

عيسى جاد الكريم
ثورة 30 يونيو..رحلتي من التحرير إلى الاتحادية وإنقاذ مصر من الهاوية
في صيف 2013، كتب المصريون فصلًا جديدًا من فصول نضالهم حين خرجوا كالبحر الزاخر يهتفون "يسقط حكم المرشد"، لتكون ثورة 30 يونيو نقطة تحول تاريخية أنقذت مصر من مصير مظلم.
كنت أحد الذين ساروا ذلك اليوم من ميدان التحرير إلى قصر الاتحادية، شاهدًا على ملايين المصريين من أعضاء "حزب الكنبة" – أكبر حزب سياسي غير مُعلن في مصر – والذين حولوا شوارع القاهرة إلى نهر إنساني يرفض مشروعًا سياسيًا كاد أن يسقط الوطن في براثن الفوضى.
هذه الثورة لم تكن احتجاجًا عابرًا، بل كانت إرادة شعب أعادت مصر إلى مسارها الحضاري قبل أن يسير بها قطار المتطرفين إلى مصير مجهول.
كنت واحدًا من الملايين الذين عاصروا هذه الثورة العظيمة بشكل شخصي، شاركت في أحداثها وساهمت في صنعها ربما بشكل غير مباشر، ولم أكن أطمح بكل ما فعلت إلا لخدمة هذا الوطن.
ولا يزال الذين شاركوني في حلم إنقاذ هذا الوطن يعيشون بيننا، شاهدين على ما حدث وما قدمنا، بداية من وقوفنا أمام وزارة الدفاع في العباسية في 23يوليو 2011 حين تصدينا بصدورنا لمحاولات شرذمة من المغرر بهم ممن ينتمون لجماعات الإسلام السياسي والمتطرفين و"رد السجون" وبعض الحركات المدعومة من أجهزة مخابرات لاقتحام مبنى وزارة الدفاع، في محاولة لكسر هيبة الجيش وإشاعة الفوضى. وهذا ما رفضناه كان رقوفنا دعما للجنود أمام الوزارة شيء مهم تأكيدا لرسالة واحدة أن الشعب ونحن منه خلف مؤسسته العسكرية الوطنية، حتى تدخلت الشرطة العسكرية بحسم بمساعدة أهالي العباسية لتفريق المجرمين والقبض على بعضهم.
منذ ذلك اليوم، عندما رأيت مدعي الإسلام السياسي يريدون النيل من مؤسساتنا العسكرية الوطنية، رمز عزتنا وانتصارنا على إسرائيل، أيقنت أن هؤلاء شر على الوطن ويجب مقاومتهم بكافة السبل مهما ادعوا من حب زائف للوطن.
لا أنكر حزني الشديد في مقر هيئة الاستعلامات خلال المؤتمر الصحفي الخاص باللجنة الوطنية للانتخابات عندما تم الإعلان عن فوز مرسي بالرئاسة في يونيو 2012، الذي جاء تحت تهديد مصر كلها بالنيران. وكنت قبل أن ندخل لمقر المؤتمر أحدث اللواء حمدي بدين قائد الشرطة العسكزية وقتها، والذي كان يقف بقوة عسكرية كبيرة يحمي هيئة الاستعلامات قبل الإعلان الرسمي :"لماذا تصمتون على تهديد الإخوان بحرق مصر في حال لم يفز مرسي؟" فضحك وقتها ضحكة وقال لي: "إحنا جاهزين والبلد متأمنة كويس ورجالتنا جاهزين".
قرأت المشهد وقتها مبكراً قبل الإعلان الرسمي من قبل رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار فاروق سلطان ، أن مصر أبقى وأن من الشجاعة والذكاء أن تترك المجرم يعتقد أنه انتصر، خرجت من الهيئة والدموع متجمدة في عيوني مع الكثير من الصحفيين الذين حضروا المشهد، وأنا أقسم أن هذا الرئيس الذي حصل على منصبه بالظلم والإرهاب لمصر وشعبها لن يكمل في حكم مصر،وصدق كلامي، وخلال عام واحد فقط من حكم الرئيس محمد مرسي (2012-2013) أُزيح من الحكم.
فقد تفاقمت الأزمات الاقتصادية وانقطاع الكهرباء وانهيار الخدمات، وشاهدت بعيني وقائع محاباة للأهل والعشيرة، في محاولة لـ"أخونة الدولة" وتهميش المؤسسات.
وكان بداية السقوط انتهاك الشرعية الدستورية التي أتت بمرسي عندما ألغى الإعلان الدستوري المكمل في سبتمبر 2012. ثم أصدر مرسي في نوفمبر 2012 "إعلانًا دستوريًا مكملًا" منح نفسه سلطات مطلقة، وحصّن قراراته من الطعن القضائي، مما أشعل احتجاجات عنيفة واعتداءات من أنصاره على المتظاهرين السلميين. خرجت مع عشرات الزملاء الصحفيين على سلم النقابة لندين ذلك الإعلان الدستوري الإجرامي الذي وضع كل السلطات في يد الرئيس.
أتذكر عندما تصدرت صورتي وكالات الأنباء العالمية وأنا أضع شريطًا لاصقًا على فمي، كناية على أن مرسي ورفاقه يريدون تكميم أفواهنا، وأذكر أنني كتبت مقالًا حينها في 26 سبتمبر 2012 بعنوان "ماذا يحدث لو مات الرئيس؟".
وأذكر يومها أنني اعترضت على إلغاء الإعلان الدستوري المكمل ثم أصدر مرسي إعلانًا دستوريًا يضع كل السلطات في يده، وكتبت تغريدة بذلك على تويتر، فإذا بأحد المنتمين للإخوان أو المستفيدين منهم يهاجمني معلقًا على كلامي: "شوفوا ده واحد صحفي بيقبض مرتبه مننا وبيهاجمنا...".
لم أخف وقتها، ولكن ما أزعجني هو هذا التبجح والإجرام منهم والتهديد بقطع عيش إنسان لمجرد أنه هاجمهم على تويتر وكأن مؤسسات الدولة أصبحت ملكهم يستطيعون أن يمنحوا فيها ويمنعوا كيفما شاءوا وكتبت بعدها مقال في بوابة روزاليوسف في 16ديسمبر 2012 اعتراضاً على الدستور الإخواني بعنوان "قولوا نعم للدستور ليكون رئيس مصر إسرائيلي".
الغريب أن هذا الشخص الذي هددني بقطع عيشي وفصلي من روزاليوسف يعيش هاربًا الآن خارج مصر وكان يعمل في مؤسسة استولت على الملايين الجنيهات أُعطيت لها تحت مسمى توثيق أعمال الدستور2012 والذي تم اقراره وقتها في استفتاء شعبي بنسبة 63.8% وقتها يعني مجرم وكان مستفيدًا من هذه الجماعة وإجرامها.
ولم يكتفِ مرسي وجماعته بوضع السلطات التنفيذية في الإعلان الدستوري المكمل في نوفمبر 2012 في يده، بل قام بتعيين النائب العام "طلعت عبد الله" بقرار رئاسي، منتهكًا استقلال السلطة القضائية بعد أن كان منصب النائب العام محصنًا ويصعب عزله، مما دفع القضاة إلى وصف ذلك بـ"اليوم الأسود في تاريخ القضاء المصري".
لا أنكر أنني أنشأت العديد من المدونات بأسماء مستعارة كانت تهاجم الإخوان وحكومتهم بعد أن وجدت نهمهم للسلطة وعملهم فقط من أجل جماعتهم وعشيرتهم دون اعتبار. لباقي أفراد الشعب.
ووجدت كغيري في حركة تمرد طريقًا سلميًا للتغيير. فبعد أن تأسست حركة تمرد في أبريل 2013، أسرعت لملء استمارة للمطالبة بإجراء انتخابات مبكرة. وجمعت الحركة 22 مليون توقيع للمطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة وقتها.
رفض مرسي مطالب حركة تمرد ووصفها بـ"العبثية"، لكن الحركة نجحت في حشد الجماهير لـ30 يونيو.
ولا أنسى الموقف الشجاع لشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب الذي دعا إلى تجنب "الحرب الأهلية"، وحذّر البابا الوطني تواضروس الثاني من المخاطر المحدقة بالوطن، مما عزز زخم المعارضة التفاف الناس حول هدف واحد هو إنقاذ مصر من هؤلاء.
وكنت قد كتبت مقال يوم 29 يونيو 2012 احث فيه الناس على النزول والمشاركة في الثورة بعنوان "منافع 30 يونيو ووجباته " اندلعت ثورة 30 يونيو وخرج الناس في كافة المحافظات والمدن للميادين فكانت الثورة السلمية بحرًا بشريًا يعبر عن الإرادة.
خرج ما يقرب من 30 مليون متظاهر (حسب تقديرات مختلفة) في كل محافظة مصرية، رافعين شعارات: "ارحل يا مرسي" و"يسقط تجار الدين" و"يسقط يسقط حكم المرشد" في القاهرة، تجمع المحتجون عند قصر الاتحادية، يومها سرت من التحرير إلى مصر الجديدة حيث مقر قصر الاتحادية، رأيت العمال والفلاحين والأطباء والمدرسين عائلات بأكملها شباب من مختلف الأعمار وحتى كبار سن وأشخاص كراسي متحركه يتوافدون من كل الشوارع وكان عددنا يكبر كلما مررنا بشارع. ومن التحرير لمصر الجديدة لم نشعر بالتعب أو ببعد المسافة، ففي كل مكان أو ميدان كنا نمر به كنا نجد الناس يهتفون معًا: "يسقط حكم المرشد!".
كانت لحظة وحدة وطنية نادرة، حيث اندمجت كل الطبقات في هدف واحد: إنقاذ مصر. يومها ودعت أبنائي وقلت لهم: "لن أعود إلا بعد إزاحة المرشد ومرسي وعشيرته".
وبدأت تأتي لنا الأخبار حيث شهد اليوم الأول اشتباكات عند مقر الإخوان في المقطم أسفرت عن 10 قتلى، واحتراق مكاتب الجماعة. وفي 2 يوليو، سقط 22 قتيلًا في اشتباكات جامعة القاهرة.
في يوم 1 يوليو، أصدر وزير الدفاع الشجاع عبد الفتاح السيسي وقتها بيانًا تاريخيًا أمهل فيه القوى السياسية 48 ساعة لتحقيق مطالب الشعب، محذرًا "خطر شديد على الأمن القومي".
وشهدت الحكومة استقالات متتالية قدم خلالها خمسة وزراء و30 عضوًا بمجلس الشورى استقالاتهم تضامنًا مع المتظاهرين.
في 3 يوليو 2013، أعلن وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي - محاطًا بقادة الأحزاب السياسية وعدد من السياسيين والشباب وفضيلة شيخ الأزهر والبابا تواضروس - خارطة طريق تضمنت: تعطيل الدستور_ تكليف رئيس المحكمة الدستورية المستشار عدلي منصور بإدارة شؤون الدولة كرئيس مؤقت للبلاد_إجراء انتخابات رئاسية مبكرة_
تشكيل حكومة توافق وطني،
وسط فرحة عارمة من الناس في الشوارع بكينا كأن الوطن ولد من جديد على يدينا، بكينا لأننا شعرنا أننا حققنا ما خرجنا له وأنقذنا الوطن من الوقوع في أيدي القوى الخارجية، بكينا فرحًا بأن جيشنا القوي الذي انتصر في أكتوبر 1973 انتصر من جديد في 3 يوليو 2013.
وبعد نجاح ثورة 30 يونيو انطلقت مصر باستقرار سياسي من خلال دستور 2014 وافق عليه 98.1% من الناخبين، ثم انتخابات رئاسية 2014: فاز فيها المشير عبد الفتاح السيسي بنسبة 96.9%، لتبدأ مرحلة "تثبيت أركان الدولة".
وبعد ذلك، شهدت مصر تحولات كبرى في بنية الدولة من مشروعات قومية عملاقة وبناء العاصمة الإدارية، وتطوير البنية التحتية، ونقل الخريطة التنموية "النهر إلى البحر" عبر مدن سيناء والصحراء الغربية و14 مدينة جديدة.
والبدء فعليًا في تحقيق رؤية مصر 2030 من خلال برنامج طموح لتحويل الاقتصاد إلى نموذج إنتاجي يعتمد على التصدير والتكنولوجيا وبرنامج "حياة كريمة" الذي استهدف تطوير كافة قرى الريف المصري.
واستطاعت الدولة المصرية القضاء على الخلايا الإرهابية في سيناء، بعد أن قدّمت القوات المسلحة والشرطة مئات الشهداء في هذه المعركة.
َ
وفي النهاية فأن ثورة 30 يونيو لم تكن مجرد احتجاج، بل كانت إنقاذًا لمصر من مصير مماثل لدول "الربيع العربي" التي غرقت في الفوضى. لقد حطمت هذه الثورة مشروعًا سياسيًا أراد اختطاف هوية الوطن، وأطلقت مسيرة "الجمهورية الجديدة" التي بنيت بتضحيات دماء من خيرة شباب هذا الوطن وكما قال الرئيس السيسي: "كانت نقطة الانطلاق نحو جمهورية جديدة، نسطر تاريخًا بالأفعال".
اليوم، بعد 12 عامًا، لا تُذكرنا ثورة 30 يونيو فقط بسقوط الإخوان، بل بمشاهد الملايين الذين مشوا كالجبال، وبرؤية قائد استجاب لنداء الشعب، وبوطن أعاد اكتشاف مساره نحو المستقبل، فحققوا المستحيل لتكون الثورة ملهمًا لنا في كل وقت أنه بالإرادة والتوحد خلف قائد نستطيع أن نحقق ما نريد لمصرنا الحبيبة.
https://www.rosaelyoussef.com/-3444/%D9%85%D9%86%D8%A7%D9%81%D8%B9-%D9%A3%D9%A0-%D9%8A%D9%88%D9%86%D9%8A%D9%88-%D9%88%D9%88%D8%A7%D8%AC%D8%A8%D8%A7%D8%AA%D9%87
..…
https://www.rosaelyoussef.com/-592/%D9%82%D9%88%D9%84%D9%88%D8%A7-%D9%86%D8%B9%D9%85-%D9%84%D9%84%D8%AF%D8%B3%D8%AA%D9%88%D8%B1-%D9%84%D9%8A%D9%83%D9%88%D9%86-%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84%D9%8A.. .