عاجل
السبت 6 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
اعلان we
البنك الاهلي
عزيزي .. هل أنت مخترق فكريا .. (6)

عزيزي .. هل أنت مخترق فكريا .. (6)

بقلم : لواء أركان حرب/ جمال عمر

وصلنا للركن الثالث من أركان النفس البشرية وهو (الذكاء النفسي) والذكاء هو الذي نعرفه جميعا ولكن ربما تختلط مفاهيمنا له فهو بالقطع ليس نتاجا لقدرات خلايا المخ وشبكات اتصاله وتغذيته التشريحية ، فمخ الإنسان ليس إلا جهاز معجز لعرض البيانات المجمعة عن طريق وسائل الإدخال المختلفة والتي أساسها الحواس الخمسة المعروفة بالإضافة لمجموعة الحواس الغير ملموسة والتي يختصرها الإنسان بمسميات الحاسة السادسة والسابعة .



ولكن .. الذكاء هو قدرات متعددة للنفس البشرية أهمها هو قدرة النفس على الارتقاء بالبيانات لتصبح معلومات ثم الارتقاء بها من حيز المعرفة إلى مستويات الفهم والإدراك ثم استخدام المعلومات المدركة لاستنتاج معلومات جديدة والتي تستخدمها النفس كبيانات جديدة لاستنتاج معلومات أكثر رقيا .. وهكذا في عمليات متشابكة ومعقدة تمثل مصفوفات الذكاء المتتالية والمتوازية والمتداخلة والتي تقوم بها النفس البشرية باستخدام هذه الآلة الجبارة المسماة بالمخ وخلاياه وغرفه المختلفة وشبكات اتصاله الداخلية والخارجية والتي تصل لمائة مليار خلية عصبية يحركها 20 مليار خلية في الدماغ فقط وليس عجيبا أن نعلم أن وزن المخ لا يتجاوز 2% من وزن الإنسان ولكنه يستهلك 20% من الأكسجين و25% من الطاقة الخالصة .

ولكن هذه الآلة الجبارة ليست أكثر من آلة تستخدمها النفس البشرية لتدير حركة حياة الإنسان كلها ، والعجيب أن النفس البشرية لا تستخدم أكثر من 10% من قدرات العمل للمخ في أعلى معدلات الإنتاج العقلي وهم من يسمونهم بالعباقرة ، ومنذ ولادة الإنسان تقريبا والنفس تجرب وتتدرب على استخدام هذا المخ ومكوناته وقدراته وترتقي في أساليب استخدامه واستغلال قدراته يوما بعد يوم وحتى نهاية حياته ، وقد تبرع نفس في استخدام هذا المخ في مجال بعينه فيصبح الإنسان عبقريا في هذا المجال ، ولا شك أن تركيب المخ البشري وترتيب أجزاءه المختلفة داخل الدماغ يتوافق بدقة متناهية ومعجزة مع المواصفات العامة للإنسان وكذا مع المواصفات الشخصية الخاصة جدا لصاحب النفس والجسد بعينه .

ولكن في النهاية تبقى النفس البشرية هي القرار لأنها صاحبة الجسد كاملا بما فيه هذه الآلة الجبارة المسماة بالمخ ، فهي صاحبة الأمر والنهي والحسابات والتعاملات وبالتالي هي التي تحدد اتجاهات ومعدلات ونوعيات الفهم والإدراك التي تحدد شخصية الإنسان ، فلا عجب مثلا أن نرى أبرز علماء الكيمياء النووية في ناسا من الهندوس الذين يسجدون للبقرة ويقدسونها ، وأمهر وأشهر علماء الطاقة في العالم ملحدا وعضوا في نوادي الشواذ مثلا ، وليس هذا هو المثالي ولا ما يمكن أن يكون عليه الإنسان ولكنها أمثلة صارخة على سوء استخدام الإنسان لقدرات عقله والخلل الجائر للإنسان في استخدام أجزاء بعينها من آلته الرهيبة وإهمال بل وربما تعطيل متعمد لأجزاء أخرى بعينها في المخ البشري ، فالذكاء النفسي ليس هو ذلك التميز الشاذ في بعض العلوم أو أحدها مع التخلف الكامل والتعطيل لقدرات المخ البشري بقرارات نفسية مجحفة ومضللة .

فالذكاء النفسي هو ارتقاء معدلات الاتزان والتوافق في استخدام الإنسان لقدرات الآلة المعجزة المسماة بالمخ بما يحقق له قدورا عالية ومتميزة من قدرات التعامل مع معطيات حياته بتفوق وتميز غير مسبوق بين معاصريه ، ولذلك فقمة الغباء النفسي أن تصنع لنفسك أكاذيب وخيالات تفترض صحتها وتحيا في ضلالها وتفرضها على غيرك متمسكا بها رغم يقينك أنها بهتان وضلال ، وهو ما نراه بوضوح ونتعامل معه دوما متمثلا في  سلوكيات نفسية ومادية لتجار الدين ومحترفي السياسة والنصب والفنانين ولاعبي الكرة وكثير ممن يحيون حياتهم في غمار الشهرة ومن أجلها ، ولن نجزم ونجمع الكل في سلة واحدة ولكن الصفة السائدة للجميع هي الاشتراك في الهدف الاستراتيجي للنفس من حياتها وهو الحصول دوما على المزيد من الشهرة وبالتالي فلا مانع من التضحية بكل شيء وأي شيء للحصول على المزيد من الشهرة حتى ولو بلغت حدود الشرف والكرامة بل والحياة نفسها أحيانا كنتيجة طبيعية لتجاوز البعض منهم للحدود الطبيعية الفطرية للنفس البشرية .

فالذكاء النفس هو الاتزان الفطري للنفس البشرية وقدور وعيها وقدرتها على فهم وإدراك الأبعاد الحقيقية لمعطيات وحوادث الحياة بما يضمن نجاح الإنسان في التعايش والتطور عبر مراحل حياته المختلفة دون أن يصطدم بما يهدد وجوده أو يغتال أمنه أو حياته أو فكره وثقافته ، ولذلك فقمة الغباء النفسي أن تصنع من نفسك مستهدفا من غيرك متعمدا باختيارك العداء لبعض الناس بناء على اختلاف في الفكر أو الانتماء ، وهو ما تفعله الجماعات الدينية المتطرفة عبر التاريخ القديم والحديث وما تمارسه الجماعات الجهادية والإخوانية والقاعدة والنصرة وداعش فكل من لديه عقيدة منهم فعقيدته فاسدة وسبق تدميرها نفسيا ثم بيولوجيا ، والبقية الباقية من عامة المؤيدين لا تستطيع سؤالهم عن عقائدهم لأنهم أغلقوا تماما قدراتهم على التفكير والفهم والتدبر وفضلوا اللهث خلف من يحكمهم ويسوقهم بلا عناء الفكر أو الفهم خاصة في إطار من الاستفادة من متع وشهوات بلا حدود أو محاسبة .

فلا عجب مثلا أن تجد طبيبا أو مهندسا أو حتى عالما  وهو يفجر نفسه أو قنبلة في مكان عام ليقتل بعض الأبرياء انتقاما من بعض أعدائه أو أعداء من ينتمي لهم فكريا ويسيطرون على نفسه دون أن يفكر أو يعقل مشروعية أو حرمة ما يفعله ، والأبسط كثيرا من كل هذا أن تصطدم يوما بمواجهة ساخنة بين بائع جائل مثلا وأستاذ جامعي ، ثم تخرج منها وأنت أكثر اقتناعا باحترام البائع الجائل وهو من المفترض أن يكون جاهلا مقارنة بالأستاذ الجامعي ، ولكنك تكتشف أن هناك معايير آخري لا علاقة لها بكم العلم من نوع بعينه ، ولكنه شيئا يتعلق باتزان أو توازن بل هو فهم وإدراك على مستوى راق لا تملك له اسما أو وصفا سوى أنه الذكاء النفسي ، وهو الذي يجعلك تفكر كثيرا قبل أن تواجه فلانا أو تعاديه رغم أنه قد يكون أقل منك بكثير وتملك عليه حقوق المحاسبة والثواب والعقاب ولكن الرجل صاحب اتزان وتوازن نفسي متفوق وقادر على كسب احترام غيره ببساطة ومنطق عجيب ، ولكنك أيضا قد لا تتوانى أن تواجه وربما تعادي كثيرا من الناس من أصحاب الأموال والمراكز الحساسة والكبيرة دون أدنى تفكر أو تدبر لإحساسك الواعي أنهم بلا منطق أو إتزان نفسي يحميهم أو يعيد لهم الاحترام المفقود .

أخيرا .. لا شك أن الذكاء النفسي .. هو صفة نفسية نواتها الأولى هبة ربانية للنفوس ممن خلق النفوس وأركانها هي دعائم التربية والبيئة المحيطة بالإنسان عبر تاريخ حياته خاصة سنوات الطفولة والتنشئة الأولى ، ولا شك أن الذكاء النفسي هو ما يحاسب الله عباده على قدوره لديهم وهو الضامن لحفظ وضمان وثبات (الأمانة الذاتية) في النفوس والتي تعتمد عليها استقرار الحياة وأمنها ، والذكاء النفسي أيضا هو الوسيلة والأساس لتطور ورقي (المفاهيم) للإنسان عبر حياته ، لنعود ونؤكد أن الأركان الثلاثة (المفاهيم - الأمانة الذاتية - الذكاء النفسي) والتي يبنى عليها استقرار وحياة الإنسان على الأرض هي حلقات متكاملة ومتداخلة تؤثر في بعضها البعض وترتقي وتتطور بحرص الإنسان على المراجعة والمتابعة لفكره وثقافاته ونتاج حركة حياته وحياة غيره من حوله في إطار من القيم المطلقة والأخلاقيات والتي نجدها واضحة المعالم وجلية المفاهيم عند الاختلاء بكتاب الله وتدبر آياته ، والتي ما أجملها وأروع تأثيراتها في صداقة وصحبة القرآن العظيم خاصة في شهر رمضان .. هدانا الله لما فيه خير البلاد والعباد ورزقنا ما يصلح به قلوبنا ونفوسنا وأحوالنا .. أجمعين ..

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز