عاجل
السبت 15 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي
مـاذا.. تنتظرون؟!
بقلم
محمد نجم

مـاذا.. تنتظرون؟!

بقلم : محمد نجم

 



أحيانا كثيرة ينتاب المرء مشاعر متناقضة تتراوح ما بين السرور والحزن، وهو ما حدث لى طوال مشاركتى فى مؤتمر مكتبة الإسكندرية حول صناعة التطرف وكيفية مواجهته؟.

فقد شعرت بسرور بالغ لما رأيته من حرص «النخبة» العربية من المثقفين والخبراء من 18 دولة عربية على حضور المؤتمر والمشاركة الجدية فى مناقشاته، فقد  آن لتلك النخبة أن تنزل من البرج العاجى الذى حبست نفسها فيه وتنزل إلى الواقع وتشارك المجتمع فى مواجهته لأزماته وتحديات تقدمه، بل وتقوده فى حمل لواء الدفــاع عن صحيح الدين الحنيف والتطبيق السليم لأركانه الخمسة وتعاليمه السمحة.

 

ولكن فى ذات الوقت كان ينتابنى شعور مضاد بالحزن الشديد بسبب مناقشة الموضوع المطروح على المشاركين فى المؤتمر، فهل يعقل أن نعود بعد مئات السنوات لمناقشة ذات القضايا التى حسمها التاريخ الإسلامى من قبل؟.. مثل الحاكمية، والجاهلية والتكفير، والعصبة المؤمنة أو الفرقة الناجية؟.

فكيف نترك مشاكلنا اليومية وتحديات تقدم مجتمعاتنا العربية وننشغل بمناقشة «أجندة» فرضها علينا تنظيم متطرف مجهول مثل داعش وأشقائه (القاعدة، بيت المقدس، بوكوحرام.. وغيرهم)؟.

وهل نحن مجتمعات واهية إلى الدرجة التى يصدر فيها لنا الغرب ما يشغلنا عن محاولات النهوض بمجتمعاتنا وتحسين أحوال معيشة مواطنينا؟.

لقد وضحت الحقيقة وانكشف المستور والكل بات يعلم أن هذه التنظيمات المتطرفة التى تقتل وتغتصب وتحرق الأخضر واليابس فى أوطانها العربية.. يقف خلفها دول وأجهزة فى النشأة والتمويل والتدريب.. بهدف أن نستمر فى الدوران حول أنفسنا فى عملية استنزاف مستمرة للبشر والأموال.. مع عوائد لا حصر لها للمصانع الغربية المنتجة للأسلحة.. فضلا عن بقاء الوضع على ما هو عليه فى الأراضى العربية المحتلة فى فلسطين والجولان السورية.

نعم.. لقد كان المؤتمر «فرصة» ليعود المثقفون العرب إلى ساحة المواجهة الفكرية مع تلك التنظيمات الضالة ويكشفوا جهلهم بصحيح الدين ويشرحوا للكافة معنى التطرف الذى هو غلو فى الدين أو الفكر أو المذهب.. وهو أمر رفضه المسلمون الأوائل وعلماؤنا الثقات منذ قرون عديدة باعتباره انحرافا عن مقصود الشرع وروح الإسلام السمح.

لقد أحسن د. إسماعيل سراج الدين قولا فى افتتاحه للمؤتمر عندما أشار أنه لا مجال لأحادية الرأى والمذهب والفكر، فهى وقود التطرف والغلو، وهو ما يتعارض مع النسيج الثقافى والاجتماعى فى المجتمعات العربية التى تقوم على قاعدة التنوع والتعددية.. مطالبا بأن يبتعد الخطاب الدينى عن الترهيب والتخويف وينتقل إلى الترغيب والتبشير، موضحا أن انخفاض جودة التعليم والجهل والفقر والتهميش والتدخل الخارجى فى شئون الأقطار العربية هى من أهم أسباب التطرف الذى نعانى منه فى منطقتنا.

ولم يبتعد د. أحمد العبادى الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب الشقيق عما تقدم.. بل إنه وصف التطرف بأنه «صناعة» أصبح لها هندستها وروافدها وثمارها البغيضة، وأنها تقوم على أربعة أعمدة وهى: حلم الوحدة، والكرامة، والصفاء، والخلاص، فتلك التنظيمات تدعى أنها تعمل على وحدة المسلمين والدفاع عن كرامتهم أمام الغرب وأنظمتهم الديكتاتورية، ويرون أن تدينهم- هم- يتميز بالصفاء عكس تدين الآخرين، وأنهم هم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة.

ومن ثم فهو يشدد على ضرورة مواجهة هذا التطرف من خلال تنسيق جهود الجهات المعنية لوضع «النص» الدينى فى سياقه الصحيح لمنع التأويل الذى لا يضع اعتبارا للنتائج، هذا فضلا عن أهمية الاعتماد على القياس والحكم على الأمور بثمارها ونتائجها، وذلك من خلال المقاصد الكبرى وهى حفظ الحياة.. وحفظ الدين.. وحفظ العقل.. مع الاستمرار فى تفكيك خطاب التطرف وبيان مخالفته لمقاصد الشريعة وتعاليم الإسلام.

 

لقد شهد المؤتمر طرح العديد من التساؤلات التى تحمل إجاباتها فى داخلها.. وكان البعض يطرحها وكأنه يعيد توصيف الواقع، فضلا عن دعوته لاستخدام «العقل» فى فهم ما يحدث فى المنطقة وما يجرى من حولنا، ومن هؤلاء الأكاديمية والسياسية الليبية الفذة الدكتـورة أم العز الفارسى، حيث تساءلت عن معنى أن نقوم نحن بالثورات فى ذات الوقت الذى يقوم فيه هؤلاء المتطرفون بتأسيس المعسكرات شاهرين أسلحتهم فى مواجهة مجتمعاتهم؟.. مشيرة إلى أن التيار المدنى العربى لم يكن مزودا باللازم لإدارة معركة يكون فيها بديلا عن التطرف فى أذهان هؤلاء.. خوارج العصر! موضحة أن هؤلاء المتطرفين هم أبناء الوطن العربى ولم يأتوا من الخارج.. متسائلة مرة أخرى: هل يكفينا قبضة عسكرية وأمنية للقضاء على التطرف أم لابد من الاهتمام بالتعليم والثقافة والأدب والفنون للخروج بعقل عربى قادر أن يستوعب لا يحتوى أفكار الآخرين؟.. وهل من الممكن أن يصبح للنخبة المدنية دور حقيقى فى الشارع؟.. وهل يمكن أن ننتج خطابا جديدا لمواجهة هذه الأزمة بدلا من الدخول فى صراعات الكل فيها خاسر؟!

 

طبعا ممكن.. وإلا ما جدوى انعقاد تلك المؤتمرات والندوات؟.. وماذا تفعل مراكز الأبحاث والدراسات المنتشرة فى كافة أقطارنا العربية؟.. ثم ما هى «وظيفة» ومهام أجهزة الدعوة ومؤسسات الفكر فى بلادنا إلا مكافحة هذا الفكر المتطرف وإقناع الشباب المغرر بهم بخطأه وانحرافه عن جادة الصواب؟.

ثم ماذا «يقدم» إعلامنا العربى بكافة وسائله وتنويعاته؟.. كيف ينشغل بتوافه الأمور ويترك تلك الفئة الضالة تعربد فى أوطاننا وتقتل شبابنا وتغتصب نساءنا وتيتم أطفالنا؟.. كيف ينجح مثل هذا التنظيم حديث النشأة قليل العدد فى استخدام وسائل الإعلام الحديثة من فيس بوك وانستجرام وتويتر ويسيطر من خلالها على «الشباب المأزوم» من الأقطار العربية طبقا لتعبير د. مصطفى الفقى، حيث يرى أن داعش هو تجمع «للمآذومين» فى البلدان العربية.. سواء بسبب البطالة أو الاضطهاد السياسى، أو التطرف الفكرى؟!

أليس لدينا خبراء فى استخدام تلك الوسائل الإعلامية الحديثة؟.. أم أننا مازلنا على قديمه.. نخاطب فقط من يحرصون على التردد على المساجد أو يشاهدون التليفزيون ويسمعون الإذاعات؟!

ألا يعلم المعنيون بالأمر أن هؤلاء المتطرفين بعيدون تماما عن كل ذلك؟..

ثم أين الجهد العربى والإسلامى المشترك لمكافحة تلك الظاهرة التى تهدد الكل؟.. أين الجامعة العربية؟.. أين منظمة الدول الإسلامية؟..

أين أنتم؟.. وماذا تنتظرون؟..

وللحديث بقية.. إن شاء الله

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز