عاجل
الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

كيف تتأثر الصحة العامة بالتغير المناخي؟

كيف تتأثر الصحة العامة بالتغير المناخي؟
كيف تتأثر الصحة العامة بالتغير المناخي؟

تحقيق - علياء أبوشهبة

- منظمة الصحة العالمية تحذر من زيادة أعداد وفيات التغير المناخي



- غرق "عفونة" و"رأس غارب" وضحايا سيول الإسكندرية أبرز الحوادث

- الأطفال وكبار السن من بين الفئات الأكثر تضررا

- الحكومة عبرت أزمة "إنفلونزا الخنازير" بنجاح.. والوعي كلمة السر

- الشاعر محمد بهنس أشهر ضحايا موجة البرد

- الأطفال وكبار السن أشهر ضحايا الإجهاد الحراري 

 

عند الحديث عن الأثر الصحي للتغير المناخي قد يعتقد البعض أن الأمر بعيد عن مصر، ولكن ذلك ليس صحيحا، فقد نالت مصر نصيبها من غضب الطبيعة الناتج عن التغير المناخي في عدة حوادث نذكر منها غرق قرية "عفونة" التابعة لمركز وادي النطرون بمحافظة البحيرة في نوفمبر عام 2015 وأيضا سيول رأس غارب التي ألحقت الضرر البالغ بالمدينة في شهر  أكتوبر عام 2016.

كما يعتبر استقرار البيئة البيولوجية والفسيولوجية ضرورة لصحة الإنسان، إلا أنه كثيرًا ما يتم التعامل مع التغير المناخي على اعتبار أنه تحد منفصل؛ رغم ما ثبت علميا عن تأثيره الشديد على المياه والغذاء والهواء؛ وهذه العناصر في حالة عدم سلامتها أو كفايتها يرتفع خطر الإصابة بالعديد من الأمراض؛ والتي قد يكون بعضها مميتا.

تشير بيانات منظمة الصحة العالمية إلى أن أعداد الوفيات الناجمة عن الآثار السلبية للتغير المناخي على مستوى العالم في تزايد مستمر، سواء حدث ذلك بشكل غير مباشر من خلال أمراض مثل الملاريا والإسهال وسوء التغذية وأمراض الجهاز التنفسي، أو بشكل مباشر بفعل الظروف الجوية القاسية مثل الجفاف وموجات الحرارة المرتفعة والفيضانات، ويأتي الأطفال وكبار السن من بين أكثر الفئات تضررا من تلك الآثار السلبية؛ الأمر الذي يتطلب اتخاذ موقف عالمي قوي لحمايتهم.

المنظمة الدولية لأبحاث المناخ، وهى إحدى المؤسسات البحثية الشريكة للأمم المتحدة، كانت أصدرت تقريرا جاء فيه أن مصر سوف تعانى من موجات حارة متزايدة؛ ينتج عنها تهديد صحة السكان نتيجة تراجع الأوضاع الصحية، وافتقار عدد من السكان لمصادر المياه النظيفة والصرف الصحى الآمن، ما يهدد بانتشار أمراض منها الكوليرا والملاريا، علاوة على وباء التيفود، والذي ينشط فى البيئات الحارة غير النظيفة.

"بكل أسف يعتبر البعض أننا بمعزل عن الأثر الصحي للتغير المناخي، لكن ذلك غير صحيح"، بهذه العبارة استهلت الدكتورة راجيه الجرزاوي، مسؤول ملف الصحة والبيئة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وأضافت: "عند حدوث السيول في رأس غارب بعد انتهاء الفيضانات ظهرت الآثار سواء الاقتصادية أو الصحية بعد الكارثة، نظرا للحاجة للمساعدة لدى الفئات المتضررة؛ بالأخص من الأطفال الذين تعرضوا لحادثة لم يعتدوها من قبل".

وهنا يبرز السؤال ما هو الدور الذي يمكن للمجتمع المدني القيام به حيال مثل هذه الكوارث، لكن السؤال الأهم وفقا لدكتورة راجية الجرزاوي، مسؤول ملف الصحة والبيئة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية هو ما الاستراتيجيات التي تم وضعها للتصدي للتغير المناخي، وطرحت مثالا يتعلق بتصدي المجتمع بصورة عامة للمشاكل وهو العمل لمدة 20 عاما على زيادة الوعي الصحي وتخفيض المخاطر الصحية في المناطق العشوائية، وبالتحديد في زينهم والدويقة؛ وهو ما حقق نجاحا ملحوظا بسبب وجود خريطة نظمت عمل منظمات المجتمع المدني، لافتة إلى ضرورة وجود تخطيط مماثل من أجل تخفيف حدة التغير المناخي.

استطردت الجرزاوي في سرد أبرز المشكلات الصحية في مصر ومدى تأثرها بالتغير المناخي قائلة: لدينا مشكلة سوء التغذية الناتج عن التغير المناخي؛ نتيجة تضرر عملية الزراعة ونقص المياه، بالإضافة إلى تحديات أخرى منها عدم توافر مطابخ صحية علاوة على غياب ثقافة استخدام الأدوات البسية والرخيصة لإعداد عام صحي؛ وهو ما اعتبره دور المجتمع المدني بصورة كبيرة.

غرق رأس غارب

في نهاية شهر أكتوبر من عام 2016 استيقظ سكان مدينة رأس غارب التابعة لمحافظة البحر الأحمر على كارثة إنسانية نتيجة السيول، التي ضربتها، حيث هاجمت المياه الغزيرة منازل الأهالى، فأغرقت 600 منزل وأدت إلى وفاة 10 أفراد، وتشريد المئات وقطع التيار الكهربائي لعدة أيام عن المدينة، وجرفت المياه السيارات وتسببت فى انهيار عدد من أسوار المبانى الحكومية، حيث ارتفع منسوب المياه إلى متر ونصف.

التدخل في أوقات الأزمات

نوهت نهال حفني، مساعد مدير برامج ومشاريع الهلال الأحمر المصري، إلى الجهود من قبل الهلال الأحمر في حالة وقوع الكوارث والأزمات الناتجة عن التغير المناخي؛ إلا أنها تراها مفتقدة لوجود إطار يجمعها، ولفتت الدكتورة نهال حفني إلى خطورة تأثير غياب وجود وسائل لرفع المعرفة أو الوعي، وفيما يتعلق بكارثة السيول في رأس غارب قالت: "أصبح لدينا خبرة عقب هذا الحادث؛ وهو ما ينبغي دراسته والعمل على الخروج بنموذج يمكن تعمميه في حالة وقوع الكوارث المماثلة لكن الأهم بذل الجهود المشتركة وليس بشكل فردي".

ضحايا التغير المناخي

في شهر أغسطس من عام 2015 وصل إجمالي وفيات الموجة الحاره إلى 109 بحسب البيان الصادر عن وزارة الصحة؛ وهو العدد الأكبر الذي نتج عن الموجة الحارة خلال السنوات القليلة الماضية، لدرجة أن الشائعات كانت هي بطل الموقف، ولم يستوعب الكثيرون أن ارتفاع درجات الحرارة هي السبب، وذلك فضلًا عن إصابة 1805 آخرين بالإجهاد الحراري، أغلبهم من كبار السن.

ووفقًا لتقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية فى 2012، فإن مصر تقدمت لتحتل المركز الثالث بعد الهند ونيجيريا فى عدد المصابين سنويًا بحمى التيفود الناتجة عن نشاط بكتيرى، والذى يظهر فى المناطق شديدة الحرارة، والتى يعانى سكانها من تراجع أنظمة الصرف الصحى والإمداد بالمياه النظيفة.

إلا أن الموجة الحارة لم تكن وحدها من حصد الأرواح بل الموجة الباردة أيضا، وفي شهر ديسمبر من عام 2013 حصدت الموجة الباردة ضحايا غالبيتهم من المشردين وأشهرهم محمد بهنس الشاعر السوداني والفنان التشكيلي الذي أثارت وفاته موجة حزن ورثاء على مواقع التواصل الاجتماعي دفعت الكثير من المبادرات لتبني حملات توزيع البطاطين على المشردين وقاطني المناطق العشوائية والقرى الأكثر فقرا.

وفي شهر أكتوبر من عام 2015 توفي 6 أشخاص في مدينة الإسكندرية صعقا بالكهرباء وذلك بسبب موجة الأمطار الشديدة، فضلا عن وقوع الكثير من الإصابات.

الخريطة المرضية للمصريين

وتحدثت الدكتورة راجية الجرزاوي عن الخريطة المرضية  للمصريين، وكيف جعل التغير المناخي وضعها أسوأ؛ قائلة: لدينا أمراض معدية وغير معدية مثل أمراض القلب والأوعية الدموية؛ والتي سوف تسوء عواقبها بسبب ارتفاع الحرارة، وكذلك تلوث الهواء وتركيز الميكروبات والتي ترتفع معها نسبة الوفيات.

وأضافت مسؤول ملف الصحة والبيئة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إن صعوبة الوضع في مصر تتمثل بشكل أساسي في المعاناة من العبء المزدوج المتمثل في كل من الأمراض المعدية وغير المعدية، وقالت:"لدينا أيضا ارتفاع في نسبة الإسهال وسوف يزداد مع التغير المناخي؛ لأنه كلما زادت درجة حرارة الجو ازدادت الرطوبة، وبالتالي يزداد نمو الميكروبات، وكذلك الأميبا.

كما تحدثت الدكتورة راجية الجرزاوي، مسؤول ملف الصحة والبيئة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية عن مشكلة سوء التغذية لدى الأطفال وتأثيرها على زيادة معدلات التقزم بنسبة 30 %، والناتج بشكل أساسي عن سوء التغذية، كما أن لدينا أيضا معاناة بسبب العدوى التي يحملها البعوض، وإن كانت مصر لا تنتشر فيها الملاريا بشكل وبائي، لكنها قد تنتشر بشكل وبائي، وأيضا يوجد عدوى حمى "الضنك" والفلاريا والبلهارسيا؛ والتي أصبح من الصعب التخلص منها لأنها تزداد مع زيادة الحرارة، وهي موجودة أيضا في الصين وتزداد رقعتها أيضا.

ووفقا لمنظمة الصحة العالمية فإنه في قطاع الصحة، يمكن تقسيم الآثار الصحية للتغيرات المناخية إلى آثار مباشرة وأخرى غير مباشرة، وتتضمن الآثار المباشرة انتشار أمراض من قبيل سرطان الجلد وأمراض العيون والجروح وضربات الشمس والأمراض المرتبطة بالحرارة إلى جانب الوفاة، ويمكن أيضا أن تحدث زيادة في الإصابة بالأمراض المعدية مثل السلمونيلا، والكوليرا كنتيجة لارتفاع درجة الحرارة وزيادة الفيضانات، بينما تتضمن الآثار غير المباشرة الآثار السيكولوجية الناجمة عن فقدان الوظائف، وتهجير السكان من المناطق المعرضة للأخطار.

الوعي كلمة السر

في عام 2009 أطلقت منظمة الصحة العالمية إنذارا قويا للتحذير من وباء أنفلونزا الخنازير؛ ما نتج عنه رفع حالة الاستعداد لمواجهة هذا الفيروس عالميا، لتمر الأزمة بإصابة 43 حالة ووفاة 3 حالات؛ والتي تعتبر معدلات غير مرتفعة والسر في الوعي.

وتحدثت الدكتورة الدكتورة نهال حفني، مساعد مدير برامج ومشاريع الهلال الأحمر المصري عن تجربة مكافحة أنفلونزا الخنازير التي حظيت بدرجة مرتفعة من الوعي؛ لأنها كانت حدث عالمي حظي باهتمام كبير، وهو ما يخالف ما يحدث في مناطق متضررة من التغير المناخي، من حيث زيادة أعداد المرضى المصابون بأمراض الجهاز التنفسي العلوي.

وأكدت حفني، أهمية رفع الوعي لتخفيف أثر التغير المناخي مشيرة إلى البرامج التي وضعها الهلال الأحمر لتوعية طلاب المدارس الإعدادية والثانوية بهدف تقليل أثر التلوث ومن ضمن الرسائل على سبيل المثال التأكيد على عدم حرق القمامة في الشوارع والحفاظ على النظافة من خلال على سبيل المثال تغطية أواني الطهي.

ولفتت إلى أن الهلال الأحمر يقدم خدمات الدعم النفسي والاجتماعي عند وقوع الكوارث، ويرحب بالمتطوعين.

ومن جانبه أكد العالم الألماني، الدكتور هانز جيدو ميوكه، الخبير بقسم الصحة البيئية بالهيئة الألمانية للبيئة، ومدير المركز التعاوني لإدارة جودة الهواء ومكافحة التلوث بمنظمة الصحة العالمية، على أهمية رفع مستوى الوعي وهو السبيل الأهم لتخفيف كارثية الأثر الصحي للتغير المناخي، وقال جيدو:" من واقع خبرتي في ألمانيا فيما يتعلق بالأمراض المعدية فإن عمليات المقاومة ينبغي أن تكون مراقبة من الدولة، فضلا عن أهمية التركيز على تطوير التعليم وتوظيفه في القيام بدور التوعية، وليس الاكتفاء بالتحرك في أوقات الكوارث والأزمات فقط، فالتحدي الحقيقي هو بناء الوعي داخل المجتمع.

ولفت "جيدو" إلى معدلات تلوث الهواء المرتفعة في القاهرة؛ وبالتالي كل الأنشطة البشرية تؤثر على البيئة؛ والتي بدورها تؤثر على صحة الانسان، وعند الحديث عن ما يمكن أن نقول عليه معاناة جماعية وهو الانبعاثات الخاصة بالملوثات، والتي تلوث الطبقات العليا من الغلاف الجوي، وتزيد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون؛ بالتالي يكون لها تأثير مباشر على صحة الانسان.

وتحدث أيضا، مدير المركز التعاوني لإدارة جودة الهواء ومكافحة التلوث بمنظمة الصحة العالمية، عن التدابير التي أعلنت عنها منظمة الصحة العالمية للتصدي لمشكلة تلوث الهواء، والتي من الضرورة الوعي بها والأخذ بها، مضيفا إن توصيات قمة باريس للتغير المناخي لم يعد تنفيذها رفاهية أو اختيار ولكنها أهداف ملزمة خصوصا للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

وأشار إلى تجربة ألمانيا خلال الـ 30 عاما الماضية في ألمانيا الغربية، حيث مناجم الفحم؛ وما تسببه من مستويات مرتفعة من التلوث، وقال:"لسنا الأفضل لأنه لا يزال أمامنا تحديات كثيرة، وبالنسبة لمصر يمكن التوصل وضع وتنفيذ سياسات عامة يمكن انتهاجها من أجل التخفيف من التلوث والآثار الناتجة عنه بالتعاون أو المشاركة مع منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص".

كما تحدث هانز جيدو عن ضرورة الاستفادة بطاقة الشمس والساطعة طوال العام وهي ميزة كبيرة، ولفت إلى وجود تعاون ألماني - مصري في مجال استخدام الطاقة المتجددة. 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز