عاجل
الإثنين 15 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي
البحث عن الخلود! (2-2)

البحث عن الخلود! (2-2)

بقلم : محمد نوار


النفس لابد لها من هيئة لكي تعيش من خلالها، وهذه الهيئة في الدنيا هى عبارة عن جسد مادي يتكون من خلايا لها عمر افتراضي، وعندما يعجز الجسد عن حمل النفس نتيجة لمرض أو لكبر السن، فإن النفس تفارق الجسد الذي يموت، وتدخل النفس في حالة خمول، قال تعالى: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ. ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً) الفجر 28-27، الآياتان تصفان الإنسان يوم القيامة بأنه نفس.
ويوم القيامة ستعاد أنفس كل المخلوقات الدنيوية للحياة وذلك باستقرارها في هيئة جديدة ليست جسداً مادياً، وهو ما يعني بقاء النفس حية باستمرار بما يتناسب مع حياة الآخرة الأبدية، قال تعالى عن أهل الجنة: (لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) الدخان 56، فكل من سيدخلون الجنة سيبقون فيها إلى الأبد، ولن يكون فيها موت، مما يعني أن هيئاتهم لن تكون على شكل أجسام محسوسة مادية كما في الدنيا، لأن الأجساد المادية عرضة للتلف، بينما المخلوقات من طاقة تكون دائمة، كما هو حال الملائكة والجن في الدنيا.



قال تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ) آل عمران 144، والآية مرتبطة بحادثة وقعت في غزوة أحد حين أصيب النبي عليه الصلاة والسلام، ففرح بذلك جيش الكفار وقالوا إنه عليه الصلاة والسلام قد قتل، فنزل قول الله تعالى ليثبت بشرية النبي عليه الصلاة والسلام، وأنه تجري عليه سنن الله الكونية في خلقه من البشر من الموت، وكان من قبله رسل كلهم ماتوا.

فمن سنن الله تعالى عدم الخلود لبشر حتى لو كان نبياً منذ آدم الى يوم القيامة: (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ) الأنبياء 34.

لقد قدر تعالى بيننا الموت الذي يجرى في داخل خلايانا: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) الملك 2، فكل الخلايا تموت لتحل محلها خلايا جديدة، والتغذية ضرورية لتعويض ما يموت أو يتلف من الخلايا، فالخلية الحية تحمل في داخلها عوامل فنائها المادية، وبما أن الموت يعيش في داخل الخلية الحية، إذن فالموت مخلوق مادي موجود داخلنا، ولذلك لا نستطيع الهرب منه: (أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ..) النساء78 .
وهناك أنواع للحياة كما أن هناك أنواع للموت، فالموت الذي يحدث لخلايا الجسد الإنساني الحي يختلف عن الموت الذي يحدث للإنسان نفسه في نهاية عمره، والحياة التي يتحرك بها الحيوان المنوي في اتجاه البويضة غير الحياة التي ينتفض بها الجنين البشرى عند اكتمال نموه ونفخ النفس فيه . وبالتالي فالحياة التي تنبض في الكائنات الدقيقة ذات الخلية الواحدة وفى الفيروسات وهى أصغر المخلوقات المعروفة، تختلف تلك الحياة عن طبيعة الحياة في الثدييات ومنها الإنسان، وهناك أيضاً الذرة بما فيها من نواة وإلكترون وحركة وطاقة وقوة هائلة وهى تعتبر نوعاً من الحياة.

والشمس والقمر والنجوم والكواكب التي تبح في الفضاء تعتبر هى أيضاً نوعاً من الحياة، إن الذرات الدقيقة تدخل في تفاعلات كيميائية لتكون مواد جديدة، والنجم يبدأ صغيراً ثم يصل بعد ملايين السنين إلى منتهى قوته ونشاطه، ثم ينفجر ويموت، ويتحول إلى ثقب أسود في الكون، ثم يتحول إلى طاقة غير مادية ويحبس كل شيء في داخله ويبتلع كل شيء حتى الضوء، إن تعريف الموت والحياة له وجوه كثيرة، بحيث لا نستطيع أن نتصور أبعاد الموت وأبعاد الحياة والحدود التي تقف بينهما، سواء في أدق فيروس أو أضخم نجم.

ويبقى أن الخلود بمعنى الأبدية لن يكون إلا بعد الحساب أمام الله تعالى يوم القيامة وسيكون هذا الخلود إما في الجنة أو في النار، جاء الخلود الأبدى فى الجنة فى قوله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً) النساء 122، وجاء الخلود الأبدى فى النار فى قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا. إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) النساء 169-168.
فالموت من صفات الخلق لا من صفات الخالق: )وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ..) الفرقان 58، وقد يوصف الإنسان أو أي كائن بأنه حي، ولكن لا يتم وصفه بأنه الحي، لأن الحي لا يكون إلا الله تعالى وحده، فكل منا حي أي أحيا حياة مؤقتة يتخللها الموت النسبي وهو النوم، وموت الخلايا داخل جسدنا، وتنتهي هذه الحياة المؤقتة بالموت الكامل للجسد، أما الله فهو الحي الذي لا يموت وما عداه تعالى فهو هالك: (..كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) القصص 88.

وأخيراً، لم يتوقف الإنسان ولن يتوقف ليبتكر وسيلة تصل به إلى الخلود في الدنيا، فالطب الحديث يبتكر أنواعاً من العلاج، ويجري الكثير من العمليات، ليتمكن من أن يمد عمر الإنسان لأطول فترة ممكنة، وأخر هذه المحاولات ما قام به العالم الروسي أناتولي بروشكوف رئيس قسم علوم الحفريات في جامعة موسكو حيث حقن نفسه ببكتيريا عمرها 3.5 مليون سنة، وقد عثر عليها في جليد سيبيريا.

وعلى الرغم من أن الناس على يقين من أن حياتهم ستنتهي بالموت، إلا أننا نرى البعض يتجه في الواقع العملي إلى البحث عن الخلود، ويجدون لهم مبررات كثيرة، ونظريات أكثر، ولكن دون فائدة إلى الآن، ومع ذلك سيبقى الحلم وسيبقى البحث عن تحقيقه.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز