عاجل
الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

أحمد المرشد يكتب: وهكذا يعيش العرب "بين حانا ومانا ضاعت لحانا"

أحمد المرشد يكتب: وهكذا يعيش العرب "بين حانا ومانا ضاعت لحانا"
أحمد المرشد يكتب: وهكذا يعيش العرب "بين حانا ومانا ضاعت لحانا"

خلال الشهر الماضي وبناء على رغبة القراء، وحبهم في التغيير من السياسة إلى مقالات تدخل البهجة والمعلومة إلى نفوسهم ومزاجهم وتغييره من حالة السياسة إلى الاستراحة، كتبت عدة مقالات غير سياسية إلا أن مجريات الأحداث السياسية تفرض نفسها أحيانًا إذ تابعنا خلال الفترة الماضية أحداثا جساما مرت على عالمنا العربي وتمر عليه كل يوم، بدءا من سلطنة عمان بمضيق هرمز وما قامت به إيران حسب ما ورد من تأكيدات بضرب ناقلات تحمل النفط السعودي. ثم يخرج علينا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باستفزازاته المتكررة حيث لم نر منه سوى جعجعة كبري وصوتا مدويا، ولكننا لا نري طحنا.  ووسط هذه الغيوم، تطل علينا هذه المرة الدويلة قطر التي تواصل محاولاتها البائسة إلى تفتيت الوحدة الخليجية بتعنتها ورسم سياسة مغايرة لتوجهات دول المنطقة وما شاهدناه مؤخرا ببث سموم وادعاءات ضد مملكة البحرين مما اضطر المنامة إلى إصدار بيان من مجلسي الشورى والنواب يؤكد رفضهما لهذه الانتهاكات. تساءلنا من قبل وسنظل نتساءل: إلى متي ستبقي دويلة قطر مصدرا لبث سمومها وادعاءاتها من قبل من يسير حكومتها من الإخوان أو من قبل أعداء الأمة العربية قاطبة؟ والي متي ستظل الدوحة رهينة لعقل وتوجهات غيرها؟  وتحملنا الأحداث إلى ما يجري في العراق وانتهاك واحتلال سفارة مملكة البحرين بمساندة قوي إيرانية، إلى أحداث سوريا القديمة الحديثة التي يبدو أنها لن تصل إلى حلول في القريب العاجل.



واستمرارا لحالنا المائل، ننتقل إلى المغرب العربي الذي يشهد توترا بتونس والجزائر وليبيا، ولكن قبلهما نعرج على السودان قليلا ونحمد الله أن المجلس العسكري توصل مع قوي التغيير والعدالة إلى اتفاق أخيرا بتقاسم السلطة خلال فترة انتقالية، لتنتهي فترة شكوك طويلة بين الطرفين وليعود الاستقرار إلى السودان على الأقل في الوقت الراهن بعد أن تملكنا اليقين بأن هذا البلد الشقيق ذاهب إلى ما لا تحمد عقباه. ونتمنى أن يلتزم الطرفان – قوي الشعب والجيش – بما تعهدا به والخروج بالسودان من عنق الزجاجة ليبدأ مرحلة جديدة من العيش بسلام وأمان افتقدها على مدي الثلاثين عاما الماضية.

ونبدأ بليبيا وتدخل الأتراك هناك وما صدر من الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر ضد الانتهاكات التركية للأراضي الليبية، فتركيا لن تستكين أو تهدأ إلا بتنفيذ مقررات "الإخوان المسلمين" بالتوغل في عالمنا العربي، وتعد ليبيا حاليا أبلغ نموذج على الغرور والصلف التركيين، فلا أحد ينكر حق الشعب الليبي في التوجه إلى مجلس الأمن الدولي والتوجه بمذكرة شديدة اللهجة ضد التوغل العسكري التركي في أراضيهم. المثير في الأمر أن النظام التركي تمادي في غيه ورأيناه يهدد بالانتقام من الجيش الليبي عقابا على إسقاطه طائرة عسكرية تركية بدون طيار، وزعم جاويش أوغلو وزير خارجية تركيا أن حفتر يعادي بلاده لأن أنقرة تدعم الطرف المحق في الصراع الدائر في ليبيا. ونصل لقمة التعنت التركي عندما يحذر أوغلو الجيش الليبي من مغبة اختطاف مواطنين أتراك مرة أخرى! أما وزير الدفاع التركي خلوصي آكار فيحذر هو الأخر بأن أنقرة ستنتقم من أي هجوم واقع على مصالحها من جانب قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، وأن الثمن  سيكون باهظا للغاية ضد أي عمل عدائي من طرف الجيش الليبي  "سننتقم بأكثر الطرق فعالية وقوة".

ويواصل المسؤولون الأتراك كلامهم الممل زاعمين أن جهود تركيا في ليبيا تسعى إلى المساهمة في السلام والاستقرار في المنطقة.

المثير للدهشة أن الجانب التركي لم يستح فعلا مطبقا المثل العربي "إن لم تستح فافعل ما شئت"، وبحسبة سياسية بسيطة نقول إن لتركيا مصالح اقتصادية جمة تجعلها تتورط في الحرب الأهلية الدائرة في ليبيا إذ تعتبر مسألة نجاحها هناك  حرب حياة أو موت لها، فهي تحافظ علي مصالحها الاقتصادية التي اكتسبتها منذ عهد العقيد معمر القذافي حينما تمتعت الشركات التركية بأفضلية خلال فترة حكمه ولكن مع اشتعال الحرب الأهلية تراجعت المكاسب بعد أن خسرت ليبيا أهميتها الاقتصادية، ولكن كل هذا لا يجعلنا ننسي أن ليبيا وتركيا بلدان متوسطان، وأن أنقرة بدأت مواخرا عمليات تنقيب ضخمة عن الغاز والنفط في المنطقة الشرقية من البحر المتوسط. وبالجانب الاقتصادي، لا تزال تركيا تقف بجوار "الإخوان المسلمين" أينما كانوا، وهم قطعا ينتشرون في ليبيا وينالون دعما تركيا كبيرا إذ تقدم لهم أسلحة بالمخالفة لقرار مجلس الأمن، وهو ما جعل الليبيين يتقدمون بشكوى رسمية لمجلس الأمن ضد التصرفات التركية، التي تقدم أسلحة مختلفة للميليشيات المتحاربة هناك.

 وطبيعي أن يقود الدعم التركي المالي واللوجستي والتسليحي لبعض الأطراف إلى إطالة أمد الحرب الأهلية والإخلال بتوازن القوي بين الأطراف المتنازعة في ليبيا، فلولا هذا الوجود التركي لما استمرت الميليشيات المسلحة حتى الآن ولكان في استطاعة الجيش بقيادة خليفة حفتر بسط سيطرته في فترة وجيزة.

 ولكن تركيا تريد استمرار ليبيا مقسمة بين أكثر من قوة على الأرض حتي تستميل القوة الأكثر هيمنة وتأخذ منها كل ما تستطيع من نفط ومكتسبات اقتصادية، وبالتالي فإن استمرار الدعم التركي لحكومة طرابلس سيزيد من حالة الاحتقان بين العاصمة وبقية الولايات.

ولازلنا في منطقة المغرب العربي وتحملنا الأحداث إلى تونس الخضراء والأزمة الصحية التي ألمت بالرئيس قائد السبسي وأحداث الشغب الأخيرة، إلا أن الشعب التونسي الواعي بمجريات الأمور وما تفعله الغربان في بلادهم استطاع بحكمته السيطرة على هذه الأحداث، وكلنا يعلم حالة التسيب التي أعقبت نبأ مرض الرئيس التونسي ونقله للمستشفى إثر تعرضه لوعكة، زاعمين وقوع تونس في حالة فراغ دستوري. وقد استغل دعاة الفتنة – وهم ينتشرون في كل بلد عربي بالمناسبة – مسألة تأجيل انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية التي تقرر شغور منصب رئيس الجمهورية والزعم بأن هذا سيقود البلاد إلى كارثة، في حين تناسي هؤلاء أن "الهيئة المؤقتة لمراقبة دستورية القوانين قد حلت محل المحكمة الدستورية. كما أن الدستور التونسي ينظم عملية تبادل السلطة حال فراغ منصب الرئيس، إذ يحل محله رئيس البرلمان، كما يمكن تكليف رئيس الحكومة كذلك بمهام رئيس الدولة في حالتين.

 

ومن تونس إلى الجزائر التي رفض شعبها سياسة حكامها السابقين وتولي رموز السلطة القديمة القيادة، لتستمر النتيجة "صفرا" حتي وقتنا الراهن إذ تستمر الأزمة مفتوحة وكذلك حالة الحراك المستمر بين قوي الشعب من جهة والجيش من جهة أخري رغم أن القوتين اشتركتا معا ونجحا في إزاحة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وإرغامه علي الانسحاب من السباق الرئاسي،  ولهذا نقول إن الحالة ضبابية حتي الآن والجهل بالمستقبل هو سيد الموقف، فالنتائج السياسية لا تزال بعيدة المنال مع رغبة الشعب في التخلص من كل الوجوه القديمة، خاصة أن الجيش هو الجهة الأقوى، ولذا فهو من يدير اللعبة ولكن يكتب للطرفين – الشعب والجيش – رغبتهما الصادقة  في التطلع إلى مستقبل من خلال فتح صفحة جديدة، ولهذا دخل الجيش في معركة صعبة وصفها الجزائريون بأنها "معركة تكسير العظام بين أجهزة المخابرات".

 

ونتمنى أن تنجح مبادرة الرئيس الجزائري المؤقت عبد القادر بن صالح للخروج من مأزق الفراغ الدستوري الحالي الذي تعيش فيه الجزائر من خلال حوار تقوده شخصيات وطنية مستقلة تحظى بالشرعية وبمشاركة المؤسسة العسكرية. ويكمن التحدي في عدم التوافق التام بين كل أطياف قوى المعارضة على بلورة مطالب شعبية موحدة ومتطابقة تلتقي بها مع السلطة على طاولة الحوار للخروج بحل يرضى كافة الأطراف الجزائرية.

 

أحداث جسام تمر على الأمة العربية التي اعتقد أنها لم تمر بكل هذه المجريات خلال فترة واحدة، والسبب هو فرقتنا وعدم جديتنا في اتخاذ القرار، مؤتمرات وقمم تعقد هنا وهناك ويتم التأكيد فيها على الوحدة العربية ولكننا كشعوب نتساءل: أين هذه الوحدة ولماذا هذا التشرذم الذي يكاد يقسمنا إلى كانتونات كثيرة ويسهل من بعدها احتلالنا، رغم كلمة احتلال – هذه – قديمة لأننا محتلون من قبل السياسات الأمريكية والأوروبية وغيرهما. فالعرب يعيشون حالة من الابتزاز، فسبق أن ابتزهم سياسيا المدعو باراك أوباما وزعم أنه يناصر قضايا العرب في حين سلم رقابهم إلى إيران، وها نحن نري ابتزازا من نوع آخر، ابتزاز تجاري من رجل لا يعرف قيمة سوي للمادة، رئيس يبتز العرب بالترهيب والتخويف، فيبتزهم ماليا واقتصاديا من خلال ترويعهم بإيران، هذا هو الابتزاز بعينه، فهل قدر لنا نحن العرب أن نعيش هكذا، كل من يأتي على عرش الولايات المتحدة يبتزنا؟ هل لأنها هي الدولة العظمي، فقد جاء بوش الأب والابن وقبلهم كثيرون من الرؤساء وبعدهم، كل هؤلاء الرؤساء أتوا إلى الحكم وابتزوا العرب ابتزازا كبيرا.. لا أعرف هل نحن لازلنا مغيبين؟ أم أصبحنا كالمثل الشعبي "بين حانا ومانا ضاعت لحانا".

كاتب ومحلل سياسي بحريني

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز