عاجل
السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

عهد التميمي.. عابرة إلى الحرية

عهد التميمي.. عابرة إلى الحرية
عهد التميمي.. عابرة إلى الحرية

كتب - مصطفى سيف

"عيونكِ شوكةٌ في القلبِ توجعني وأعبدها" .



هكذا عبَّر الشاعر الفلسطيني الراحل، محمود درويش عن حبّه لفلسطين المحتلة، وهكذا ظهرتْ "عهد"، أشهر طفلة فلسطينية حاليًّا في سجون الاحتلال الإسرائيلي بعد صفعها لجندي على سطح منزلها.

كالنارِ في الهشيم انتشر مقطع فيديو لطفلة في ربيع عمرها (16 عامًا) وهي تصفع جندي إسرائيلي على وجهه عدة مرات أمام منزلها في قرية النبي صالح في الضفة الغربية المحتلة في 15 ديسمبر الماضي.

 

 

تمثِّل عهد التميمي فلسطين الأبية على الخضوع، فالدرس الذي أعطته لجندي الاحتلال هو نفس درس محمود درويش في قصيدته الشهيرة "عابرون في كلام عابر" والتي قال فيها: 

"أيها المارون بين الكلمات العابرة.

 منكم السيف - ومنا دمنا.. 

منكم الفولاذ والنار- ومنا لحمنا..

 منكم دبابة أخرى- ومنا حجر.. 

منكم قنبلة الغاز - ومنا المطر.. 

وعلينا ما عليكم من سماء وهواء.. 

فخذوا حصتكم من دمنا وانصرفوا".

 

 

 فلسطين أنثى عنيدة، أبت أن تنصاع للعابرون في الكلام العابر، وقررت أن تنتقم لنفسها ووطنها المحتل، فصفعت ذلك الجندي الذي يحمل كل العتاد الذي يستطيع من خلاله أن ينهي حياتها للتو؛ إلا أنَّه "أجبن" من أن يفعل ذلك.

"يالا يالا من هنا يالا إطلع".

بهذه الكلمات نطقت "عهد" لجنديي الإحتلال الموجودين  أمام منزل عائلتها، لم تستطع أن تراهما بعد أن شاهدت مقطع فيديو لابن عمها البالغ من العمر 15 عامًا، وهم يطلقون الرصاص المطاطي عليه وتسببوا بإصابته في الرأس.

لم تكن تلك المرة الأولى التي تنتفض فيها "عهد" لوطنها ، أو ربما لما رأته من قهرٍ وظلمٍ طال ليس فقط الفتيات من عمرها، ولكن الشباب الفلسطيني الأعزل، فعلى موقع اليوتيوب منتشر لها مقطع منذ 2015 وهي "تعُّض" يد جندي محتل، حاول التعدي على أحد أفراد أسرتها.

 

 

"يا معصب يا حمش يا قوي يالا".

 بصوت مدلل لفتاة مراهقة قالتها "عهد" ساخرة من ذلك الجندي الذي كان يحمل كل هذا العتاد ولم يستطع أن يفعل شيئًا به ضدها ليثأر لنفسه، وتحاول استفزازه إلا أنَّه- كما نقول- "يضع أعصابه في ثلاجة".وفي لحظة رأينا "عهد" ذلك الصوت الجهوري الذي خرج من نفس الفتاة التي تدللت في المرة الأولى، "متمسكنيش، متمسكنيش" ثم صفعة على الخد الأيمن للجندي أمالت رأسه يسارًا قليلًا، وفي ذاتِ الوقت تحاول الأم تهدئة ابنتها وإبعاد المحتلين عن بيتها.

 

 

 

"عهد" تمثل فلسطين في بدايات أزمة الصراع التي حاولت في 1948 إخراج الكيان الصهيوني من بلدها المحتل، إلا أنَّ محاولاتها باءت بالفشل، فاستدعت أمها وربما تمثل الأم هنا مصر، ثم جاءت بابنتها الدول العربية التي شاركت في الحرب.

أمَّا الجنديان الإسرائيليان يمثلان أمريكا والكيان الصهيوني، اللذان يدافعان عن بعضهما البعض، حتى انتصرا في نهاية الأمر، على الرغم من أنَّ البيت كله خرج للدفاع عن "عهد" إلا أنَّها في النهاية سُجنت، وباتت تبحث عن مخرج لها مما يحدث.

الأب يأتي في المحاكمة الرابعة للقاصرة التي تُحاكم سرًا، والتي كشفت عورات الاحتلال ليؤكد للإبنة على أنّ تبقى "قوية" بصوت قوي يهز أركان المحكمة "خليكي قوية عهد"، هكذا نطق بها؛ والأب هنا يمثل الجيل الذي لطالما رأى أن الحلم سيصبح حقيقة ويزول الاحتلال وتنتصر الابنة في النهاية.

 

 

"عهد" في 2012 بلغت الحادية عشرة من عمرها؛ إلا أنّه بمجرد رؤية الفيديوهات الخاصة بها في هذا العام والمُوثّقة على موقع "يوتيوب" تجد أنَّها امرأة في عنفوان عمرها، "وين ودتوه" بصوت يبدو أكثر جهاشة من صوتٍ رجل قد بلغ الحُلم لتوّه.

وهي تقول "وين ودتوه" تقف أمام جندي مُحتّل تضم يدها في شكل قبضة وكأنها تريد أن "تهز ثبات الجندي بذلك السلاح الذي يظن أنَّه سيحميه من طفلةٍ"، ثم تواصل تهديدها للجندي الذي يعرف مكان احتجاز أخيها ولا يقول لها: "ما بتعرف إني فلسطينية وما بخاف".

 

 

"لو صادَفَ الجَّمعُ الجيشَ .

. يقصدُهُ فإِنّهُ نَحوَ الجّيشِ يندفعُ

 فيرجع الجُّندُ خطوَتَينِ فَقَط.

. ولكِنْ القَصْدُ أنّهُم رَجعوا"

كما قال الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي، أظّن- وبعض الظن حلال -  أن "عهد" تمثل هذا الجمع الذي ينطلق نحو الجنود ولا يخشى تلك الأسلحة، حتى أنَّ بعض الجنود حين تضربهم فيرجعون للخلف خُطوتين تصبح وكأنها استعادت أرضها لثوانٍ حتى كما قال "البرغوثي": 

"أرضٌ أُعيدت ولو لثانيةٍ

 والقوم عزلٌ والجيش مُتْدرعُ".

 

 

 

وجه "عهد" أصبح معروفًا في كل مكان، وكل شارع، وانتشرت "رسوم الجرافيتي" لشخصها، إضافة إلى حمل صورها في المظاهرات، حتى أنَّ عريضة كتبها والدها على الانترنت تطالب إطلاق سراح ابنته جمّعت مليون و700 ألف توقيع.

ليست "عهد" الواقعة الأولى من وقائع المحتل الأعمى التي يمارسها ضد الأطفال القُصّر وتوجيه التهم لها، و لن تكون  الأخيرة، ستظل تنجب فلسطين "أبطالًا" يدفعون بها للأمام، ويؤكدون على صمود أرض شجر الزيتون أمام محتّل لا يعرف شيئًا سوى الخوف.

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز