

عبدالجواد أبوكب
السعودية...عام من التحدي والاصرار
بقلم : عبدالجواد أبوكب
لا يستطيع أي منصف أن يتجاهل الطفرة الكبيرة التي تشهدها المملكة في عهد الملك سلمان -الذي يمر هذه الأيام عام كامل علي توليه المسئولية- علي مختلف المستويات، اقتصادية وعلمية وسياسية، وحتي علي المستوي الديني تشهد التوسعات والخدمات اللوجستية في الحرم والمشاعر المقدسة علي حرصه علي خدمة الوطن والعالمين العربي والاسلامي.
وخلال عام من توليه الحكم كانت العلاقات بين المملكة ومصر في مربعها الصحيح رغم كل المحاولات الخبيثة لإفسادها، بدءا من جماعة الاخوان التي سعت دائما بشكل مباشر وغير مباشر لاشاعة وجود أزمات بين القاهرة والرياض، وانتهاءا بالدول التي تدعم هذا التصور لأنه يصب في مصالحها، لكن العلاقة الاستراتيجية بين البلدين والتي عظمها قرار الملك فيصل بن عبدالعزيز التاريخى عام 1973 بوقف تصدير النفط لدول الغرب، دعماً لمصر فى حربها ضد إسرائيل، كان تأسيسا مهما لتاريخ متين من التوأمة بين البلدين الشقيقين، بني عليه بعد ذلك علي مختلف الأصعدة سياسيا وثقافيا واقتصاديا، ونجحت هذه العلاقة المتينة في تجاوز كل مساحات التوتر التي قد تبدو في الأفق بين حين وآخر.
ولا يخفي علي المتابعين ذلك التعاون الوثيق علي الصعيدين العسكرى والأمنى بين الدولتين فى مواجهة المخاطر الإقليمية ، وهو الأمر الذى أكده البند الأول فى «إعلان القاهرة» الخاص بـ«تطوير التعاون العسكرى والعمل على إنشاء القوة العربية المشتركة». وأتت بنود أربعة من الإعلان لتؤكد تواصل التعاون الاقتصادى والتجارى بين السعودية ومصر، وأتى البند الأخير ليؤكد «تكثيف التعاون السياسى والثقافى والإعلامى بين البلدين، لتحقيق الأهداف المرجوة فى ضوء المصلحة المشتركة للبلدين والشعبين الشقيقين، ومواجهة التحديات والأخطار التى تفرضها المرحلة الراهنة»، وكان التواجد المصري في عاصفة الحزم ضمن قوات التحالف التي تقودها السعودية لاصلاح الأوضاع المقلوبة في اليمن الشقيق لتؤكد علي التعاون والوحدة والرؤية المشتركة بين القاهرة والرياض.
ثم جاء المجلس التنسيقى المصرى السعودى والذي دخل حيز التنفيذ ، ليحقق ما تضمنه إعلان القاهرة حين قام ولى ولى العهد السعودى بزيارة القاهرة والاتفاق على سلسلة من المشاريع والاستثمارات بين البلدين، وليؤكد أن المجلس يأتى استكمالا لما تم بناؤه فى الماضى لتعزيز العلاقات الاستراتيجية والتاريخية بين البلدين.
قرارات حاسمة وفعاليات هامة
ومنذ أن تولي الملك سلمان زمام الأمور في المملكة أصدر قرارات حاسمة وإجراءات حازمة في الصعيدين الداخلي والخارجي من أهمها إعلان عاصفة الحزم وعملية إعادة الأمل في اليمن للحفاظ على الشرعية اليمنية ولحماية حدود البلاد من الأطماع الحوثية والإيرانية، وهو التحالف الذي تشارك فيه عدة دول أبرزها مصر والامارات والبحرين، والذي جاء تماشيا مع سياسة العاهل السعودي في مواجهة الارهاب داخليا وخارجيا، وسواء تمثل في جماعة الحوثي أو القاعدة وداعش، أو حتي في أذناب ايران بأطماعها في تحقيق الحلم الكبير لدولة فارس علي حساب دول المنطقة واستقرارها، بالإضافة إلي انعقاد مجموعة العشرين ومشاركة السعودية بها والتي تهدف إلى زيادة التنمية الاقتصادية والعسكرية وغيرها من المجالات المتعددة مع دول العشرين ، وأخيرا القرار الأهم بقطع العلاقات الدبلوماسية مع ايران التي دفعت رجالها لمحاولة اقتحام سفارة وقنصلية المملكة بطهران ردا علي إعداد باقر النمر.
وداخليا، شعر الجميع بأن السعودية في عهد جديد يحمل تغيرا استراتيجيا يدعم كل تفاصيل التطور دون أن يقترب من الثوابت، وعلي هذا الصعيد تصدر الشباب المشهد السياسي وصعدوا لمنصة التمثيل كفئة أولي في المناصب العليا والهامة في البلاد ، مثل تعيين الأمير محمد بن سلمان وزيرا للدفاع ووليا لولي العهد ، وتعيين الأمير محمد بن نايف وزيرا للداخلية ووليا للعهد، وعادل الطريفي، وزير الثقافة والإعلام،ووليد الصنعاني، وزير العدل، واجمالا جاءت الحكومة الجديدة، التي صدر أمر ملكي من العاهل السعودي الجديد الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود بتشكيلها، لتضم 29 وزيرا، منهم 3 وزراء في الثلاثينات، بينهم كما أسلفنا أصغر وزير عرفته السعودية الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، حامل حقيبة الدفاع، بسن 30 عاما، ووزيرين في الأربعينات، و14 وزيرا في الخمسينات، مما يعني وجود 19 وزيرا دون سن الـ60 عاما، وهي علامة فارقة في التاريخ السعودي ،بل والعربي أيضا، بالإضافة إلى التغيير الجذري في أجهزة الدولة التي تتناسب وفقا لاحتياجات العصر وتراعي تجديد الدماء واختيار أصحاب المرونة والأفكار المبتكرة ، كما تطورت الانتخابات البلدية لتشارك المرأة السعودية لأول مرة في الترشح للانتخابات وتحصل كذلك علي حق التصويت
واهتم الملك سلمان بتطوير الخدمات والمرافق وفقا لمتطلبات المواطن السعودي ، خاصة في القطاع الإسكاني الذي كان يعاني من نقص في الوفاء بحاجة المواطنيين، ولأول مرة تم إقرار الميزانية العامة الجديدة ، التي تهدف إلى تنمية الاقتصاد الوطني السعودي دون الاعتماد بشكل رئيسي على النفط كمصدر وحيد للدخل القومي ، وهذا الإنجاز يعد الأهم في تاريخ المملكة العربية الاقتصادي ، ويحظى بتحول اقتصادي غير مسبوق .
توسعة الحرمين الشريفين
أشرف الملك سلمان على عملية توسعة الحرمين الشريفين، ومشروع رقع الطاقة الاستيعابية في المطاف ، وكذلك المخططات الخاصة بمراحل عملية تنفيذ توسعة الحرم وتفاصيلها، بالاضافة الي خمس مشروعات خاصة بتوسعة مسجد الحرام في مرحلته الثالثة ، والتي تشمل الساحات والأنفاق والمبنى الخاص بالخدمات ، بالإضافة إلى الطريق الدائري الأول .
وكذلك مشروعات توسعة الحرم النبوي وتوسعة المسجد النبوي ودرب السنة ، وتوسعة مسجد قباء بالإضافة إلى مشروع دار الهجرة وبقية المشاريع المتعلقة بذلك ، بالاضافة إلي تدشين مطار الأمير محمد بن عبدالعزيز الدولي الجديد الذي يقع في المدينة المنورة ، حيث تبلغ طاقته الاستيعابية أكثر من ثمانية ملايين مسافر سنويا في مرحلته الأولى ، وسيتم رفع طاقته الاستيعابية لتصبح 18 مليون مسافر ، اما في المرحلة الثالثة سيتم توفير أكثر من أربعين مليون راكبا سنويا.
وهكذا، وبعد عام كامل علي توليه المسئولية أثبت الملك سلمان بن عبدالعزيز أنه بذل قصاري جهده كخادم للحرمين الشريفين، ومسئول عن الأشقاء في المملكة العربية السعودية، ولعب بإمتياز دوره الخارجي علي المستويين الاقليمي والعالمي.