عاجل
الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
أقرب إلي الشمبانزي

أقرب إلي الشمبانزي

بقلم : محمد عبد السلام

ليس من طبيعة الإنسان قتل أخيه الإنسان، لأن طبيعته الفطرية تدفعه دائما نحو المآخاة والتعايش السلمي، والتسامح مع الآخرين، رغم الإختلافات الكثيرة بينهم، ورغم ذلك نري بأم أعيننا العشرات والمئات، بل والالاف من الحروب والصراعات علي كل شبر من سطح الكره الأرضية.



 

"متي يقتل الإنسان أخية الإنسان؟.. متي يضطر للوقوف أمامة في ميادين المعارك؟.. كيف يري في عيونة الذعر ويسمح نحيب بكاءه وارتجافة جسدة ورغم ذلك يقتلة بدم بارد؟.. أسئلة منطقية حاول باحثي وعلماء "الأنثروبولوجيا" ودراسة الحياة الاجتماعية للبشر الإجابة عليها.

 

"إبحث عن الأيديولوجيات التي يحشو بها الإنسان رأسة".. تلك كانت الإجابة الوحيدة المقنعة التي توصلوا اليها، فأيديولوجيات النبذ والإقصاء والقتل والكراهية، كانت السبب في ذلك، تلك اللأيديولوجيات نزعت من قلب وعقل الإنسان كل شعور بالرحمة والشفقة والإنتماء تجاه أخية الانسان.

 

ومنذ أن قتل "قابيل" أخية "هابيل" وهذا الإنسان يتفنن في إدارة المعارك والحروب بهدف القتل والسيطرة، فإذا كان المقصود من المعركة هو التعدي من طرف واحد فقط، فإن أول ظلم من هذا القبيل قام به "قابيل" تجاه أخاه "هابيل"، وقد إنتهت إلى إرتكاب أول جريمة قتل بعد هبوط النبي آدم "عليه السلام" على الأرض.

 

أما إذا كان المقصود من المعركة هو التقاتل والتنازع بين طرفين والذي يُعبّر عنه بالحرب، فإن أول حرب دارت بين بني آدم، هي التي وقعت بين "شيث" و"قابيل"، ولكننا لا نمتلك اي معلومات كاملة حول هذه المعركة، إلا أن المؤكد فيها أنها دارت بين فريق "قابيل" الذي كان يمثل جبهة الباطل والإنحراف عن الحق من جانب، وبين فريق "شيث" إبن النبي آدم ووصيه الذي كان يُمثِّل جبهة الحق من جانب آخر.

 

لا نعلم حتي الأن متي بالضبط حدثت أول واقعة قتل في التاريخ الإنساني، وإن كانت بلا شك في مطلع بداية نشأة بني الإنسان، وطيلة عدة آلاف من السنين لم يتوقف هذا الإنسان عن قتل بعضة البعض، فسادت الحروب والصرعات الإنسانية، ما آدى إلي إختفاء أعراق وقوميات.

 

"مجرد عمليات مستمرة من العلاقات السياسية، ولكنها تقوم علي وسائل مختلفة".. هكذا عرف البروسي "كارل فون كلاوزفيتز"، ذلك الجنرال والمؤرخ العسكري الذي ولد في عاصمة ولاية "ساكسونيا أنهالت" الألمانية، مدينة "ماغدبورج" عام 1780 ميلادية، وصاحب كتاب "Vom Kriege" أي "من الحرب"، ويعد أهم الكتب الذي أضحت مرجعا للعديد من الأكاديميات العسكرية العالمية، ويعتبر من أكبر المفكرين العسكريين شهرة وتأثيراً على مر التاريخ، فقد وضع نظرية تقول أن "لكل عصر نوعه الخاص من الحروب، والظروف الخاصة، والتحيزات المميزة"، فالجوانب الإستراتيجية والتكتيكية للحرب تتبدل دائما، والنظريات والمذاهب المتعلقة بالحرب غالبا ما تصاغ قبل، وأثناء، وبعد كل حرب كبري.

 

المؤرخ العسكري البريطاني السير جون ديزموند باتريك كيغان في كتابة "تاريخ من الحروب" قال إن الحرب ظاهرة عالمية، وشكلها ونطاقها يحددها المجتمع الذي يقوم بها، وان معاركة تمتد على طول سلسلة متصلة من الحروب القبلية شبه العالمية، والتي بدأت قبل التاريخ المسجل للإنسان، ثم إلى حروب بين المدن أو الأمم أو الإمبراطوريات.

 

"حتي النمل في الجحور يتصارع".. عبارة ساخرة أطلقها السير جون ديزموند في كتابة، فالحرب في رأية لا تقتصر على الجنس البشري، حيث ينخرط النمل في صراعات هائلة داخلية من الممكن أن توصف بأنها حرب، كما ان قطيع الشمبانزي تتشارك وكأنها مجموعة حربية، ونظريا فإن الأنواع الأخرى أيضا تنخرط في سلوك مماثل، مع أن هذا لم يتم توثيقه بشكل جيد حتي الأن، فاسألوا النمل عن الشمبانزي، من فيهم علم الإنسان القتل.

 

قبل فجر الحضارة، كانت الحرب عبارة عن إغارات على نطاق صغير، وقد اكتشف الباحثين ان نصف الناس الذين وجدوا في مقبرة نوبية تعود إلى 12 ألف سنة مضت ماتوا نتيجة للعنف، وبعد ظهور الدولة منذ حوالي 5 ألاف عام مضت بدأ النشاط العسكري في مناطق كثيرة من العالم، وأدى ظهور البارود، وتسريع وتيرة التقدم التكنولوجي، إلى الحروب الحديث.

 

"البشر أقرب إلي الشمبانزي في نزعتهم للقتل خلال المعارك".. هكذا رأي "لورانس كيلي" أستاذ علم الاجناس بجامعة الينوي في شيكاغو ومؤلف كتاب "الحرب أقدم من الحضارة.. أسطورة من الوحشية السلمية"، قائلاً بالنص: "فكرة أن الحرب بدأت مع المدينة ـ الدولة، أو مع ظهور الحضارة، أو مع بروز أوروبا، فكرة واضح بطلانها، إن الحرب ظهرت، على الاقل، مع بداية الجنس البشري".

 

لم يكتف "لورانس" بذلك ولكنه قال: "إن الحوار حول طبيعة الحرب تمتد جذوره إلى التصورات المتناقضة للطبيعة الإنسانية، والتي ترمز اليها الخلافات بين الفيلسوف الإنجليزي "توماس هوبز" من القرن السابع عشر، والكاتب الفرنسي "جان جاك روسو"، من القرن الثامن عشر، حيث عُرف عن "هوبز" مقولته الشهيرة بأن حالة الطبيعة هي "حالة حرب"، وإن البشر مدفوعون لقتال بعضهم بعضاً بنوازع المنافسة والخوف والغرور، في حين يري "روسو" أن الإنسان كان مسالماً و"وحشا نبيلا" وإن الحرب لم تظهر إلا مع ظهور الدول والإنقسامات السياسية.

 

وقد أثبتت الدراسات الحديثة للقبائل البدائية أن الحرب كانت ظاهرة تكاد تكون شاملة قبل أن يظهر الأجانب بين ظهرانيهم، وبينما كان علماء الأجناس يتقصون جذور الحرب ويرجعونها إلى ما قبل التاريخ، فإن دارسي العالم الحيواني من علماء الأحياء توصلوا هم أيضا إلى إستنتاجات مزعجة عن أقرب الكائنات الى الإنسان، فبالنسبة للأغلبية الساحقة من الحيوانات، تنتهي النزاعات العنيفة داخل النوع الواحد، وهي غالبا ما تنشب بين الذكور المتنافسين على أنثى، من دون اصابات قاتلة، تبدأ مثل هذه الصدامات بين ذكور الأيائل، على سبيل المثال، بخوار توجهه إلى بعضها البعض، ثم تشرع في "السير المتوازي" في خطوات يصاحبها الخوار، واذا لم تنجح هذه المناورات الأولية في حسم النزاع يشتبكون بالقرون حتى يستسلم البعضه ويفر هاربا.

         

الشمبانزي مثل استثناءً غريباً في هذا المجال، فقد أثبتت "جين غودال" أستاذة علم السلوك والإنثروبولوجيا، والرائدة في دراسات القردة والشمبانزي، إن عصابات من ذكورها تلجأ أحياناً إلى قتل ذكور من مجموعات أخرى إذا عثروا عليهم في مجموعات أقل، ويمكن لمثل هذه الهجمات أن تحدث حتى ولو كان الغذاء وافراً ولم يتوفر آي دافع واضح لمثل تلك "الجريمة".

 

والأكثر إثارة للدهشة في سلوك الشمبانزي في حالة الضيق، ما لاحظه عالم الأحياء في جمعية حماية الحياة البرية "لي وايت" عندما كان في الجابون عام 1990، فعندما انتشرت ظاهرة قطع الأخشاب، دفعت بمجموعات الشمبانزي إلى آراض غريبة، فإن المجموعات الغازية تهاجم من دون رحمة وتقتل من قبل المجموعات المحلية، والتي تدفع بدورها ولنفس الأسباب إلى أراض جديدة، وبانتهاء دورة الإنتقال والمواجهة وجد وايت إنه بين 80% الي 90% من ذكور الشمبانزي قد أبيدت.

 

هذا المسلك العدواني من قبل الشمبانزي، يكشف واحداً من تناقضات الحرب، فهي تحتاج إلى الذكاء، لذلك يعتقد علماء الأجناس ان الجزء الأمامي من الدماغ الإنساني تطور، استجابة للحاجة للتخطيط للحرب، وكانت تلك وفقا لـ"لورانس كيلي" واحدة من أفظع الإستنتاجات التي توصلت إليها من خلال فحص الأدلة الأركيولوجية، وهي ان الحرب كانت نتيجة للذكاء الإنساني وليس لعدم العقلانية الإنسانية.

 

وحسب حسابات "لورانس كيلي" المعاكسة للبداهة، فان ضحايا الحروب البدائية ربما كانوا أكثر نسبة من ضحايا الحروب الحديثة، وقد راح ضحية القتال الذي إستمر عقدا كاملا في يوغوسلافيا حوالي 200 الف قتيل، مع أن المقاتلين بالفؤوس في رواندا قتلوا 200 ألف في أسبوعين فقط، وخلال القرنين الماضيين، ورغم نشوب حربين عالميتين، فأن أقل من 1% من الذكور في أوروبا الغربية وأميركا الشمالية ماتوا موتا عنيفا، وتشير أبحاثه الأركيولوجية، التي تفحص الهياكل العظمية للوقوف على حالات الموت العنيف، أن نسبة تتراوح بين 15% و20% وسط القبائل البدائية كانت تموت موتا عنيفا.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز