

عصام ستاتى
الأم عنوان الأدب الراقى
بقلم : عصام ستاتى
الأم أيقونة الحب والحنان والتضحية والسمو والعطاء فى أى مكان وفى كل زمان ، وفى الحضارات الزراعية القديمة وعلى رأسها الحضارة المصرية القديمة ، كان للأم مكانة عظمى ومشاركة تامة فى كل مناحى الحياة سواء على مستوى العقائد فإيزيس هى " موت نتر " الأم المقدسة أو على مسنوى الفداء والبطولة فنرى " تى شيرى " أم سقنن راع وجدة كاموس وأحمس ودورها الحماسى فى طرد أعداء الوطن .
كما أن القصص الدينى فصص يعطينا أهمية كبيرة فى فضل الأم ويكفى أن نشير إلى هاجر المصرية أم سيدنا إسماعيل وما تحملته من جوع وعطش وغربة فى سبيل تنفيذ أمر إلهى ومن أجل بقاء ابنها على قيد الحياة ، فغريزة الأمومة قديمة أزالية وجدت مع بداية الخليقة .
ولذا تغنى بها الشعراء ونظمها الرواة وجسدتها فرشاة الفنان وأزميل النحات وعزفت لحناً شجى النغمات ، ومن روائع الأدب العالمى التى تناولت الأم رواية مكسيم جوركى " الأم " ورواية " الأم " للكاتبة العالمية " بيرل بك " التى نالت عليها جائزة نوبل عام 1938م ومسرحية الأم للكاتب كارل تشابك وغيرها من القصص التى تدور حول الأم .
وإذا تكلمنا عن الأم " لبيرل بك " أهم ما يميزها أنها قصة تحدث فى أى مكان وأى زمان فهى تحليل للنفس البشرية ولذا تختار الكاتبة قرية بدون اسم حتى يستطيع أى قارئ فى العالم تخيل المكان كما يحب ولم تختار للأم اسم بل هى ( الأم ) أى أم كما جعلت كل الشخصيات بالرموز ونعيش مع شخصيات القصة الابن الأكبر والابن الأصغر والابنة والعجوز وأم الزوج والعم وزوجة الوكيل وبعض أهالى القرية .
والأم فى هذه القصة تقوم بكل الأعمال تقريباً وتشبه فى ذلك ملاين الأمهات فى العالم ، فهى تساعد زوجها فى الحقل وتطهو الطعام وتنجب الأطفال بالإضافة للحديث اليومى مع حماتها زوجة الأب وهذه الحياة النمطية تجعل الأيام متشابهة تماماً رغم حيوية الفعل اليومى فهى تصحو من الشروق والكل نيام تطلق الدجاج والجاموس والبقر وتنظف الحظائر وتصنع أكوام الروث ، ثم تقوم بخدمة الأسرة وتبدأ بالكبار أم الزوج والزوج ثم تقوم بغسل عين ابنتها التى لا يبالى زوجها بشراء دواء عيون لشفائها .
وتظل هذه الأسرة الصغيرة تكد وتكدح قبل باقى الأسر الموجودة فى هذه القرية ، ولكن يحدث تغير مفاجئ ، ذات يوم حيث أن الأب لا يحتمل هذه الحياة فيرتدى أفخم ثيابه ويسرق كل القطع الفضية التى كانت الأم تخبئها للأيام والظروف الصعبة ويترك القرية ولا يعود لها ثانية وبهذا الحدث تتحول الأم من الحياة النمطية إلى حياة كلها صراع نفسى تواجه السؤال المرير عن غياب الزوج الغير مبرر وتضطر للكذب وتدافع عن من تركها تتحمل المسئولية وحدها بل اضطرت ان تذهب لكاتب رسائل يكتب لها رسالة على لسان زوجها وأنه يعمل عمل متواصل من أجلهم وهذه الرسالة الوهمية عالجت أسئلة مريرة .
وإن واجهت مشاكل أخرى كثيرة على مستوى غريزتها كامرأة فى عز شبابها وأيضاً على مستوى أسرتها فقد فقدت ابنتها عينها واتهم ابنها بتهمة الشيوعية وتتطور الأحداث وتموت الابنة ويعدم الابن وزوجة ابنها الأكبر لم تلد وتمر أحداث تعيسة جداً حتى يأتى خبر مفرح وهو إنجاب ابنها الأكبر طفل وتجرى تشاهد هذا الميلاد السعيد . وهذا العمل من أعمال كثيرة جعلت من أنجح الأعمال الأدبية والفنية التى تناولت الأم ،
والواقع المصرى ملئ بقصص ملاين الأمهات البطولية وقصص الكفاح والتضحية التى لم تتناولها الأقلام حتى الأن لنحظى برائعة أدبية على غرار رائعة بيرل بك او رائعة مكسيم جوركى وإن كان القصص الشعبى المصرى حريصاً أكثر من الأدب المثقف فى عمل روائع للأم سواء على مستوى القصص الاجتماعى أو استلهام القصص الدينى وكان من هذه الروائع تلك القصة التى جمعتها ونشرت ضمن كتابى مقدمة فى الفولكلور القبطى للراوى مكرم المنياوى بعنوان " أم المسيح "
وخلاصة القول أن لدينا قماشة كبيرة لموضوع الأم نستطيع أن ننسج داخلها نموذجاً أدبياً وفنياً رأئعاً وحميمياً
فتحية إلى أمهات شهدائنا والأمهات المكافحات فى أرض وطننا ألف سلام وتحية وتقدير .