مؤامرات إبليس (12) ... الحرب العالمية الثالثة
بقلم : لواء أركان حرب/ جمال عمر
بدأت ثورة 25 يناير 2011م في مصر(لمن نسي أو لم ترى عيناه) بمقدمات نمطية مكررة وواضحة كالشمس خاصة لدارسي ومتابعي فصول محو الأمية الثورية الماسونية العالمية ، خاصة فصول صربيا وأوكرانيا وتل أبيب وفريدم هاوس وغيرها من توابع المخابرات المتربصة بمصر دائما وأبدا (أمريكا – بريطانيا – ألمانيا – إسرائيل – تركيا – إيران – قطر) وإن كانت مظاهرها الحقيقية قد بدأت بالفعل قبلها بأكثر من ثلاثة شهور بانتخابات مجلس الشعب والتي وجه نظام مبارك فيها صفعات مستهزئة ومؤلمة لوجه الإخوان قبل الشعب بتزوير فج ومتنطع ومستفز أثار حفيظة حتى الكثيرين من أعضاء الحزب الوطني الحاكم نفسه ، والتي أعقبها خلال الأسابيع التالية علامات واضحة تجلت في أحداث مخططة ومنتقاة لتسارع من غليان الشارع والرأي العام المصري كمسرحيات الكوميديا السوداء بطولة شخصيات هزلية مهترئة أمثال محمد البرادعي وفيلم الخداع المجيد بطولة خالد سعيد ، ثم الحلقة الثانية من مسلسل اليأس القاتل بانتحار موظف حرقا أمام مجلس الشعب ، وفقرة من فيلم الانتقام اللعين بتفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية ليلة العيد وإلصاقها بأمن الدولة تخللها وقفات واحتجاجات خطط لها ونفذها كثير من النشطاء المدربين من كفاية و6إبريل والمعهد الديمقراطي وقادها أحيانا بعض الرموز العميلة كأيمن نور وطليقته والبرادعي وحمزة وحمزاوي وجورج اسحق وبعض عملاء ومغيبي الإعلام ، وساهمت النقابات والتي كان الإخوان يسيطرون عليها بضراوة في وقفات ملهبة للشعب المصري ، ولكن .. لابد للحق أن يقال .. فقد كان صاحب الفضل الأكبر في كل هذا هو الماسوني مبارك وعائلته ورجاله حيث وفروا بأمانة وإخلاص لا نظير له أسوأ صورة ممكنة لفئة تحكم وطنا بمنتهى الخيانة والتدني وانعدام الضمير ، فلم يجد مواطنا واحدا .. سببا يمنعه من مشاركة الثورة والخروج عليهم.
ولن نستطيع أن نقفز من لحظة تنحي مبارك إلى لحظة وصول مرسي العياط لعرش مصر ، فقد كان كل ما بينهما ممهدات ومقدمات وصراعات دقيقة وخطيرة ومخادعة للجميع خاصة لمن تخيلوا أنهم يقتربون من تحقيق حلم عمرهم بتقسيم مصر والإجهاز عليها ، فبمجرد تفجير قنبلة التنحي على لسان ووجه الراحل عمر سليمان هبطت شظاياها مختلفة الهيئة والتأثير وإن كانت في مجملها هدفا قد تحقق ، فقد كانت مطرا باردا على نيران الثورة في صدور الملايين في ميادين مصر وتحول غضب الثورة لاحتفالات بتحقيق الحلم ورحيل كابوس مبارك اللعين (هكذا قالتها الملايين) ، ولكنه في نفس الوقت نزل التنحي كسيول خيبة لزجة على وجه الإدارة الأمريكية وأذنابهم الإخوان ومن شاركوهم التخطيط والاستعداد لتكرار مسلسل القذافي وليبيا ، وباتت ربوع مصر وأهلها ليلتها تحتفل بأسعد لحظات العمر بعد نصر اكتوبر73 ، وأسدل الستار على حكم مبارك بلا أسف أو تعاطف ، ولاشك أن تلك الأيام الثمانية عشرة (من 25 يناير وحتى التنحي في 11 فبراير) كانت كاشفة لأسرار كثيرة خاصة للمتابعين بدقة لما يدور على الساحة السياسية والمجتمعية في مصر ، ومؤكدة للمعلومات المتوافرة لدى الأجهزة الأمنية المصرية والتي ساهمت كثيرا في تحديد اتجاهات وتفصيلات سيناريوهات إدارة الأزمة المصرية على جميع الجبهات الداخلية والخارجية مستقبلًا.
وكعادة الاحتفالات بالانتصار حيث تفقد البشر السيطرة على مشاعرها وبالتالي تتساقط بعض أسرارها ، تفجرت في أيام الثورة التي انتهت بتنحي مبارك أسرارا كثيرة عرفها البعض بالمتاهات السبعة ونعرفها هنا بأنها دروس التنحي السبعة والتي أولها .. أن تجار الدين من الإخوان والسلفيين خونة وجبناء ، فبرغم ضلوعهم في التخطيط والتنفيذ للثورة ، إلا أنهم لم ينزلوا للميادين إلا بعد التأكد من حتمية نجاح الثورةوبعد تنفيذهم لجمعة الغضب لإلهاب الحماس وتأكيد الفوضى ، وكان هذا أول الدروس المستفادة والتي حفرت في عقول ونفوس العامة ، فتجار الدين يتخفون خلف مظاهر الملبس والحديث المنمق الرصين المتدين لتمنحهم احتراما وكرامة لا يستحقونها ولا يقدرون على اكتسابها بأخلاقهم وسلوكياتهم وقدورهم الشخصية ، فلم يجد الشعب واحدا من تجار الدين (إخوانيا أو سلفيا) مصابا أو قتيلا في الثورة رغم ارتفاع عدد الضحايا لأكثر من ألفين في ثمانية عشرة يوما وما سبقها من أسابيع عجاف رغم نزول كثير من شبابهم ولكن كعيون وجواسيس وعوامل مساعدة لاستثارة العامة ، والتي تجلت تماما منذ جمعة الغضب (28 يناير2011م) والتي عرف كثير من المتظاهرين ورأوا بعيونهم اعتلاء الإخوان لأسطح الميادين وإلقاءهم الزجاجات الحارقة على المتظاهرين وعلى الشرطة في نفس الوقت لتفجير الموقف ، وتأكد لعبهم لهذا الدور الحقير بتنفيذ مسلسل الحرق لأقسام الشرطة واقتحام السجون المتزامن ثم اقتحام مقرات أمن الدولة والمتحف المصري والمجمع العلمي واستهداف مؤسسات وشركات للدولة بعينها.
الدرس الثاني كان في فضح أسرار العلاقة الثلاثية ما بين النقيضين من طرف والممثلة في تجار الدين كيمين المتطرف من جهة والليبراليين كيسار متطرف من جهة أخرى، وما بين آل مبارك ووزير داخليته ومساعديه وبعض رموز نظامه المقربين من جهة أخرى ، حيث تجلت أولا حقيقة وحدة القيادة والتوجيه للنقيضين (تجار الدين والليبراليين)والممثلة في المخابرات المركزية الأمريكية والتي اكدتها تسجيلات الأجهزة الأمنية فضلا عن (عشاء حنة الثورة) الذي حضره رموز الإخوان مع البرادعي وبعض الليبراليين في ثاني أيام الثورة والذي انتهى مع الفجر وتم القبض ساعتها على محمد مرسي والكتاتني وبعض القيادات الإخوانية .. ولكن .. تم ترحيلهم لسجن وادي النطرون ، ويوما ما سنعرف لماذا تم ترحيلهم لهذا السجن تحديدا رغم أن معلومات الأمن الوطني أكدت أنه سوف يتم مهاجمته ضمن مخطط اقتحام السجون بواسطة عناصر حماس وحزب الله ومساعدة الإخوان وهي المعلومات التي أكدتها لهم المخابرات الحربية والعامة ونقلها لهم بوضوح وزير الدفاع (طنطاوي) في اجتماع مجلس الوزراء قبلها يأيام ، حتى أن المتابع غير المتخصص يمكنه أن يشتم رائحة خيانة أو تعمد أو تواطؤ لاستكمال تنفيذ المخطط من الطرف الثالث والممثل في مبارك وولديه والعادلي ومساعديه ، وهو ربما ما تثبته براءاتهم جميعا فيما سميت بقضية القرن بعد سنوات من الأداء المهين لمسرحية فاشلة من الكوميديا الصفراء بطلها أمر الإحالة المشين والذي أمر بمحاكمتهم على قتل المتظاهرين (فقط) اعتبارا من تاريخ تنحي مبارك وسقوط نظامه (منذ يوم 11 فبراير وحتى 18 فبراير 2011م) ، حتى باتت المحاكمة كلها وصمة عار في الجبين المصري إلى أن يتم تصحيحها بما يليق يوما ما ، أو يبرر التاريخ هذا التواطؤ والتغافل المتعمد لبعض الأطراف الرئيسية للمؤامرة.
الدرس الثالث تجلى في ضلوع الإدارة الأمريكية ممثلة في سفارتها في تنفيذ إجراءات المخطط باسم الثورة بتأجيج المشاعر والتعجيل بتفجير الموقف باستخدام كل إمكانياتها المادية والبشرية لتسعير نيران الفوضى الخلاقة التي أشعلتها ، وهو ما رصدته المخابرات المصرية في لقاءات واتصالات السفيرة الأمريكية (باترسون) السريعة والمتلاحقة قبل الثورة وخلالها بمكتب الإرشاد والبرادعي وبعض قيادات النشطاء وبعض النخبة والإعلاميين ، كما تابعته من خلال تحركات رجال المخابرات الأمريكية وظهور بعض رجال الموساد مع بعض نشطاء الليبراليين وبعض الإخوان في ميدان التحرير ، وهو ما رصدته عدسات المخابرات وصورته بدقة ، ثم كانت فضيحة اشتراك عربات السفارة في دهس المتظاهرين والتي ظن البعض أن النشطاء هم من صوروها ، ولكنها كانت رسالة قصيرة للمخابرات الأمريكية أن تكف عن حقارة التدني لقتل البشر علنا في شوارع القاهرة ، ولولا ذلك لتكرر هذا المشهد مئات المرات في مختلف المواقع وبنفس الأسلوب وبمختلف الأدوات والوسائل.
الدرس الرابع أن الإخوان ليسوا جبناء وخونة فقط .. ولكنهم مجرمين وإرهابيين بشراسة ولديهم الاستعداد لبيع وتقسيم وحرق مصر على رؤوس شعبها بلا ضمير ، حيث ظهرت من اللحظة الأولى علامات التآمر والاتفاق مع حماس وعناصر من حزب الله لدخول مصر واقتحام السجون وحرق الأقسام والاشتراك في قنص المتظاهرين للحفاظ على نيران الفوضى مشتعلة بلا هوادة ، وهو ما تم رصده جيدا بل وتم تسجيله بالصوت والصورة خاصة لاتفاقات قيادات الإخوان والنشطاء والبرادعي فضلا عن فضيحة مرسي العياط الذي خرج من السجن ليجد شخصا يعطيه تليفون ماركة الثريا يعمل بالقمر الصناعي ليطمئن قناة الجزيرة على نجاح تهريب عناصر حماس والإخوان جميعا خاصة قيادات الجماعة بالاسم واختاروه هو تحديدا من بين 34 قياديا من الإخوان ليكون متحدثهم الرسمي ، وهو ما سرده العياط في اعترافاته في المحاكمة مؤخرا.
الدرس الخامس تمثل في انحياز الجيش المصري للشعب ووقوفه لجواره في ميدان التحرير لحمايته ولولا هذه الوقفة التاريخية لتضاعفت أعداد الضحايا ، حيث لعب الجيش دور الدرع الواقي للمتظاهرين بكل أمانة وإخلاص لدرجة تفاعل بعض صغار السن من الضباط والجنود مع المتظاهرين وانضمامهم لهم بعد تسليم أسلحتهم ، وهو ما اعتبرته الأوساط السياسية الغربية سوء تقدير من المخابرات الأمريكية وأذنابهم من الإخوان والعملاء وفشلهم في توقع ردود أفعال الجيش المصري تجاه الشعب وحركة ثورته في الميادين خاصة وأن الجيش حينها كان ممثلا لنظام مبارك وحاميا له على حد تخيل وظنون العامة من الشعب وحسابات المخابرات والإدارة الأمريكية وكان متوقعا قيام الجيش بضرب المتظاهرين بالرصاص الحي مثلما حدث في بلدان كثيرة مثل بريطانيا وروسيا والصين وأمريكا نفسها.
الدرس السادس رآه العالم أجمع في ثقة الشعب في جيشه وحبه له والتي تمثلت فرحة الشعب التلقائية والمتفجرة والتي أعقبها ترك الشعب للميادين دون تفكير أو تردد بمجرد تنحي مبارك وتسليم السلطة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة ليدير البلاد والتي ربما لم يدرك عامة الشعب معناها ولكن المحللين المخضرمين في السياسة الدولية قالوا أن ثقة هذا الشعب وتلاحمه مع جيشه هو شيئا غير مسبوق بل إن البنتاجون الأمريكي وضع هذه الظاهرة ومدلولاتها كأول وأهم أسباب رفضه الاستجابة لطلب أوباما المتكرر لأربعة مرات بتوجيه ضربة عسكرية لمصر.
أما الدرس السابع فقد كان درسا قاسيا للإدارة الأمريكية عن قوة الجيش المصري وصلابة وقدرة المخابرات المصرية التي لقنت الجميع وما تزال دروسا تاريخية حتى قال عنها بوتين سوف تستمر تدرس في مدارس المخابرات لسنوات طويلة وهو ما سوف نتناوله لاحقا..
















