عاجل
الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

د. أحمد الديب يكتب : عندما تُعشَق الشوكولاتة!

د. أحمد الديب يكتب : عندما تُعشَق الشوكولاتة!
د. أحمد الديب يكتب : عندما تُعشَق الشوكولاتة!

انسابت الشمس من الشرق إلى الغرب.. تلتمس هجعتها خلف التلال.. وقد استودعت القمر أسرار النور.. وأضجعت في سلام على حنايا مخدع أنيق بألوان قوس قزح... استوي سابحًا في فضاءات الكون اللامنظور.



 وفي الطريق إلى الليل... غمرتنا موجات سكون حملتها ريح الشمال الباردة، تتهادي في خجل العذاري.. تتبدد غمامات الكآبة من سماوات دواخلنا حتى اتحدت قلوبنا بقلب الليل الهاجع النابض في سكينة.. صرنا لا ندري أيهما نفح الآخر بنفحة السكون العجيبة.

 ارتشفنا النسيم كؤوس عطر وداعبت شغاف قلوبنا أنامله البيضاء الحانية.. أطرقنا ننصت إلى رسائله التي نفثها نغمًا في نايات ثقبها الحزن منذ الأزل.

وبينما أنت تراقب السماء طربًا بحالك.. سابحًا في مدرارات خيالك.. وإذا بأحدهم يقترب منك مخرجًا من جيبه قطعة كبيرة من الشوكولاتة التي تعشق.. لم تتردد لحظة في التقاطها.. فليسقط الدايت إذا حضر الهوي..

أن تتجاوز الأربعين ببضعة أعوام.. لا مشكلة.. إنها الأيام تمضي.. تتسرب كما يتسرب الماء من بين الأصابع المفتوحة..

هون عليك....الأربعون....إنها مرحلة النضج..استواء الثمرة على سوقها....إنها حقبة الاصطفاء..لا بأس..أهلًا بالأربعين "رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي".

ولكن..مهلًا..!!..ألا تنظر في المرآة ؟..لا لا..لا أقصد خصلات الشيب في مفرقك.. لقد تجاوز وزنك المئة كيلوجرام..ألا تري كم صرت بدينًا...

حري بك أن تبدأ في الحرق...هذه الدهون كالذنوب..كل شيء يجاوز حاجتك هو عبء عليك..متعة البدايات تتحول إلى مشقة في النهايات...

عند الطبيب اختصاصي التغذية...هذه هي قائمة طعامك الجديدة تخلو من أي نوع من أنواع الحلويات...وقطعًا لا تحتوي على الشوكولاتة...!

يبدو أن كل قطعة جالاكسي ذابت على لسانك ستفقد متعتها على التريدميل غارقًا في عرقك....!!

سيتعين عليك أن تفارق معشوقتك بأمر الطبيب لا بأمر العشق ..

لا مفر من أن تخالف هواك قبل أن يتلف الهوي قلبك...

كم هي قاسية تعاليم الطبيب..أني له أن يحرمنا مما نهوي ونعشق ونحب.. وما لنا نستجيب هكذا بلا إرادة ولا نقوي على الاعتراض والتمرد..!!

بين يدي شيخه.. جلس التلميذ منصتًا وهو يقول.... "قد يوحي إليك الله فعل خير.. كأن تزور أحد أرحامك المقطوعة.. لعلك لا تذكر أسباب القطيعة.. ربما لا تتذكر الطريق إلى منزله.. فإذا هممت بأن تفعل....زارك خاطر جديد بأن تمكث للصلاة متبتلًا.. إنها صلاة الزلفي.. أحب الأعمال إلى الله.. تتوضأ وتشرع في الصلاة.. لقد كانت خاشعة حقًا فنعم الصلاة.. لكن تذكر أن الصلاة وافقت هواك.. بينما شقت الزيارة عليك.. لقد اخترت أحبهما إلى قلبك وأقربهما إلى نفسك.. نفسك المدللة.. مطلوبها.. بينما كان مطلوب ربك في صلة رحمك".....ثم أردف الشيخ قائلًا" إذا ألهمت خاطرتين وكلاهما في الخير....فافعل أشقهمها على نفسك.. وخالف هواك.. فمخالفة الهوي أجدي إن كان مطلوبك تزكية نفسك..."

سكت الشيخ لبرهة ثم قال: " يا بني.. لقد آن الأوان أن تدرك..أن حقيقة التعبد..هو إبعاد النفس عن هواها....ولتعلم أن أنفع العبادات وأفضلها هي أشقها وأصعبها على النفس...وأعظم العبادة عندي ما كان فيها نفع لعباد الله.. فإذا ألهمك الله فعل الخيرات لهم.. كان عليك أن تسارع فيها.. وأجرك على قدر مشقتك" .

وهنا نظر الشيخ في عيني تلميذه قائلًا: "أري عينيك تنضح بالأسئلة...فهات ما عندك"

قال التلميذ.. "يا شيخي.. أكون مع الله في خلوتي...يرق قلبي ويذوب فؤادي وتهيم روحي ولا أبتغي لغير ذلك سبيلًا، وإن حضرت الدنيا بأسرها.. وأظل على هذه الحال مناجيًا ربي.. استشعر قربه..  تحفني الملائكة بأجنحة من نور.. أعلق بالأجنحة وأحلق بصحبتهم إلى رحاب الأنوار ومكامن الأسرار....وددت لو دامت النشوة ما حييت....ثم يؤذن المؤذن للصلاة..فلا أعرف أيهما أجدر بي..أن ألبي نداء المؤذن..أم امكث في خلوتي وقربي ونشوة روحي وشفاء قلبي؟"

تهلل وجه الشيخ مبتسمًا، وربت على كتف تلميذه وقال: " ما أجمل خلوات القلب وما أحبها إلى النفس والروح والقلب..يا بني..إن خلواتك حظ نفسك.. أما أن تجيب داعي الله فهو حق ربك.....ومن آثر حظ نفسه على حق ربه فهيهات أن يكون من أهل "إياك نعبد"...!!

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز