عاجل
الخميس 14 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي
مصر بين حدثين !
بقلم
محمد نجم

مصر بين حدثين !

بقلم : محمد نجم

فى نهاية الأسبوع الماضى، شهدت مصر حدثين مختلفين لدرجة التضاد، أحدهما مثل قوة دفع إضافية لقطار التنمية الاقتصادية والاستقرار السياسى..



والثانى كان محاولة للتشكيك والإرباك كمن يمسك بتلابيب شخص يجاهد بكل قوته للوصول إلى الشاطئ بعد أن قطع مسافة طويلة من السباحة فى بحر متلاطم الأمواج.

وأقصد بالحدث الأول.. زيارة العاهل السعودى الملك سلمان بن عبد العزيز إلى القاهرة.. وما تعنيه تلك الزيارة من إشارات وما سوف يترتب عليها من تداعيات.

 

أما الحدث الثانى.. فهو «الضجيج» الإعلامى المفتعل لمقتل الباحث الإيطالى «ريجينى» على الأراضى المصرية، والمقترن بـ «غموض» شديد لم تستطع أجهزة الأمن المصرية والإيطالية فك طلاسمه حتى الآن، ومن ثم كان مرتعا خصبًا للشائعات والتخمينات.. بسبب آثار التعذيب التى وجدث بجثة ريجينى التى ألقيت عمدًا على جانبى طريق القاهرة - الإسكندرية الصحراوى.

ولا جدال أن زيارة خادم الحرمين الشريفين إلى القاهرة تضع الكثير من النقاط على الحروف حتى يعلم من يريد أن يفهم طبيعة العلاقة بين البلدين الشقيقين والتى سادها الود والاحترام والتنسيق المستمر مع هامش من حرية الحركة طبقًا للظروف والأولويات لكل بلد على حدة، ذلك على الرغم من تغيير أنظمة الحكم فى مصر واختلاف توجهاتها السياسية، وأيضًا تعاقب ملوك الأسرة السعودية بعد الأب المؤسس فى 1926.

فالبلدان الشقيقان هما أعمدة الحكمة وقوة الدفع لمفهوم العروبة وما يعنيه من التكامل البناء والتعاون المثمر.

مصر بالموقع والتاريخ.. والتنوع الاقتصادى.. وكوادرها المؤهلة والمدربة وجيشها القوى.

والسعودية شبه الجزيرة المترامية الأطراف حباها الله من خيرات فى باطن أرضها، وباعتبارها قبلة المسلمين والعرب.. وأيضًا بجامعاتها الحديثة وشبابها الواعد.

ويكفى الإشارة هنا إلى ما فعله الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز عندما بادر وقاد عمليات وقف إمدادات البترول العربى للدول الداعمة لإسرائيل فى حرب أكتوبر 1973.

وأيضًا ما قدمه الملك الراحل عبد الله من دعم سياسى واقتصادى لمصر بعد أحداث يناير 2011، وما يقدمه حاليًا الملك سلمان من مساعدات اقتصادية تم الاتفاق عليها فى مؤتمر شرم الشيخ والتى بلغت 4 مليارات دولار، ثلاثة منها كانت فى صورة مواد بترولية.. والمليار الرابع وديعة بالبنك المركزى المصرى.

هذا فضلًا عما أعلن خلال الزيارة من توقيع أكثر من 14 اتفاقية تمويلية لمشروعات مصرية بتكلفة تزيد على 2 مليار دولار، منها 1.5 مليار لمشروعات تنموية بمنطقة سيناء، والباقى لتطوير قصر العينى ولمحطة كهرباء غرب القاهرة، هذا بخلاف المشروعات الاستثمارية المشتركة التى تم الاتفاق عليها فى اجتماعات مجلس الأعمال المشترك واللجنة المصرية السعودية.. والتى شارك فيها جمع غفير من رجال الأعمال والمستثمرين فى البلدين.

والأهم من كل ذلك.. هو ما تمثله الزيارة من وحدة العمل العربى المشترك وإن اختلفت وجهات النظر حول بعض القضايا مثل مستقبل النظام السورى.. أو تواجد قوات برية مصرية على الأراضى اليمنية.. فى إطار عاصفة الحزم التى يبدو أنها على وشك الانتهاء، حيث تستضيف الكويت حاليًا مفاوضات بين ممثلى السلطة الشرعية والحوثيين باليمن الشقيق.

ومن ثم آن لكل حاقد أو فى نفسه مرض.. كان يراهن على وجود «فجوة» أو توتر فى العلاقات بين البلدين الشقيقين أن يعلن بكل صراحة أنه خسر الرهان!

 

أما الحدث الثانى.. وهو تداعيات مقتل الباحث الإيطالى ريجينى فى مصر.. والذى تم استغلاله بصورة سيئة من أطراف عديدة.. فإنه يحتاج لبعض الشرح والتوضيح، حيث بداية لابد من رفض ما حدث وإبداء التعاطف الشديد مع أسرته، فلا يوجد ما هو أقسى على الأهل من فقد ابن لها فى مقتبل العمر.. كان ينتظره مستقبل مشرق بسبب تفوقه الدراسى واستعداده العلمى، خاصة عندما لا يكون الحادث قضاء وقدرًا.. أى حادث مرور أو غرق أو حريق أو ما شاب ذلك، وإنما المشكلة أنه كان متعمدًا.. بل مؤلمًا بسبب ما وجد بجثته من آثار تعذيب.

ولكن يجب الإشارة إلى نقطتين.. أولهما: أن الأجانب وأيًا كانت جنسياتهم مرحب بهم على أرض مصر دائمًا، وأشهد أنهم يحظون بمعاملة تفضيلية مع الأجهزة الحكومية وفى أقسام الشرطة، كما أن الكثير من أعضاء الجالية الإيطالية يعيشون فى مصر منذ سنوات طويلة ويستمتعون بكرم ضيافة أهلها بدون أية مشاكل تلفت النظر.

أما النقطة الثانية فهى أن مصر «الدولة» لم تدخر وسعًا فى كشف غموض الحادث، وأبدت استعدادها للتعاون التام مع الجانب الإيطالى للوصول إلى الجانى، واستقبلت بالفعل مسئولين إيطاليين من النيابة والشرطة والأجهزة الأخرى، وعقدت اجتماعات مشتركة مع النظراء المصريين لفك طلاسم الحادث، بل سافر وفد خاص برئاسة النائب العام المساعد إلى العاصمة الإيطالية روما ليعرض على الجانب الإيطالى آخر المستجدات فى القضية، وأعتقد أنه قد يقوم بزيارة أسرة الباحث لتقديم واجب العزاء.

نعم.. حدثت تصرفات وأعلنت تصريحات أثارت كثيرًا من البلبلة.. منها مثلًا ما أعلن أن القتيل ضحية حادث مرورى! وكذلك ما أعلن استيلاء عصابة من الأشقياء على متعلقاته، أو ما نشرته بعض الصحف الإيطالية نفسها أن علاقات القتيل كانت متشعبة وغامضة، وإنه كان على علاقة ما بالمخابرات البريطانية، وإنه كان «غارق» فى علاقات جنسية غير سوية.. إلخ.

ومع ذلك.. هناك حقيقتان لا يمكن إغفالهما.. الأولى: أن أجهزة الأمن المصرية ليست بالغباء ولا السذاجة التى أراد مرتكبين الحادث الإشارة إليها، فلا يمكن إذا كانت هى الفاعلة أن تظهر جثته على الملأ أو تحتفط بمتعلقاته سليمة، وكأنها تشير على نفسها بارتكاب الحادث، كما أن مصر «الدولة» لا تتردد فى معاقبة المخالف للقانون، وأيًا كان منصبه أو طبيعة عمله.. والمحاكم المصرية تشهد حاليًا الكثير من مثل هذه القضايا، ولعل آخرها قضية ضابطى أمن الدولة اللذين استجوبا محامى قسم المطرية، حيث حكم عليهما بالسجن المشدد.

أما الحقيقة الثانية: فهى ضرورة البحث عمن له مصلحة فى مقتل الباحث الإيطالى وفى هذا التوقيت بالذات، والمستهدف منه «تخريب» العلاقة بين مصر وإيطاليا الشريك الأجنبى الفعال فى مجال التعاون الاقتصادى والتبادل التجارى.. كما أن مواطنيه الأكثر توافدًا إلى مصر للسياحة.. وليس الشريك الإيطالى فقط.. بل المستهدف أن يمتد التخريب إلى بقية دول الاتحاد الأوروبى!

نعم الأسرة مكلومة لفقد ابنها.. والجانب الإيطالى منزعج من الحادث.. ولكن لا بد من التروى واستعمال العقل عند التحليل للأسباب والنتائج والتداعيات.

فهل كان الجانب المصرى عاجزًا عن ترحيل الباحث الإيطالى إلى موطنه إذا وجده يقوم بأنشطة غير قانونية.. أو ليست لها صلة بطبيعة بحثه عن النقابات العمالية؟!

ثم متى قبضت الشرطة المصرية على أجنبى وعذبته من قبل؟! وإن حدث القبض فهو لا يتم إلا فى حالة «الجاسوسية» المؤكدة بالأدلة والبراهين والشهود.. وهذا يتم التحقيق معه ويحاكم وغالبًا ما يتم الإفراج عنه لأسباب أمنية أو سياسية!

وقد تصادف منذ عدة سنوات أننى كنت شاهد عيان على خناقة بين مصرى وأجنبى على أولوية المرور بشارع نادى الصيد بمنطقة الدقى، واستفزنى وقتها تبجح الأجنبى وألفاظه الجارحة للمصريين بصفة عامة، ومع ذلك لم يتدخل أحد لمساندة الطرف المصرى، بل عندما حضرت الشرطة لموقع المشاجرة أخذت المصرى معها وصرفت الأجنبى من مكان الحادث مع شبه اعتذار عما حدث!

فالكل يعلم أن مصر مضيافة وأن الأجانب يحظون بمعاملة خاصة مميزة عن ولاد البلد، ومن ثم لا بد من استمرار البحث بالتعاون مع الجانب الإيطالى للوصول إلى الجانى الحقيقى وإفشال مسعاه، فضلًا عما يعنيه ذلك من كشف الحقائق أمام الرأى العام الدولى وما يمثله ذلك من تعزيه لأهل الفقيد وتبرئة مصر مما حاول البعض إلصاقه بأجهزتها.

حفظ الله مصر.. ووقاها من شر الفتن!

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز