عاجل
الثلاثاء 11 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي
ميادين مصر أمانة في عنق الجمال

ميادين مصر أمانة في عنق الجمال

عقد جهاز التنسيق الحضاري الاجتماع التأسيسي الأول للمشروع القومي لتجميل ميادين مصر، بالتعاون مع وزارة التنمية المحلية بتوجيهات رئيس مجلس الوزراء وتحت رعاية وزير الثقافة الدكتور "أحمد فؤاد هنو"، في إطار مبادرة "معًا لإعلاء قيم الجمال" التي أطلقها الجهاز القومي للتنسيق الحضاري برئاسة المهندس "محمد أبوسعدة"، وبالتعاون مع وزارة التنمية المحلية.. حيث تشكلت اللجنة بعضوية ممثل لهيئة التخطيط العمراني، وممثل وزارة التنمية المحلية، وممثلي وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وممثل لنقابة الفنانين التشكيليين، وممثل لكل محافظة من محافظات مصر، وبرئاسة رئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري.



 

 

 يأتي ذلك في إطار دور الجهاز القومي للتنسيق الحضاري برفع الوعي بقيمة الجمال وإعادة الصياغة البصرية للميادين بعواصم محافظات الجمهورية، حيث تقوم اللجنة بتنفيذ مشروع قومي لتجميل ميادين مصر بمختلف المحافظات وفقًا للهوية البصرية لكل محافظة، على ألا تتحمل تكاليف تنفيذ هذه المشروعات الموازنة العامة للدولة وأن يكون برعاية الشركات وتمويل القطاع الخاص بكل محافظة، وقد أوضح رئيس الجهاز، أن المشروع يعد خطوة محورية من حيث التنفيذ التطبيقي لمشروع الهوية البصرية التي تقوم بإدارته وزارة التنمية المحلية والجهاز القومي للتنسيق الحضاري، كما أن الشراكة بين الرعاة والمحافظات في تنفيذ مشروعات الارتقاء الحضاري بالميادين وتحسين الصورة البصرية للفراغات العامة هي تجربة مهمة تمثل الشراكة بالمسؤولية الاجتماعية بين أجهزة الدولة والقطاع الأهلي والخاص ومنظمات المجتمع المدني، بما يحقق أهداف ومعايير الجودة والجمال وتوفير جودة الحياة واستداماتها. وتم استعراض الخطوات التنفيذية لتحقيق أهداف اللجنة، وتصنيف الميادين من حيث حجمها وأهميتها ودورها الوظيفي، وكذلك آليات اختيار الميادين ذات الأولوية في تنفيذ المشروع وآليات اختيار الميادين بكل محافظة، ويراعى في اختيار تلك الميادين أن تكون في عواصم المحافظات كمرحلة أولى ثم مداخل المدن بالمحافظة، ويتم إختيار الميادين من خلال المشاركة المجتمعية وحوار مجتمعي لإشراك المواطنين في عملية التطوير لضمان استدامة التطوير المستهدف وأن تكون الميادين بمحاور بصرية مهمة. وتم استعراض المخطط الزمني للمشروع والذي يبدأ بدراسة استقصائية معلوماتية عن تلك الميادين ثم البدء في إعداد التصميمات وإعداد البنية التحتية للميادين المختارة والبدء في التنفيذ على أن يتم إعداد تقرير كل ثلاثة أشهر بما تم في المشروع.

 

 

إلى هنا وانتهى الخبر الرائع الذي انتظرناه طويلًا.. بعد أن مرت ميادين مصر بأوقات ومراحل عصيبة على مدى أكثر من أربعة أو خمسة عقود.. مارست فيها جهات متعددة التعامل مع ميادين مصر وكأنها فئران تجارب.. فقد بدأت في الثمانينيات بالضفادع التي تبخ من فمها (سرسوب ماء) عكر.. ثم مرحلة الدولفين الذي يرش علينا الماء بلا انتظام.. ثم مرحلة التماثيل المشوهة التي انتشرت في ميادين كثيرة تحملها قاعدة ركيكة فنيا وشاهدنا خلالها تماثيل عقيمة شائهة لنفرتيتي بالمنيا.. ولأم كلثوم بالمنصورة.. ولـ"طه حسين" بالمنيا.. وغيرها... وغيرها.. ومررنا بعدها بمرحلة تحريم التماثيل في الميادين، باعتبارها أصنامًا جاهلية.. وقد رفع أحد رؤساء مجلس مدينة الشيخ زايد يومًا ما في التسعينيات تمثالًا جاء للمدينة هدية من سيمبوزيم أسوان للنحت.. وهكذا... وأنا شخصيًا كتبت عن هذه الظواهر مرات متعددة وكتب عنها صديقى وزميلى الراحل الفنان الكبير محيي الدين اللباد في بابه الشهير (نظر) الذي كان ينشره بانتظام على صفحات مجلة "صباح الخير".. وكانت تأتي ردود ووعود وتعهدات من الجهات المختصة بتجميل المدن آنذاك بأننا سنبحث الأمر.. ولا يبحثون.. ولكن في هذه المرة استشعر الجدية والثقة في هذا المشروع القومى لعدة أسباب: أولها أن المبادرة أطلقها الجهاز القومي للتنسيق الحضاري.. وتجاربنا السابقة مع المعماري القدير الجاد دائمًا المهندس محمد أبو سعدة تدعونا للتفاؤل من خلال تجاربه السابقة مع القاهرة الخديوية.. وجزيرة الزمالك.. وغيرها من المشاريع الحضارية الأخرى بمختلف محافظات مصر.. فهو بالفعل يعتز بجمال بلاده وهو حريص على ذلك بكل ما لديه من إيمان بأهمية ما يقوم به من أعمال وطنية جليلة في مجال تخصصه واختصاصات جهاز التنسيق الحضاري.. ومن خلال معرفتي به شخصيًا عن قرب.. فهو صديق جاد وهادئ يعمل دائمًا في صمت وأصرار وجدية.. ومن اقترب مثلي من المهندس أبوسعدة يعرف ذلك عنه.. وقد عملت معه وتعاملت معه عبر مراحل ومشاريع متعددة منذ أن كان رئيسًا لصندوق التنمية الثقافية.. ورئيسًا لقطاع مكتب وزير الثقافة.. ثم رئيسًا للجهاز القومي للتنسيق الحضاري.. والآن أصبح لدينا آمال عريضة لأن يتحقق هذا الحلم.. ثانيًا أن هناك قرارًا من رئيس الوزراء ورعاية من وزير الثقافة ومشاركة في عضوية اللجنة من وزارة الحكم المحلي وهيئة التخطيط العمراني.. ووزارة البحث العلمي ووزارة التعليم العالي.. ومتابعة كل ثلاثة أشهر.. وهنا فنحن نطبق المثل الشعبي العبقري (ادى العيش لخبازه). 

 

 

وهنا لا بد من تحفظ يهمنا أن تعمل به اللجنة المنوط بها تنفيذ مشاريع تجميل ميادين مصر فقد جاء في القرار أن بعض الشركات والمجتمع المدني سيقومون بتمويل هذه المشاريع وهنا تكمن المخاوف وربما الكوارث.. فعندما يصرف أصحاب الشركات على مشروع من المشروعات فلا بد أن يضع بصمته وشروطه، وهذا معناه أن يتحول التجميل إلى إعلان عن نشاط الشركة الممولة لعملية التجميل وقد جربنا هذا في ميادين عدة ما زالت قائمة حتى الآن في كثير من الميادين، فأتمنى ألا تخضع اللجنة المشرفة على المشروع لابتزاز الممولين وشروطهم، وهنا يجب أن نرفع شعار أن الميادين أمانة في عنق الجمال، وفيما مضى عندما أنشأ الخديو إسماعيل القاهرة الخديوية جلب لها كبار المهندسين من ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا وقال لهم أريد القاهرة أن تصبح قطعة من أوروبا.. وقد كان.. لهذا ما زالت القاهرة الخديوية من أجمل المناطق عمارة وتنسيقًا حضاريًا وما زالت تحتفظ بجماليات عمارتها ورونقها وعبقها التاريخى.. لما بها من قيم جمالية وممارسة فريدة.. وميادين حضارية والحفاظ عليها واجب مقدس وهذا ما قام به المهندس أبوسعدة خلال السنوات الماضية منذ أن تولى مسؤولية جهاز التنسيق الحضاري.. وهذه شهادة لا ينكرها إلا جاحد.. وكذلك الخديو عباس حلمي الثاني خاض نفس التجربة في جاردن سيتي وجزيرة الزمالك.. لذلك فإن وجود ممثل لنقابة التشكيليين والتخطيط العمراني والبحث العلمي والتعليم العالي.. فهذه شهادة ضمان لمراعاة القيم الجمالية لكل الميادين التي سيتم تجميلها.. والضمان الأكبر وجود المعماري المحنك والخبير المعماري الجاد المؤمن بأن ميادين مصر تستحق أن نبذل من أجلها كل ما نملك من حب وجمال.. وربما ما شاهدته البلاد بعد افتتاح متحف مصر الكبير يؤكد لنا أن العالم كله ينتظر من مصر أم الحضارة الإنسانية كل هذا الجمال الزاخرة به حضارتها على مر العصور.

 

 

 أما الظاهرة الأهم فهي أن شعب مصر العظيم بسطائه ونخبه العلمية والمثقفة بداخلهم اعتزاز كامن بحضارتهم وبلادهم وهم يدركون أهمية الجمال وأهمية تاريخ بلادهم الحضاري والجمالي، بدليل هذا الإقبال المنقطع النظير على زيارة المتحف الكبير منذ اليوم التالي للافتتاح، إذن ميادين مصر تستحق منا ذلك وأكثر، وأن الشعب لا يريد سوى الجمال في الغناء والموسيقى والفن والسينما والمسرح والعمارة والملابس والميادين، قدموا له الجمال فهو يعشقه، هذا شعب متحضر بطبعه جيناته الحضارية تقول ذلك.. لذلك فميادين مصر أمانة في عنق الجمال الذي نبحث عنه جميعًا في كل شيء حولنا.  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز