

محمد نجم
فتنة الإرجوت!
بقلم : محمد نجم
لست أدرى هل أطفأت الحكومة نار فتنة الإرجوت؟.. أم أنها كشفت عنها الغطاء بقرارها السماح بدخول القمح المستورد المصاب بهذا الفطر اللعين المحمل بسموم دفينة بطيئة المفعول ولا تظهر آثارها المميتـة إلا بعد فترة طويلة من تناولها؟.
فنحن المستهلكين رضينا ومنذ سنوات طويلة بما تتيحه لنا الحكومة من غذاء ضرورى، وكنا نقبل عليه بنفس راضية مهما ارتفع سعره أو قل وزنه أو تغيرت خواصه، ولم نكن نملك سوى الدعاء لله بالستر والصحة وطول العمر.
فلسنا خبراء فى التغذيـــــة أو الصحة وكنا كثيرا ما نبحث عن أسباب واهية عن تغير طعم ولون ما نأكله مقارنة بما جرى استطعامه من قبل.
وكثير منا أكل لحم حمير ولم ينتبه لنكهتها إلا بعد أن توسعت وسائل الإعلام فى نشر ما يتم ضبطه من عمليات ذبح للحمير خارج السلخانة!
وكثير منا أكل طعمية من فول بترابه مخلوط بعيش ناشف ومقلية فى بقايا زيوت مصانع الشيبسى والحلويات.
ولم نكن نبحث فيما وراء ذلك.. ولكن لفت انتباهنا توسع المجتمع فى بناء مستشفيات علاج السرطان والفشل الكلوى وتليف الكبد.
ويبدو أن تلك «الظاهرة» لفتت أيضا نظر الحكومة فشكلت لجانا من متخصصين لبحث الأسباب، واتضح أن انتشار الأمراض بسبب التوسع فى استخدام المبيدات الحشرية، واستيراد بذور مصابة بالعديد من الأمراض، والأهم من ذلك اكتشفت أن بعض المستوردين للقمح يفعلون كما يفعل تجار لعب الأطفال، حيث يستوردون أردأ الألعاب الصينية لانخفاض أسعارها ولانخفاض مواصفاتها هذا مع أن الصين تنتج الكثير من منتجات الدرجة الأولى والتى غزت بها الأسواق الأمريكية والأوروبية.
وبالطبع الحكومة تعلم أننا الدولة الأولى عالميا فى استيراد القمح من الخارج وأننا لن نتوقف عن الاستيراد لسنوات طويلة قادمة، فالعجز بين المنتج من القمح محليا «8.5 مليون طن» ومعدلا الاستهلاك السنوى «حوالى 18.5 مليون طن»، والبالغ حوالى 10 ملايين طن لابد من تعويضه بالاستيراد من الخارج، حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا ونتمكن من تحقيق الاكتفاء الذاتى من القمح من خلال زيادة المساحة المزروعة حاليا من 3.5 مليون فدان إلى 5 ملايين فدان، وأيضا رفع معدلات الإنتاج الحالى من 20 أردبا إلى 24 أردبا للفدان.. وهو ما يعبر عنه بالتوسع الأفقى والرأسى فى إنتاج القمح السلعة الضرورية والغذاء الرئيسى للشعب المصرى.
والذى يطلق عليه المصريون دون شعوب العالم لفظ «العيش» أى لا يمكن العيش من دونه، بل إنهم يعتبرون هذا العيش «نعمة» وكثيرا ما يرفعه البعض على عينيه ويحلف به عندما يريد من الآخرين تصديقه فيما يقول!
كل الحقائق السابقة والظواهر الحالية تعلمها الحكومة وشعرت بها، وعندما لاحظت أن الحكومات السابقة نجحت فى إتاحة «العيش» لكافة المواطنين وخاصة محدودى الدخل والفقراء الذين لا يأكلون الخبز الفرنسى أو غيره من المعجنات المستوردة، اضطرت الحكومة لرفع شعار «الوقاية خير من العلاج» أى بدلا من السماح باستيراد قمح مصاب بالفطريات وأخطرها الإرجوت فتصاب الناس بالأمراض المستعصية، ثم تبنى لهم الحكومة الكثير من المستشفيات لعلاجهم.. وهو ما يكلف المجتمع كثيرا بشريا وماديا.
عندما أدركت الحكومة ذلك- من تلقاء نفسها ودون شكوى منا- قررت فى أبريل الماضى منع استيراد القمح المصاب بهذا الفطر اللعين خاصة وأننا نشترى بفلوسنا والسوق واسع ومفتوح، ولكن أحد الوزراء أنبرى وقرر السماح باستيراد القمح المصاب بهذا الفطر مع ملاحظة النسبة المسموح بها عالميا وهى 0.05%. فما كان من وزير الزراعة المسئول عن غذاء المصريين وعن صحة النباتات المصرية التى يمكن أن يدمرها هذا الفطر لو توطن عندنا، إلا أن يقرر تكليف مراكز البحوث لديه ببحث الأمر، وانتهى الخبراء والمتخصصون إلى ضرورة المنع، والتزم البعض بذلك ونجحت الجهات المعنية فى استيراد حوالى 6 ملايين طن، من يناير حتى نهاية أغسطس الماضى خالية من هذا الفطر وما ثبت إصابته من شحنات جديدة أعيد تصديره للبلد المستورد منه.
وهنا حدثت «الفتنة» فأغلبية أعضاء البرلمان أيدوا قرار وزير الزراعة وأعلنوا مساندتهم له باعتبارهم نواب الشعب ومسئولين عن حماية صحته.
ولكن بعض النواب شركاء أو أصحاب شركات لاستيراد القمح أو مالكو صوامع لتخزينه، تحالفوا مع غيرهم من المستوردين ولوبى منظومة القمح كله وهبوا على القنوات الفضائية الخاصة يصرخون ويهددون، ونجحوا بالفعل فى الامتناع عن المشاركة فى المناقصات التى طرحتها هيئة السلع التموينية لاستيراد قمح من الخارج ولثلاث مرات على التوالى.
ولقد وجد هؤلاء من يساندهم من وزراء الحكومة.. ومنهم من أعلن أنه لا خطورة من هذا الفطر.. وأن هناك عمليات تبخير وتهوية وفرز وعزل.. فلا تخشوا يا مستهلكين خاصة أن معدتكم تطحن الزلط!
هنا خبطت «ركب» الحكومة فى بعضها واستشعرت الفتنة قبل حدوثها، فقررت السماح باستيراد القمح المصاب بهذا الفطر وبشرط عدم زيادة النسبة عن المعدل العالمى!
خلاص يا حكومة إحنا مصدقين إنك حريصة على صحة الشعب، وسوف تراقبى كل مستورد بعدد من المخبرين، وسوف تشكلين مئات اللجان للفحص، ولجان أخرى لمراقبة الصوامع وما يسحب منها للمطاحن الخاصة والعامة، وسوف تحيطى الأراضى الزراعية المصرية بأسوار من الصلب حتى لا يتمكن هذا الفطر من اختراقها.. وإجمالا سوف تتخذين كل الاحتياطات اللازمة وإن تمكن فطر لعين من الهرب وأصاب أحد المواطنين فسوف تطبقى عليه الحجر الصحى حتى لا ينقل العدوى للآخرين.
نعم.. نحن نثق فى الحكومة.. أليست حكومة الشعب؟.. ومن هو الشعب؟.. أليس هو مجموعة من رجال الأعمال والمستوردين.. وأصحاب المصالح الذين تجمعهم «شبكات» متداخلة تساند بعضها البعض.. هذا بجانب قلة قليلة من الفقراء ومحدودى الدخل؟.
إذن.. لم يعد أمامنا سوى مخاطبة الرجل الأمين المخلص الرئيس عبد الفتاح السيسى.. «إنقذنا يا ريس.. واحمنا من فساد شبكات المصالح»!
حفظ الله مصر وألهم حكومتنا الرشد والصواب..