

عبدالجواد أبوكب
دفاعا عن ماسبيرو
بقلم : عبدالجواد أبوكب
في لحظة فارقة من عمر الوطن ونحن نتحدث عن نقلة نوعية في الاقتصاد والتعليم ووضع مصر علي الخريطة الدولية، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد عهد الاخوان الأسود في الحكم، كان من الطبيعي جدا أن نتحدث عن إصلاح مؤسسات الدولة الرئيسية وأولها الاعلام.
وعندما نتحدث عن الاعلام نجد اتحاد الاذاعة والتلفزيون بآداءه المترهل وروتينه القاتل وعشوائيته الواضحة في التخطيط - اذا كان هناك تخطيط أصلا بداخله- وغياب المهنية والاتقان في التنفيذ، يتصدر المشهد ويليه المؤسسات الصحفية القومية وكلاهما أشبه بالمارد النائم .
وهنا لا يستطيع انكار حالة التخبط التي يعاني منها"ماسبيرو" ، في ظل القواعد المغلوطة السائدة، وسياسة العزب المنتشرة في أروقته، ووأد المواهب المبدعة وعدم اعتماد إجادة العمل كمعيار رئيسي في الترقيات أو تولي المناصب، وهو ما أفرز مناخا داعما للفساد كان آخرها ما يتردد حول العقد الغريب الذي وقعه قطاع القنوات المتخصصة مع شركة برزنتيشن الوكيل الاعلاني لقناة النيل الرياضية ، وتقديم تسهيلات للشركة على حساب الاتحاد منها بث المباريات علي قناة لايف وكوميدي وسينما بجانب النيل الرياضية التي هي محل العقد وهو ما يحقق أرباحا إضافية للشركة تمثل فسادا تراجعهجهات رقابية حاليا.
ولا يختلف الأمر كثيرا فيما يتعلق بقطاع الانتاج وبشركة صوت القاهرة التي قامت بتأجير ستوديو الجيب الذي يعد من أقدم الاستديوهات في منطقة الشرق الأوسط لاحدي الفضائيات الخاصة بمبلغ تافه لا يتجاوز مقابل يومين اذا ما قررت الشركة نفسها استئجار استوديو من الغير، اضافة الا تركها الساحة للجميع ليلعب في الانتاج بينما تفرغت قياداتها لأعمال لا تسمن ولا تغني من جوع.
ولن نتطرق هنا كثيرا لفضيحة قطع التيار الكهربائي عن المبني وتوقف البث،ولا غياب الرؤية فيما يتعلق بدعم التنمية في الوطن بعد رحيل الاخوان، ولن نتحدث عن خلية أعضاء الجماعة داخل المبني والتي نجحت في أن تبقي الشتائم ضد الرئيس والبابا وشيخ الأزهر حتي الآن علي الجدران الداخلية دون رقيب.
ورغم كل الانتقادات والملاحظات التي نسجلها علي ماسبيرو وقيادته فإن حملة الهجوم ضده في الفترة الأخيرة من قبل أقلام بعينها وفضائيات خاصة بهذا الشكل الحاد والمريب تجعلنا نتوقف في مربع العقل قليلا لنسأل عن سر "عاصفة الصحراء الاعلامية" ضد ماسبيرو ، وهل يريد أصحابها بالفعل اصلاح المارد الاعلامي النائم ليقضي عليهم ويسحب بساط الاعلانات من تحت أقدامهم ويستأثر به ؟
وتأتي الاجابة المنطقية فورا بالنفي، وتأتي المعلومات المتاحة بما هو أخطر، وهو أن الحملة هدفها قتل المارد النائم وليس إيقاظه حتي يخرج ماسبيرو من الصورةو يخلو لهم الجو، ويصبح احتكار القطاع الخاص للعلام المرئي كما حدث في قطاع الاتصالات فيستأثرون بكعكة الاعلام والاعلانات في آن واحد، بالاضافة إلي السيطرة علي الرأي العام خاصة في الانتخابات البرلمانية التي يخوضها مرشحون لاحزاب يملك قادتها من رجال الأعمال 12 فضائية خاصة.
ومن هنا يبقي المبني الذي تم تشييده في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بقرار منه ببدء البناء في أغسطس عام 1959 م على أن يتم الانتهاء منه في 21 يوليو 1960م وذلك ليواكب الاحتفال بالعيد الثامن لثورة يوليو، وبالفعل كان تحدياً أن ينتهي البناء في هذا الوقت القصير، وتم بث الإرسال منه بالفعل في الميعاد المحدد، والذي شهد أول بث تلفزيوني مصري علامة حقيقية لريادة الاعلام المصري، وشوكة في قلب أعداء الوطن وهي حقيقة لا ينكرها الا جاهد وواقع لا يحتاج لسرد.
ولذلك رأيت أن من واجبي كإعلامي مصري محب لبلده أن أكتب دفاعا عن "ماسبيرو"، ذلك المبني الذي بدأ رائدا، وكان ومازال المفرخة الأولي لكوادر الاعلام التي أنشأت كل الفضائيات العربية والمصرية الخاصة وكانت وراء نجاحها، بل وتلفزيونات الدول العربية الشقيقة أيضا، ومن واقع التجربة الواقعية أؤكد للجميع وأولهم المسئولين أن هذا المبني فيه مئات المذيعين والمخرجين والمعدين الرائعين في الاذاعة والتلفزيون ، يصلحون جميعا أن يكونوا نجوما في الصف الأول للاعلام العربي، وأستطيع أن أكتبهم بالإسم ، بالاضافة لآلاف الفنيين المهرة وجميعهم ككتيبة عمل يمتلكون القدرة علي المنافسة والسبق وتقديم خدمة إعلامية مميزة، اذا ما توفر لهم مناخ مناسب وقيادات لديهما مهارة العمل الجماعي والتفكير الابداعي والتنظيم الاداري والقوة والحسم.
وعلي الدولة أن تتفهم الوضع جيدا، وأن تساند وتدعم "ماسبيرو"، وتعمل علي تطويره ووقف نزيف الخسائر فيه، واختيار قيادات تليق بمصر القوية المتطورة والواثقة لأن معاول هدم المبني التي تنشط حاليا دون مواجهة ستكون آثارها كارثية علي الاعلام المصري كله، وعلينا أن نوقفها ونساند كوادر مجتهدة تستحق المساندة لأنها فضلت البقاء في بيتها الاعلامي ولم تهجره كما فعل البعض ليبني في بيوت الآخرين.