

رشا بكر
أبعاد وتداعيات الخلاف المصرى الأوروبى
بقلم : رشا بكر
هل سيستمر التوتر بين العلاقات المصرية الأوربية هل تقترب مصر من المربع صفر.. هل سيؤدى هذا الخلاف إلى عقوبات اقتصادية مرتقبة ضد مصر ؟ أسئلة تتردد اصداؤه كثيراً خلال هذه الأيام .. مما يثير حفيظة قطاع لا يستهان به من المواطنين داخل البلاد وخارجها مخافة أن تفضى الأزمة بين مصر وايطاليا إلى عواقب متردية واحتقان العلاقات بين البلدين، فمقتل الطالب ريجينى قد أثار غضباً ايطالياً قد يطول عدد من دول أوروبا كما يرى الخبراء أن الملف برمته قد ينتقل من خانة المباحثات السياسية إلى العقوبات الاقتصادية
تُعتبر العلاقات الدبلوماسية عاملا هاماً .. ليس على الصعيد الاقتصادي فقط، بل الثقافي والسياسي، وحماية الرعايا، وكذلك العمل على تدعيم الصلات وتوطيد العلاقات العلمية والثقافية والاقتصادية أيضا، فهل ستستطيع مصر كدولة الاستغناء عن كل ذلك؟ إفتراضية متشائمة بعض الشىء أتمنى الا تحدث فهل نحن بصدد نقطة النهاية لسيرورة التطور السياسي الممهِّد - عادة - إلى فرض عقوبات من تلك الدول، وتحمُّل تدابير قسريَّة تجاهنا؟ وهو ما ينطوي على مخاطر كبيرة للاقتصاد المصري الذي يعاني بالأساس خاصة فيما يتعلق بأزمات العملة الصعبة وتراجع السياحة والاستثمارات، وأية قرارات عقابية من جانب الاتحاد الأوروبي ضد مصر سيكون لها تأثيرها على السياحة الأوروبية والاستثمارات الأجنبية.
هل نحن نقترب لنقطة مظلمة سبقتنا إليها كل من السودان وليبيا؟
على الرغم من أنه لم يطالب صراحة بفرض عقوبات اقتصادية أو إيقاف المنح والمساعدات، إلا أن لهجة بيان الاتحاد الأوروبي الشديدة وحالة الانفعال التي سادت البرلمان خلال الجلسة التي علق فيها عدد من النواب صور ريجيني على مقاعدهم تثير المخاوف من أن العقوبات الاقتصادية قد تأتي في مرحلة لاحقة، خاصة إذا ما اعترضت إيطاليا على سير عملية التحقيق.
لا أحد يستطع العيش منفردًا على جزيرة منعزلة عن باقي البشر، حتى وإن كان يتمتَّع بكامل وسائل الرفاهية على تلك الجزيرة.. فالعلاقات الأوروبية تحديدًا كانت - وما زالت - عبر التاريخ تثري ثقافتنا.
بدأت الأزمة منذ مقتل الشاب ريجيني، الذي كان يجري أبحاثًا حول العمال والحقوق العمالية المصرية، ذلك الشاب الذي أدى مقتله إلى اندلاع غضبٍ عارمٍ ليس في إيطاليا فقط، بل انتشر إلى دول الاتحاد الأوروبي، حسب ما جاء بوكالة إنسا الإيطالية، وعن لسان رئيسة مجلس النواب الإيطالي لورا بولدريني، والتي دعت أوروبا كلها للبحث عن الحقيقة في قضية ريجيني.
وقالت لورا: "لقد قتل ريجيني، ووجدت علامات تعذيب واضحة على جثته، أعتقد أن تلك القضية تمثل اختبارًا للمواطَنة الأوروبية"، وختمت كلمتها بقولها: «عندما يعامَل مواطن أوروبي على هذا النحو، فأعتقد أنه يجب على القارة الداعمة للحقوق التعاون المشترك من أجل الحقيقة".. وكلام لورا الأخير يعني أن الأمر لن يقتصر عن توتر فى العلاقات المصرية الايطالية، وإنما من جهة شعوب أوروبا كلها.
وفي الأسبوع الماضي أعلنت بريطانيا كسر حاجز الصمت بشأن تعذيب وقتل ريجيني، فقال إيه إتش هيلر، الزميل المساعد في المعهد الملكي البريطاني للخدمات المتحدة: "هذه سابقة كبيرة، ليس بالنسبة للإيطاليين فحسب، ولكن بالنسبة للاتحاد الأوروبي بأسره"، وتابع هيلر: "في نفس الوقت الذي رفضت فيه إيطاليا مختلف الروايات التي ذكرها المحققون المصريون، عن ملابسات مقتل ريجيني، ومن بينها أنه قتل في حادث مروري"!
وعلى صعيد آخر، فقد اكتسبت قضية ريجيني بعدًا عالميًّا، في وقت دافع الرئيس السيسي عن تعامل بلاده مع التحقيقات في مقتل الطالب، قائلا: "مزاعم تواطؤ الأمن المصري في مقتل ريجيني يضع البلاد في خطر"، تلك التصريحات التي جاءت وسط إشارات بأن مصر مستعدة لتنفيذ مطالب إيطاليا في الحصول على بعض سجلات الهاتف المحمول لعدد من الأشخاص؛ إذ أن هذا يمكن أن يساعد في التعرُّف على الجناة المحتملين وراء اختفائه يناير الماضي.
وأضاف السيسي: "نحن المصريون ننشر هذه الادعاءات والأكاذيب، وبمجرد إعلان مقتل الشاب، قال البعض إن أجهزة أمنية هي من قتلته، وهو الأمر نفسه الذي تردده مواقع التواصل الاجتماعي".
تلك التصريحات التي اعتبرها رافييل ماركيتي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة لويس في روما؛ "إشارة سيئة"، ويذكر أيضا أن إتش إيه هيلر قال تعقيبًا على تصريحات الرئيس: "أن روما والرأي العام الإيطالي لا يرون أي شفافية في تعامل القاهرة مع القضية.. وتابع أن السيسي يعلم أنه سيكون هناك الكثير من الضغوط، لكنه يبدو غير قادر على إدراك كيف أصبحت صورة القاهرة في إيطاليا".. وفي الوقت نفسه قررت إيطاليا تجميد المشروعات الاستثمارية المشتركة بين البلدين منذ أيام، وفى أثناء المؤتمر الأخير الذى عقد للرئيسين المصرى والفرنسى والذى اشار فيه السيسى إلى قوى الشر التى تسعى لهدم العلاقات المتبادلة بين مصر ودول اوروبا قائلا "أن ما يتم في مصر محاولة لعزل البلد عن صعيدها العربي والدولي، علاقاتنا بفرنسا وإيطاليا جيدة ولا يمكن أن ننسي الدعم الذي تلقيناه"
الآن قد نتصور فداحة الأزمة وعواقبها، فعادة قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدول يأتي تدريجيا، بقطع المعونات الاقتصادية، وتحجيم الاستثمارات، فأوروبا هي الشريك الاقتصادي الأول لمصر؛ نظرًا لاعتبارات القرب الجغرافي والتاريخ المتبادل، فبنهاية 2015 زاد حجم التبادل التجارى بين مصر ودول الاتحاد الأوروبى بنسبة 10% مقارنة بالعام الماضي، حيث بلغ التبادل التجاري عام 2014، 25.5 ملياردولار، ويبلغ إجمالي حجم التجارة بين مصر والاتحاد الأوروبي 40% من إجمالي حجم التبادل التجاري المصري على مستوى العالم.
أما منح الاتحاد الأوروبي، للحكومة خلال العام الماضي، بلغت 1.1 مليار يورو، تم من خلالها تمويل أكثر من ألفى مشروع، ونسبة 45% من إجمالى المنح تم توجيهها إلى المساعدات البشرية والاجتماعية في قطاعات الصحة والتعليم، بينما تم توجيه 40% من المنح لمشروعات البنية الأساسية، كما أن حجم القروض من مؤسسات التمويل الأوروبى لمصر بلغ 2.3 مليار يورو خلال 2015
على جانب اخر فسيؤدى الإحتقان الدبلوماسى بين مصر و دول أوروبا اذا ما حدث إلى الإحجام عن إرسال و استقبال بعثات علمية، ما يعنى مزيدًا من التأخُّر في مجالات البحث العلمي المختلفة، ناهيك عن الأثر الاجتماعي والثقافي الذي يمدُّنا بالفكر المتحضر و إحترام حقوق الانسان والدفاع عن الحريات كما اشارالرئيس الفرنسى اولاند اثناء زيارته الاخيرة لمصرحيث اعتبر هولاند أن احترام "حقوق الإنسان هو أيضا وسيلة لمكافحة الإرهاب"، فيما أشار السيسي إلى أن حقوق الإنسان تشمل أيضا "الحق في التعليم والعلاج والسكن" وتابع الرئيس السيسي : إن (قوى الشر) تسعى إلى هز استقرار مصر، وتحاول تحطيم مؤسسات الدولة المصرية، وعزل مصر عن محيطها العربي والأوروبي، واضاف ايضا "إن ما يحدث في مصر محاولة لتحطيم مؤسسات الدولة مؤسسة مؤسسة، والنهاردة يتم مهاجمة الشرطة لإلصاق التهم بها ثم إلصاق التهم بالقضاء والبرلمان الذي تم انتخابه بشكل شفاف ويعبر عن إرادة المصريين".
هل نحن مستعدون لخسارة حليف اقتصادى هام؟ هل نحن مستعدون للتضحية بمصدر ثقافى يمد البلاد بالتيار الذي يقف في إتجاه معاكس من التيارات الظلامية، انقطاع العلاقات هو بمثابة توقف للحركات الثقافية والفكرية المؤثرة فى الشعوب، وهذا يعني أن مصر ستزداد انغلاقًا أكثر وأكثر، مما سيعطي مساحة أكبر بكثير من أي وقت سابق لأنتشار التيارات المتشددة المتعصبة ظلامية الفكر صانعة الإرهاب، وإنتاج عدد أكبر من المنتميين لهذا الفكر المنغلق على أرض وطن لا يعرف التمييز والعرقية منذ فجر التاريخ، وطن يعيش في سلام وبسلام، ولقِّب ببلد الأمان، فهل ستصبح كنيته - على أثر ذلك- ببلد الفزع المفزع والقتل والإرهاب؟
بلد يحاول النهوض وتجاوز أزمة اقتصادية، بلد يذرف دمًا، وعروقه تجأر ضياعا من انتشار الجهل، وتفاقم الفقر يجاهد فيه شرفاء متصدين لقوى الفساد، يدرك قطاع كبير من أبنائه أنه لا سبيل للعيش إلا إن امتدت له أيدي المساعدة.. ويعلم قطاع منه أيضا أنه لا أحد يهب بلا مقابل!
لا يوجد دولة فى المجتمع الدولى تستطيع العيش منعزلة للأبد عن بعض أو كل الدول تلك
حقيقة مسلّم بها.