عاجل
الأربعاء 13 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي
التعويم المرفوض
بقلم
محمد نجم

التعويم المرفوض

بقلم : محمد نجم

بداية ليس من حق صندوق النقد الدولى أن يفرض علينا شروط تعجيزية حتى يوافق على القرض المطلوب وقدره 12 مليار دولار يصرف على مراحل طبقا لخطوات تنفيذ البرنامج المتفق عليه والمقدم من الحكومة المصرية.



وإنما من حق إدارة الصندوق والمختصين فيه أن يناقش خطوات البرنامج الإصلاح المصرى وتوقيتات تنفيذه والأهداف المرغوب تحقيقها، وأن يقوم بخبراءه بالمراجعة الدورية على خطوات التنفيذ ومدى التزام الحكومة المصرية بما تم الاتفاق عليه.

هذا ما جرى به العرف مؤخرا فى التعامل بين الصندوق والدول الأعضاء فيه التى تطلب مساعدته، خاصة بعدما تراجع الصندوق عن فرض «الروشتة» التى كانت تعرف بتفهومات واشنطن والتى تبين عدم صلاحية تطبيقها فى جميع الحالات.. حيث لكل بلد ظروفها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

لقد كنت أحد المتحمسين لضرورة الاتفاق مع صندوق النقد الدولى على برنامج جديد للإصلاح الاقتصادى حتى تتمكن من إعادة دوران عجلة الاقتصاد القومى بالسرعة المطلوبة، فضلا عن تصحيح الأوضاع المختلة فى الاقتصاد ومن أهمها العجز المزمن فى الموازنة العامة للدولة، وارتفاع حجم الدين العام، إلى جانب ارتفاع معدلات التضخم فى المجتمع.. والتى تعكسها الارتفاعات المستمرة فى أسعار السلع والخدمات الضرورية.

وكانت مبرراتى فى ضرورة الاتفاق مع الصندوق.. أن مصر عضو بالصندوق ومنتظمة فى سداد حصتها السنوية فى رأسماله.. بل هى من الدول المؤسسة له فى خمسينيات القرن الماضى، ومن ثم حقها أن تستفيد من خدماته الفنية، ودعمه المادى فى حالة الاحتياج لهما.

كما أن مصر اتفقت مع الصندوق فى نهاية التسعينيات على برنامج مماثل ونجح نجاحا باهرا استخدمه الصندوق فيما بعد فى اتفاقاته مع دول أخرى، ولم تسحب مصر وقتها كل المبالغ التى كانت مخصصة لها.. حيث تحسن ظروفها الاقتصادية بعد عام من بداية تطبيق البرنامج.

وكان المبرر الثالث لذلك المطلب.. أن قروض الصندوق تمنح بفائدة ميسرة جدا.. حيث فائدة تعد مجرد مصاريف إدارية ولا تتجاوز الـ 2% فى كل الأحوال.. مع فترات سداد طويلة نسبية مقارنة بالاقتراض من البنوك والمؤسسات المالية العالمية أو الإقليمية.

والأهم من كل ذلك.. أن مجرد الاتفاق مع الصندوق على البرنامج معناه «شهادة» بقوة الاقتصاد المصرى وقابليته للانتعاش مستقبلا، وهو ما يعنى تدفق استمارات خارجية مطلوبة، وإصدار سندات مصرية فى السوق العالمى، وقدرته على سداد المستحقات للغير.. إلخ.. وإجمالى شهادة بالجدارة الاقتصادية والمالية لمصر تتيح لها التعامل مع الشركاء الدوليين بثقة واقتدار.

وفعلا.. وبعد تردد طال نسبيا من الحكومات المصرية السابقة.. جرى مؤخرا اتفاق مبدئى بين الحكومة الحالية وإدارة الصندوق على الخدول فى برنامج جديد للإصلاح الاقتصادى.. وكانت الحكومة تعلم مسبقا ما يمكن أن يساعد على الموافقة على البرنامج ومنها إصدار قانون ضريبة القيمة المضافة.. وتخفيض عجز الموازنة وترشيد الدعم الذى يستهلك حجم كبير من موازنة الدولة.. حيث قامت الحكومة برفع أسعار الكهرباء طبقا لشرائح متصاعدة، وجرى ترشيد الاستيراد، كما أصدرت قانون جديد «الخدمة المدنية».. وبدأت عمليات إصلاحات واسعة فى مجالات متعددة.

ثم جرى مفاوضات بين ممثلى الحكومة المصرية وموظفى الصندوق المختصين فى كل من القاهرة ثم واشنطن، حيث مقر الصندوق تمهيدا لعرض البرنامج بشكل متكامل على مجلس إدارته للموافقة النهائية والبدء فى صرف شرائح القرض المطلوب والذى قدرته مصر بحوالى 12 مليار دولار.

ثم فوجئنا بممثلى الصندوق يطلبون ضرورة تجميع أموال إضافية- بجانب القرض- لسد ما وصفته بالفجوة التمويلية التى يحتاجها الاقتصاد المصرى لتنفيذ البرنامج، وقدرت تلك المبالغ بأكثر من 10 مليارات دولار.

ولم تمانع الحكومة فى ذلك.. وبدأ السعى لدى الأشقاء والأصدقاء لجمع المبالغ المطلوبة من المؤسسات المالية العربية والبنك الأفريقى للتنمية والبنك الدول، إلى جانب قروض أخرى من دول صديقة ومنها الصين.. وتم حتى الآن تجميع أكثر من 8 مليارات دولار.. وجارى استكمال الباقى.

ثم فوجئنا مرة أخرى برئيسة الصندوق تطلب أولا خفض الدعم على الطاقة وعلى الأخص الوقود وعلى رأسها البنزين، وثانيا إعادة النظر فى سعر صرف الجنيه المصرى مقابل الدولار الأمريكى.. وهو ما يعنى «تعويم» الجنيه وترك سعر الصرف تحدده عوامل العرض والطلب فى السوق المحلى!

وفى رأيى أن ما تطلبه إدارة الصندوق يدخل تحت بند «الشروط التعجيزية» وأعتقد أن ما يقوله موظفى الصندوق ليس قرأنا واجب التطبيق، ولا يجب الخلاف عليه أو معه! وتقديرى- مع اقتراض حسن النية- أنها وجهة نظر لا بأس من مناقشاتها.

بمعنى أنه لا مانع من أن تحاول الحكومة إعادة النظر فى الدعم المخصص للوقود وعلى رأسها البنزين، ويشرط أن نبتعد عن التفكير تماما فيما يتعلق بأسعار الجاز (ألكيروسين) أو السولار.. والبنزين (80).. حيث هذه النوعية تستخدمها بشكل واسع سيارات النقل بكافة أنواعها، وكذلك الأتوبيسات وسيارات الميكروباص المخصصة لنقل المواطنين، وأى زيادة فى هذا المجال سوف تنعكس آثارها السلبية على منتجات أخرى كثيرة وضرورية فى المجتمع.

وإنما يجوز للحكومة إعادة النظر فى أسعار البنزين (92) وزيادته 25 قرشا فى اللتر مع تطبيق نظام «الكارت» الذى يتيح للمواطن استخدامه كمية معينة منه شهريا الأسعار الحالية.. وما زاد عن ذلك يمكنه الحصول عليه بالأسعار الجديدة.

وأيضا التوسع فى توفير بنزين (95) مع رفع أسعاره بنسبة 20% من الأسعار الحالية.

فالكل يعلم أن هناك «طبقة» فى المجتمع لن تتأثر كثيرا بزيادة أسعار بنزين (95) لسياراتها الفارهة من الماركات العالمية غالية الثمن!!

والمعنى هنا.. أن «كل شىء له ثمن».. عايش تعيش فى رفاهية.. فلابد أن تتدفع تكاليفها مادام لديك المقدرة الماية على ذلك.. ولا يمكن أن تحصل على عسل النحل بدون أن يصيبك لسعاته!! فلا يجوز أن يزاحم الأغنياء بسياراتهم الفارهة.. الفقراء فى البنزين المدعم!

وبصراحة مطلقة.. يجب أن تتوقف الحكومة عن «تدليع» الأغنياء والطبطبة عليهم وتوفير احتياجاتهم بذات الأسعار التى يجب أن توفرها للفقراء ومحدودى الدخل.

لقد حصل هؤلاء فى فترات سابقة على أراضى بالمجان وقروض من البنوك بتسهيلات مبالغ فيها.. وصدرت لهم تشريعات كثيرة لتسهيل أعمالهم بحجة أنهم سيقودون النمو والتنمية فى المجتمع وهو ما سوف تنعكس آثاره الإيجابية على الفقراء ومحدودى الدخل طبقا لنظرية «التساقط» فى الاقتصاد!

ولكن الكثير من هؤلاء- ولا يجب التعميم- وللأسف الشديد تاجروا فى الأراضى.. وشيدوا قصورا فخمة واقتنوا سيارات فارهة.. كل ذلك بدلا من إقامة مشروعات إنتاجية تخلق فرص عمل لأبناء وطنهم وتسد العجز الملحوظ فى المعروض من السلع والخدمات.

qqq

مرة أخرى لا مانع من إعادة النظر فى أسعار بعض الأنواع من الوقود مع مراعاة مصالح وظروف الأغلبية من المواطنين، ولكن مالا يمكن قبوله.. هو شرط «تعويم» الجنيه لأن الجنيه فعلا معوم ولكن بالقدر الذى يسمح به ظروف البلاد والعباد، فنحن نطبق فى مصر ما يسمى بسعر الصرف المدار، حيث يتدخل البنك المركزى للحفاظ على استقرار الأسعار عند مستوى معين من الارتفاع، والكل يعلم أنه جرى من قبل تخفيض رسمى لسعر الجنيه مقابل الدولار إلى حين يتصلح حال الاقتصاد وتعود السياحة إلى سابق عهدها، وكذلك تحويلات المصريين فى الخارج إلى معدلاتها السابقة، فضلا عن جنى ثمار المشروعات القومية العديدة التى يجرى تنفيذها حاليا.

بمعنى آخر.. هناك أمل وتوسعات إيجابية.. ولكن ليس معنى ذلك أن نترك الجنيه للمضاربة به فى سوق غير منتظم، وقائم حاليا على «المضاربة» مع احتفاظ بعض المصدرين وشركات السياحة لمستحقاتها من الدولار فى الخارج!

وبصراحة أشد.. ما يطلبه الصندوق بتعويم الجنيه ليس اقتصاد.. وإنما سياسة!! وهو لعب مرفوض وانحياز مفضوح لأهل الشر!

كغاية.. ولا تقول كمان.. يس لاجارد؟.. فليكى فى الاقتصاد.. حفاظا على سمعة الصندوق والعاملين فيه..

حفظ الله مصر.. وحماها من كل شر.

                                                                                        

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز