

بقلم
سهام ذهنى
مانديلا: السجن طريق للحرية
12:00 ص - الثلاثاء 10 ديسمبر 2013
بقلم : سهام ذهنى
من السجن إلى الرئاسة هذا هو العنوان الرئيسى لحياة «نيلسون مانديلا»، حيث الزنزانة مصنع الرجال، وحيث القضبان حافز على التمسك بالحق، وحيث القيود لا تقيد من يتمتع بحرية الإرادة.
من هنا فإن السيرة الذاتية لنيلسون مانديلا التى صدرت منذ سنوات وقامت بترجمتها «د. فاطمة نصر»، وتم نشرها ضمن مكتبة الأسرة تحت اسم «مسيرة طويلة نحو الحرية»، هى سيرة تبلور هذا المعنى وترسخ ما التزم مانديلا به طوال رحلته، وهو أنه منذ البداية لم يوجه العداء لأشخاص، وإنما كان عداؤه للنظام، نظام الفصل العنصرى.
فالمشكلة التى تواجه الثورات هى إسقاط النظام، وليس التخلص من وجوه قبيحة، يتكفل النظام - إذا لم يسقط - بإنتاج وجوه أخرى أشد منها قبحا.
من أجمل ملاحظاته التى سجلها عبر سيرته الذاتية هو ما كتبه مانديلا حول الشجاعة والخوف قائلا: «لقد تعلمت أن الشجاعة ليست هى انعدام الخوف، لكن الانتصار عليه». وعن كيفية محافظة السجين على معنوياته كتب: «التحدى الذى يقابله السجين السياسى هو المحافظة على ذاته فى السجن، وأن يحتفظ بل يزيد من عقائده. وأول مهمة لتحقيق ذلك هى أن يتعلم أن هدف العدو هو هزيمة معنويات الإنسان».
كما تحدث عن تجديد الأمل حيث حكى: «فى أحلك أوقات السجن حينما كنت ورفاقى نساق إلى حافة القدرة على الاحتمال، كنت أرى وميضا من الإنسانية فى أحد الحراس، ربما لمدة ثانية، لكن كان ذلك الوميض يطمئننى».
أما عند الوصول إلى الحرية فقد قال: «أن تكون حرا لا يعنى فقط أن تلقى بقيدك، لكن أيضا أن تعيش بطريقة تحترم وتُعلى من حريات الآخرين».
وعلى الرغم من الإنجاز العظيم الذى تحقق فى جنوب أفريقيا فإن نيلسون مانديلا قد كتب قرب نهاية الكتاب، هذه الجملة الرائعة: «اكتشفت السر، أنه بعد أن يكمل الإنسان تسلق تل يكتشف أن هناك تلالا أخرى كثيرة عليه تسلقها. لأن مع الحرية تأتى مسئوليات».. وإذا كانت هذه الجمل القصيرة هى درر فتشت عنها وانتقيتها من بين سطور الكتاب، إلا أن ما كتبه عن مصر هو جانب آخر من المهم أن أنقل بعضه من بين صفحات سيرته الذاتية، فقد تحدث عن مصر وانبهاره بها حين زارها عندما كان مطاردا فى الستينيات. ثم عاد وتحدث عن مصر مرة أخرى حين زارها من جديد بعد خروجه من السجن وتتويجه رمزا للتحرر رغم السجون.
الحكاية مضحكة ومثيرة فى الوقت نفسه للأسى لنا كمصريين. فهذا هو نص ما كتبه عن تلك الزيارة له فى عهد «مبارك»: فى القاهرة، وفى اليوم التالى للقاء مع رئيس الجمهورية حسنى مبارك، كان من المقرر أن أخطب فى حشد كبير بقاعة محلية. ولما وصلت بدت الجموع تفيض من القاعة، ولم تكن هناك احتياطات أمنية كافية، فذكرت لرجل الشرطة أنه يجب دعم القوة، ولكنه هز كتفيه. وانتظرت و«وينى» (زوجته) فى غرفة خلف المبنى، وفى الساعة المحددة أشار لى رجل الشرطة أن أدخل، وطلبت منه أن يرافق بقية الوفد أولا خوفا من حدوث جلبة بعد دخولى ولا يتمكنون هم من اللحاق بى. لكن رجل الشرطة حثنى على الدخول أولا، وفعلا، وبمجرد دخولى القاعة تزاحمت الجماهير مندفعة إلى الأمام وتغلبت على كردون الشرطة، وفى حماسهم دفعوا بى، اهتز توازنى وفقدت فردة حذائى فى تلك الفوضى. وعندما بدأت الأمور تهدأ بعد عدة دقائق، لم أعثر على حذائى ولا على زوجتى. إنما بعد حوالى نصف الساعة أحضروا «وينى» معى على المسرح، وكانت غاضبة لما حدث.. ولم أستطع مخاطبة الجمهور لأنهم ظلوا يهتفون: «مانديلا، مانديلا» بصخب لدرجة لم يستطع معها أحد سماع صوتى، وغادرت المكان فى النهاية، بدون حذائى»!
تابع بوابة روزا اليوسف علي