر بين النيل والبحر الأحمر أو بعبارة أخرى بوجود قناة وادى الطميلات فى عصر هذه الملكة ، ولذلك فإن بعض الباحثين يرجحون أن تكون حتشبسوت هى التى حفرت قناة وادى الطميلات لكن الرمال لم تلبث أن طمرت القناة فظلت مطمورة إلى أن بدأ نخاو إعادة حفرها وأتم عمله دارا الأول الفارسى وأبنه أجزركسيس ( 486- 465 ق0م )

 

 

وإذا كان من الجائز أن يكون سبق نخاو إلى حفر قناة وادى الطميلات أحد ملوك الأسرة الثانية عشرة أو حتشبسوت فإن النصوص التى تتحدث صراحة عن هذه القناة ملونة على اللوحات الفارسية ولوحة بطليموس الثانى ، فقد أقام دارا على مجرى القناة ثلاث لوحات فى تل المسخوطة وسيرابيوم وكبريته وأقام اجزركسيس عند الكوبرى شمال مدينة السويس الحالية بستة كيلو مترات ، وقد لوحظ أن كل لوحة تبعد عن الأخرى بحوالى 25 كليو متراً ، وأن المسافة بين تل المسخوطة ومخرج القناة من النيل عند تل بسطة تبلغ ضعف المسافة ، ولذلك إما أن يكون نخاو هو الذى حفر القناة من تل بسطة حتى تل المسخوطة ويكون دارا وأجزركسيس قد حفرا الجزء الباقى من تل المسخوطة حتى رأس خليج السويس ، مهما كان الأمر فى قلة الوثائق وعدم وجود الحفريات الجادة التى تمت فى هذه المنطقة والتى تضعنا أمام الغاز لكن الحقيقة المؤكدة أنه كان لابد لمصر فى كل العصور أن يكون لمصر مدينة عند الطرف الشمالى لخليج السويس فهى عيون مصر وطريقها الى العام الخارجى سواء بطريق برى أو بربطها بالنيل عن طريق قناة فقدر هذه المدينة هو موقعها الجغرافى العبقرى والذى فى حاجة للبحث الجاد لفك الغاز المكان وعبقريته وربما تكشف الأيام القادمة ذلك فقد اكتشف مؤخراً ميناء مصرى قديم فى منطقة أولاد موسى بطريق العين السخنة فى حضن جبل عتاقة ومثل هذا الميناء وغيره سيتم اكتشافه فى المستقبل مع حفريات أخرى ينبغى أن تتم من الشرقية حتى السويس نستطيع فك شفرات التاريخ القديم لهذه المنطقة .

 

 

افتتاح قناة السويس

 

 

·       العرب وخليج أمير المؤمنين .

 

 

كان الهدف المعلن لدخول العرب مصر نشر الدعوة الإسلامية و لكن لغة البحث أيضاً تبحث فى أهداف أخرى وهى أسباب غير معلنة و البحث فيها مشروع ـ سواء أعجبت بعض الناس أو لم تعجب نتجة عوامل عقائدية أو غيرهاـ  ، فقد كانت السويس هى أهم هذه الأسباب الغير معلنة حيث أن العرب اكتسحوا الرومان وأخذوا منهم الشام وكان يخشى العرب أن يذهب الرومان من مصر عن طريق بحر القلزم ليضربوا الدولة الإسلامية الناشئة فى عاصمتها المدينة ولذا كان احتلال مصر بشكل عام ومنطقة القلزم بشكل خاص هدفاً رئيسياً بعد هزيمة الرومان فى الشام ، كما أن هذه المنطقة ستكون نقطة العبور والتواصل بين دلتا مصر وخيراتها والأراضى الحجازية ، ولذا شرع العرب على قدم وساق بعد دخولهم مصر وبإلحاح من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص فى حفر قناة تربط بين النيل والبحر الأحمر وذلك لتسهيل نقل الغلال من مصر إلى الحرمين لا سيما بعد أن تعرضت المدينة لضائقة اقتصادية وقلت بها السلع وارتفعت الأسعار ، وقد جاء فى كتاب الخليفة إلى عمرو بن العاص " إن أحببت أن يقوم سعر الطعام بالمدينة كسعره بمصر ، حفرت له نهراً وبنيت له قناطر " ولم يمر عام واحد حتى كان عمرو بن العاص قد أتم حفر الخليج ، وجرت فيه السفن تحمل الغلال إلى الحجاز ، وأطلق عليه خليج أمير المؤمنين نسبة للخليفة عمر بن الخطاب ولإنهاء هذا العمل فى وقت قصير استخدم قسوة على المصريين تشير لها د. سيدة إسماعل الكاشف ويوحنا النقوسى ، ومهما يكن من أمر ، فإن خليج أمير المؤمنين من النيل للبحر الأحمر فى صدر العصر العربى آدى إلى أنتعاش مدينة القلزم أو السويس عند مصب هذا الخليج فى البحر الأحمر ، بوصفها أقرب موانى مصر إلى الحرمين وتجارة الشرق من ناحية أخرى .

 

 

·       السويس رحلة العشاق إلى فلسطين والحجاز

  

أبيض – ساطع – وضاء-  يبيض – يسطع و حج حر بمعنى مبتهج وحج تا بمعنى تصبح الأرض مضيئة وهذا الأبيض والنورانية كانت تطلق علي ملابس الرحلة المقدسة إلي أبيدوس التى نرى فى لوحتها حجاج مصر القدماء وهم بملابسهم البيضاء في القوارب النيلية رافعين أيديهم للسماء يدعون وكانوا يطوفون حول المعبد في أبيدوس كما كانوا يبنون قبورا وهمية يكتبون عليها أسماءهم لكى يشفع لهم أوزوريس عند تجليه وقيامته من بين الأموات وأن تتطابق لفظ حج فى المصرية القديمة والعربية قد يكون أمراً مثيراً للدهشة عند البعض وخاصة أن الكلمة مرتبطة بشعيرة واحدة ولكن تجلى وقيامة أزوريس من بين الأموات أليس هذا تشابه أخر بين الحج المصرى القديم ورحلة الحج عند المسيحيين المعروفة برحلة التقديس والكلمة فى القبطية agioc  اجيوس مقدس وتضيف عليها حرف هـ في اللهجة الصعيدية ولفظ هـ فى الصعيدية الأعلى يتضخم ليصبح حرف ح وتنطق هاجيوس أو حاجيوس وعلامة الإعراب أوس oc المقطع فى نهاية الكلمة استغنى عنه وأصبحت حاج haj والمؤنث منها agia أجيا وفى اللهجة الصعيدية hajia حذف منها علامة الإعراب فصارت مع المؤنث حاجه وهنا تزال كل غرابة فالكلمة المصرية القديمة دخلت لليونانية والعربية ولغات كثيرة لتعبر عن شعيرة واحدة .

 

 

 وإذا بدأنا بالحج المسيحى و الطريق الذى كانت تسلكه هذه الرحلة فقد مرت الرحلة بطريقين الطريق القديم وكان يبدأ من حصن بابليون فى موكب كبير ويسير إلى أن يصل إلى طريق السويس الصحراوى حتى يصلوا إلى قلعة الغورى ثم بئر عجرود أو قلعة العجرودى حتى يتزوّدوا بالماء ويستحمون فى الفندق القديم وكان البعض الآخر يتجه عند بئر القلزم (مكان مدينة المستقبل بالسويس حالياً ) ويصلون الطريق خلف معسكرات الجيش الحالية حتى يصلوا إلى جبلاية السيد هاشم متجهين لمنطقة حمام بوجية ( الهويس حالياً) حتى يصلوا إلى كنيسة سان جورج بساحة الشهداء أمام زاوية الشيخ مشيمش بمنطقة الغريب حيث توجد محلات واستراحات ووكالات يتم التزوّد بمتطلبات الرحلة وكانت توجد استراحة للحجيج داخل الكنيسة ثم يسلكون جزيرة تل اليهودية حتى يصلوا لمنطقة الشط ثم يمرون على عيون موسى ومنها إلى وادى الطور ثم يأخذون الطريق حتى دير سانت كاترين ويستريحون  بعض الشىء ثم يصلون إلى طابا ويدخلون الأراضى الفلسطينية حتى يصلوا إلى القدس

 

 

 

 

ومع وجود المراجع الأجنبية الكثيرة التى تصف هذه الطريق لم نجد مرجعاً عربياً بهذا الشأن ولكن عندما اكتشفت آثار تل اليهودية بالسويس وجد 37جثة فى توابيت خشبية لحجاج مسيحيين  فى العصر العثمانى وهى موجودة الآن فى مخازن تل بسطة بمحافظة الشرقية !!

 

 

أما الطريق الثانية الذى اتخذ بعد حفر قناة السويس وهو طريق (الفرما) بورسعيد _العريش _رفح المصرية _رفح الفلسطينية حتى الوصول للقدس

ولكن المراجع الأجنبية تعطى أهمية قصوى للطريق القديم لأنه نفس طريق الحج الإسلامى وكان فى بعض الأحيان  يتصادف الحجيج معا وتتقابل القوافل فى طريق السويس الصحراوى فيبقى الحجاج المسلمون بضرب الحج حتى يمر الحجاج المسيحيون ثم يلتقيان عند بئر عجرود أو داخل السويس حيث يستريح الحجاج المسيحيون فى كنيسة سان جورج ويستريح المسلمون فى منطقة الغريب على نفقتهم فامتزج الغناء الشعبى لكليهما معاً ثم ينتظر المسلون البواخر التى كانت تعرف بالبغلة وهى السفينة الكبيرة أو السمبوك وهو السفينة الصغيرة ويسلك كل من هما طريقه وقبلته حتى يعود كل إلى قبلة الوطن

 

 

أما رحلة الحج الإسلامى وما ورد عنه فى قصص الرحالة والمؤرخين العرب والأجانب  يمكن أن يصنع أنسكولوبيديا كبيرة الحجم والأجزاء فعلى سبيل المثال يذكر السيوطى الطريق المسلوك من مصر إلى مكة والحجاز فقال : " إن ركب الحجاج يخرج من القاهرة قاصدا السويس فى خمس مراحل ومن هناك يتجه الحجاج إلى إيله ومنها إلى الحجاز ، فالسويس كانت مركزاً هاماً لتجمع الحجاج فى مصر فى العصور الوسطى ، وكانوا ينتقلون إليها من القاهرة إما فى خليج أمير المؤمنين – قبل طمسه – وأما سيراً عبر الصحراء الشرقية ، فإذا وصل الحجاج إلى السويس فإنهم يركبون قاصدين شواطئ الحجاز مباشرة  ، وإن كان معظمهم يسلك الطريق البرى إلى إيله ومنها إلى الحجاز .

 

 

وكان يوم خروج الحجاج من مصر إلى السويس يوماً حافلاً " فيخرج الركب من مصر بالمحمل السلطانى والسبيل المسبل للفقراء والضعفاء والمنقطعين بالماء والزاد والأشربة والأدوية والعقاقير والأطباء والكحالين والمجبرين والآدلاء والأئمة والمؤذنين والأمراء والجند والشهود والدواوين والأمناء ومغسل الموتى .. فى أكمل زى وأتم أبهة .

 

 

وقد دافع السوايسة عن طريق الحج عبر العصور وتصدوا بسراسة لكل من حاول قطعوه أو تدميرة ومنها معركة ساحة الشهداء ضد القرامطة بقيادة سيدى عبد الله الغريب والتى انتصر فيها شعب السويس ودحر القرامطة وكذلك حروبهم ضد الصلبين ويشهد التاريخ لهذة المدينة أعظم سجل حافل بالبطولات .. ولآن ملف الحج كما سبق لنا القول يحتاح إلى موسوعة كبيرة الحجم ولكن من أجمل الأعمال التى تحدثت عن الحج وطريقه ومعالمه هو رحلة بيرتون لمصر والحجاز والذى تعامل مع وصف الرحلة كسينارست محترف رتب مشاهد الرحلة بوصف دقيق وقدم جزءا كبيرا لوصف مدينة السويس وفى الحقيقة استخدام جزءا من هذا العمل العظيم يشوه ، كما تناول أدور وليم لين وصف الحج ومأثوراته بشكل جيد ولكن يبقى أن يتم تجميع وبحث وبلورة كافة هذه الأعمال فى هذا العمل الذى أشرت له .

 

 

·       السويس أغنية الحج الموحدة

 

 

يتميز المصريون بما يعرف بأغانى الحج التى تسمى حنون الحجاج أو تحنين ومعناها اللغوى وداع الحجاج ولكن معناها الدلالى تعنى وداع واستقبال ووصف طريق واحتفال عام بالحجاج وفى الحقيقة أن تميز مصر بهذا النوع من الغناء الشعبى يرجع عبر اللاشعور الجمعى أو اللاوعى التاريخى حيث كان حجاج مصر القديمة يقومون بمثل هذه الأغانى فى ذهابهم وعودتهم من أبيدوس فى رحلة حجهم القديمة وبعد تغير القبلة إلى فلسطين ثم الحجاز استمر نفس الغناء بل وآثر على مناطق فلسطين والحجاز نفسها ولذا لانجد غضاضة فى هذا التشابه الكبير بين نصوص الحج المسيحى والإسلامى من جانب وتشابه ذلك مع نصوص الحج المصرى القديم من جانب أخر

 

 

 ( نص من رحلة التقديس )

 

جنينه وجنه في طريج العدرا جنينه وجنه

 

جنينه وجنه كملتها الملوك للى صام وصلى

 

( نص من أغانى الحج الإسلامية

 

جنينه وجنه في طريج النبى جنينه وجنه)

 

جنينه وجنه كملتها الملوك للى صام وصلى

 

وهذان النصان يشبهان نصوصاً تصف الرحلة إلى أبيدوس والحدائق التى ترعاها الآلهة للمؤمنين بتعليم أوزوريس من بعث وحساب .  والتى يقول نصها " أيها العابرون إلى أبيدوس ستمرون بحدائق ومروج من أجل المؤمنين بالبعث والحساب . وكذلك نجد

 

حج مسيحى (تقديس)

 

على فين يا مقدسة بتوبك القطيفة

 

رايحه أزور المسيح وأعول الضعيفة

 

(حج إسلامى)

 

رايحة فين يا حاجة يأم الشال قطيفة

 

رايحه أزور النبى محمد الكعبة الشريفة

 

(حج مسيحى)

 

إن نويت يا مقدس

 

خد أبيض وشيله

 

عند بحر الشريعة

 

يا محلى غسيله

 

(حج إسلامى)

 

لما نويت يا حاج

 

خد الأبيض وشيله

 

على جبل عرفات

 

يا محلى غسيله

 

حج مسيحى

 

أه يارب ما أموت ولا يدفنونى

 

لما أشوف نور المسيح وأوفى ديونى

 

أه يارب ما أموت ولا يبكوا علىّ

 

لما أشوف نور المسيح وأملس عينىّ

 

(حج اسلامى)

 

 

أه يارب ما أموت ولا أنزل ترابى

 

إلا أما أزور النبى وأبلغ مرادى

 

أه يارب ما أموت ولا أنزل لحوود

 

إلا أما أزور النبى وأبلغ المقصود

 

حج مسيحى

 

دا مالك بشيله

 

يا صاحب الجنيه

 

دا مالك بشيله

 

فى طريق المسيح ضيعه

 

دا يرزقك بغيره

 

حج اسلامى

 

يا شايل الجنيه

 

يا واد يا واد مالك بشيله

 

ما تنفقه ع النبى

 

ويعوض بغيره

 

(حج مسيحى)

 

يا بابور السفر يا أحمر يا دومى

 

شق نور المسيح يا ما قل نومى

 

يا بابور السفر يا أحمر يا عدسى

 

شق نور المسيح ياما قل نعسى

 

(حج اسلامى)

 

وابور السفر

 

يا أحمر يا دومى

 

شب نور محمد

 

وصحانى من نومى

 

يا وابور النبى

 

يا أحمر يا عدسى

 

من يوم ما هويت النبى

 

صحانى من نعسى

 

وهنا كانت السويس مقر تجمع الحجاج من كل بقاع مصر وشمال أفريقيا وفلسطين أن تصنع أغنية حج موحدة لكل المصريين حيث يجتمع الجميع يعرضون فنونهم فيصبح غناء الجميع غناءاً للجميع وثقافة الجميع ثقافة للجميع .

 

·       السويس قاعدة بحرية للعثمانين

 

بجانب الدور الذى لعبته السويس فى البعد الدينى للحج سواء المسيحى والأسلامى والصورة المضيئة آبان الحكم العثمانى وما قبلها واعتناء كل من وفد وحكم مصر وقدر هذا الدور فقد كانت أحداث ضخمة تتلاحق فى السياسة الدولية بعد الغزو العثمانى  لمصر فأضفت على السويس لفترة محدودة أهمية لم تظفر بمثلها من قبل ، فظهر العثمانين لأول مرة فى البحر الأحمر وسرعان ما اتخذوا من السويس قاعدة بحرية لغزو اليمن ، وكانت قوافل الجمال تعمل على قدم وساق وبدون انقطاع تحمل الأخشاب وغيرها من القاهرة إلى السويس لبناء السفن اللازمة وأصبحت ترسانة السويس تعمل بلا انقطاع وبنيت فى السويس 80سفينة كانت عماد الحملة الكبرى التى أرسلت بقيادة سليمان باشا الخادم إلى اليمن 1538م واستلزم ذلك ترميم القلاع والمحافظة على آبار الماء العذب ، بل اندمج العسكر الأتراك مع سكان المدينة وللآن نجد عائلات باسم العسكرى وهم أبناء الجند الأتراك وتحول اللقب إلى اسم كما آثرت نساء الأترك على نساء السويس _واللواتى كان أغلبهن من أصول صعيدية _فى بعض العادات مثل المقعد الحريمى وتدخين الشيشة ، بل كانت الشيشة جزءا من جهاز العروسة وظلت حتى عام 1967م هذه الظاهرة ، حيث كانت تجتمع نساء السويس داخل بيوت بعضهن فى غرفة خاصة كانت تعرف بالمقعد الحريمى يدخنون التمباك ويتبادلون الأحاديث وأحياناً الغناء للأدوار والطقاطيق والموشحات فقد كانت المرأة السويسة مخزن للموروث الشعبى والغناء الكلاسيكى المصرى .

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز