عاجل
الثلاثاء 3 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
باقي علي افتتاح المتحف الكبير
  • يوم
  • ساعة
  • دقيقة
  • ثانية
البنك الاهلي
عندما أخرجت د. مصطفي محمود من عزلته

عندما أخرجت د. مصطفي محمود من عزلته

بقلم : ولاء جمال
منذ سنوات الصغر كان د.مصطفي محمود هو صديقي الدائم أعود إليه عند الحيرة والتشتت والشعور بالغربة من عالم الصخب الذي نعيش فيه .... تربي عقلي علي كتاباته وقلمي كان يقلد أسلوبه وسنوات عمري مازالت قليلة بالصف الثالث الإعدادي إلي أن تخرجت من الجامعه .
لم أكن سأتخيل يوما انني سالتقي الدكتور مصطفي محمود الذي بهرتني كتبه الرائعة الثرية التي تجيب عن الأسئلة الحائرة التي تصارع عقلي وتلح عليه ولم اكن اجد أي صعوبة في أسلوبه وافكاره التي كانت تصل للصغير قبل الكبير وإذا كان قد رحل بجسده فإن كتاباته وإبداعته سوف تبقي " طازجة " مازالت بكرا لم يجف مدادها , وبجولة سريعة للمكتبات تجد كتبه تمثل الدهشة والثورة دائما علي ماهو مالوف وسائد .
..عندما خرجت إلي الحياة بعد الجامعة مباشرة كان اول ما ألح علي هو مقابلة هذا الرجل بأي شكل رغم إنعزاله عن الناس والحياة وفي وقت لم يكن يري احد او يسمح لأحد ان يراه وكان قد نال منه المرض وانتقل إلي شقته بالطابق الأخير بالعمارة التي بجوار مسجده الشهير بالمهندسين بعد أن كان معتكفا في غرفة بهذا المسجد .
خطر لي ان أذهب لمسجد مصطفي محمود بالمهندسين الملحق بالمستوصف الخيري الذي بناه لوجه الله رغم يقيني انني لن استطيع مقابلته وقد ذهبت بالفعل ودخلت مكتبا داخل المسجد ... سالني أحدهم عما أريد .. قلت ...أريد مقابلة الدكتور مصطفي محمود وقد كان آخر علمي انه هنا يعيش بغرفة بالمسجد ..
واندهش مدير المكتب وأبلغني انه ترك المسجد منذ زمن وانتقل إلي شقته بعد ان تغلب عليه المرض قلت ..ألا أستطيع مقابلته.
قال : هل هناك مساعدة نستطيع تقديمها ؟
عاملوني بمنتهي الرقة مع تقديم أنني أعاني من مشكلة إنسانية كبيرة بسبب إلحاحي الشديد في مقابلته , فقال لي المسؤل في المكتب : إكتبي مشكلتك للدكتور وسنرسل له خطابك وسيرد عليك .
بالفعل كتبت سؤلا غير مفهوم لأري رد الفعل وكيف يرد علي الناس ومن خلال أي مفهوم وإلي أي مدي ذهنه حاضر بعد المرض .
تركت الورقة وعدت بعد يومين لأتلقي الرد منه كما قالوا لي ..
أبلغني الرجل ان الدكتور لم يفهم سؤالي وطلب مني صياغته بشكل آخر
غمرتني سعادة كبيرة شعرت ان هناك املا بماانه رد بالفعل..قلت لهم أريد مقابلته ضروري جدا شعروا ان بالأمر شيئا يخصه بشكل شخصي..فإتصلوا به من المكتب وبالفعل رد وأعطوني السماعة .
وأنا اتلعثم في كلماتي من عدم التصديق أنني اخاطبه شخصيا حتي انني ظللت أتأكد من انه صوته لفترة .
قلت له : أريد مقابلتك .
قال لي : انا منعزل عن الناس من زمن طويل وقولي لي ماتريدين وانا سأقدم المساعدة إن شاء الله .
قلت : لن أستطيع الكلام في التليفون .
قال : اعطيني من أمامك..تحدث إليه .. ووجدت الرجل يفتح لي غرفة جانبيه بها مكتب فاخر ضخم ويرفع منها سماعة تليفون آخر وأغلق علي الباب ليتركنا وحدنا أنا والدكتور لأتحدث معه من غير حرج ..
فقال لي : الآن أنت وحدك ما مشكلتك ؟
قلت : لا شيء فقط تربيت وشب عقلي علي كتبك وعندما كبرت قليلا ظل حلمي أن أجلس إليك ولو لدقائق هل تري هذا كثيرا علي يادكتور ؟
شعر الرجل بالخجل ولم يرفض أن يرد قارئة صغيرة مثلي وأن يلبي طلبها وكأنه يستجيب لإلحاح طفلة ..
قال لي : "لا العفو يا إبنتي " طب إديني الراجل الي عندك .. فتحت الباب وناديت علي الرجل مسرعة الذي تحدث إلي ثم أغلق التلفون , إصطحبني الرجل إلي العمارة المجاورة وأمام باب شقته وجدت حارس أمن يقف عليها لايتركها ليلا أو نهارا
إقتحام العزلة
لم أصدق نفسي وجدته وحيدا يفتح الباب بنفسه وقد غرتدي البيجاما والروب وبطيء الحركة إلي حد ما وذقنه غير حليقة رحب بي ترحابا شديدا واجلسني .
شقته صغيرة مليئة بالجوائز وشهادات التقدير والصور لأولاده وحفيد صغير جميل في صورة وحده أخذ يعرفني عليالصور بسعادة وفرحة طفولية خاصة حفيده الجميل فهذا غبنه المسافر إلي الخارج وهذه إبنته وهذا آخر العنقود .. حفيدي .
قلت له : صحيح يادكتور المثل القائل "أعز الولد ولد الولد" ضحك ضحكته الشهيرة وقال آه هو شعور جميل وهذا المثل صحيح .
كانت كلماته قليلة ويأخذ بين الجملو والأخري فترة ليكمل حديثه وانا منتظره فترة السكوت حتي يكمل حديثه لآخر مايريد ان يقول..
كان يعيش وحيدا وفي طابق آخر تعيش إبنته وزوجته السابقة .
سألته لماذا تجلس هنا وحيدا قال : أحب ذلك خاصة إنني أحب أن أتأمل كثيرا ولا أريد ان يزعجني أحد وإبنتي أمل لاتتركني وحدي فهب تتابعني .
.. بعد قليل من الوقت نزلت امل غبنته عرفني عليها وعرفها علي وكاني اصبحت قريبة منه عن مقتل سعاد حسني .. جاء الكلام عنها بالصدفة مع إبنته وسألته عن رأيه في سعاد حسني الفنانة ثم رأيه في مقتلها .
قال : هي فنانة كبيرة بلا شك قدمت الكثير من الأعمال الكبيرة ولكن مقتلها شيء غامض .
سألتع عما يفعل في أيامه وفيما يمضي وقته كان يجيب علي أسئلتي بلا تعقيد او تخوف فقد صارت الجلسة حميمية ..
قال : أقرأ القرآن الكريم وأتابع " CNN " .
قلت : كيف تري الواقع الآن ؟
قال : مايحدث صعب والمستقبل لايبشر بخير بتلك الأحداث..لم يتوعب عقلي وقتها حديثه في السياسة ولكني الأن أري ماقاله أصبحت أشعر أكثر برؤيته وبصيرته وأثناء جلتي الحميمية معه داعبني حسي الصحفي فقلت كيف أجلس مع مصطفي محمود ولا أجري معه حوارا صحفيا .
حوار في الحب
ورغم أن ذلك لم يكن هدفي إلا إنني تصرفت علي وعد ألا أطول عليه وان يكون الحديث في جزئية بسيطة وخفيفة وليكن الحب والحب فقط وتحديدا إذا تخلي الرجل عن عن نضجه ووقاره وعظمته وهو في خريف العمر ووقع في حب فتاة في سن إبنته رغم فارق السن والفارق الإجتماعي .
فقال : العاطفة بوجه عام ليست لها ضوابط فمن الممكن أن يحب الرجل الكبير فتاة أصغر منه أو أقل منه وتكون العلاقة فاشلة وذلك لأن العاطفة ليس لها عينان وخاصة في السن الكبيرة حيث نجد أن العاطفة لاتكون بصيرة فالإنسان يكون ضعيفا ومستهدفا وأقل شيئ يؤثر فيه والعاطفة عموما ليس لها شروط ولامواصفات فمن الممكن أن تتخطي حدود الجنسية وحدود السن ولكن ليس شرطا أن تنجح وخاصة ان كان يوجد فرق كبير في العلاقة هنا لاتصل إلي شيء ونهايتها أنها تعذب أصحابها دون داع وذلك الرجل الكبير سوف يفيق في يوم من الأيام .
والرجل إذا شعر أنه مرفوض فيجب أن يتوقف وينهي هذا حيث لايوجد شيء فوق إرادته فالإنسان له قدر من الحرية وعنده بصيرة ولايجب أن يتحول إلي آلة بحيث أنه يسيطر عليه تماما وإلا أين الحرية وماذا يفعل بهذه الحرية وهو مفروض عليه ألا يعتبر نفسه أسيرا فهذا ليس بصحيح فهو الذي وضع نفسه في الأسر .
يستطرد مصطفي محمود رافعا رأسه لأعلي قائلا .. إن الله أعطي لنا ملكات لكي نتحرر ولا نكون آداة طيعة في يد فلانة وإلا إنتهي هذا الامر بكوارث فالحب غير المتكافئ والذي يكون من طرف واحد وايضا مع فارق السن الهائل حيث هي العذراء من سن الربيع وهو ذو الشعر الأبيض في سن الخريف هذا الحب غير المتكافئ يتيح للطرف الآخر أن يستعمله سلاح سيطرة فيمكن لإمرأة ماكرة بالرغم من انها لاتحب هذا العجوز المخمور أن تسيطر عليه ومن ناحيته فأنه يكون قليل الحيلة وغير قادر علي التصرف لأنه يحب .. ولايسيطر علي ضعفه .. وعموما هذا الحب ينتهي بكوارث وشقاء .
رقيب داخلي
يؤكد دكتور مصطفي من المفروض أن يوجد دائما رقيب داخلي .. رقيب داخل الإنسان وإنما كونه يتصور انه فاقد السيطرة وأسير هذا الحب هنا نكون قد عدنا للروايات المصرية القديمة .
فالإنسان كرمه ربنا بالعقل .. " فكرمنا بني آدم " لماذا ؟
ذلك للعقل الذي أودعه فيه وللإرادة والبصيرة التي حاباها بهما الله .. أبعد كل هذا يكون في النهاية مثل الآداة في يد فتاة يحبها وغير قادر علي البعد عنها فرجولة الرجل تبدأ من قدرته علي أن يسيطر علي عواطفه .. وهناك فرق بين حب مع فقدان السيطرة تماما وحب يستطيع الواحد منا أن يتحكم فيه ويعرف متي يقف وإلي أين تؤدي هذه الخطوة !
وهذا هو النضج .. والنضج له دخل لأنها تكون بلاهه عندما يصبح المرأ فاقدا السيطرة تماما وإذا حدث ذلك فإنها تكون حالة مرضية وآخرها قبيح ولقد أعطي الله كلا منا سيطرة علي نفسه بحيث يري أين يضع قدميه .. وهل يضعهما في حفرة .. والحصن لهذا هو العقل وكمال الشخصية ونموها .. فالشخصية الكاملة لايمكن أن يخرج منها مثل هذا الفعل وتلك الحالة المرضية والشخصية الكاملة يكملها العقل ويجملها وكلمة عقل تعني " يعتقل " أي " لجام " والعاطفة ليس لها أن تطغي علي العقل فإذا ما طغت عليه كان العقل هوائيا واللجام مقطوعا ويجب ألا يندفع في هذا فلكل منا ضعفه في نقطة معينة فإذا كانت العاطفة تؤدي به إلي هذا الإتجاه .. أي فتاة صغيرة يحبها فإن هذا الرجل يكون عنده نقص في شخصيته فيس في العادي أن يندفع مثل هذا الإندفاع ومثل هذا الرجل يكون " أبله " .
كنت أترقب كلام د.مصطفي محمود وأقارن بينه وبين كتاباته بعد أن إنتهي حوارنا طلبت منه وعدا بميعاد آخر لأاعطيه ما نشر ولكي يقرأ ما كتبته بنفسه أمامي وإتسع صدره لي ووافق وطرت فرحا
 
 
نبؤة كاتب
كتبت حوارا مع الدكتور مصطفي محمود في الحب ونشر وكان اول ماينشر لي في حياتي .. اخذت الجرنال وتحدثت إليه تليفونيا وحدد لي ميعادا ذهبت له وقرأ ما كتبت كما أنني كنت كتبت مقالا آخر في نفس العدد غير حواري معه ليقرأني بعيدا عن الحوار .
وقرأ ما كتبت ولم أصدق نفسي لما قاله لي بعد ان انتهي من القراءة حيث علق إسلوبك جميل غير أنه كان يهز رأسه أثناء قراءته للمقال ويقول أوافق علي ماتقولين..هذا صحيح..
قال سيكون لكي مستقبل في الكتابة الأدبية خاصة ولكني أطلب منك شيئا لاتقرئي لي وحدي ولكن إشربي من كل ينابيع الأدب الفرنسي منه والإنجليزي وغيره وأخذ يستفيض معي في شرح الأدب والكتابات .
ونزلت أمل إبنته قال لها : " ولاء طلعت بتكتب ولها إسلوب رائع وسيكون لها مستقبل في الكتابة "
ابتسمت أمل وقالت " يالا ياستي شهادة من د.مصطفي محمود "..
 

يومها أهداني ثلاثة كتب كانت توا طبعتها له دار أخبار اليوم بعد أن ترك دار المعارف وتعاقد معها وكان فرحا بأخبار اليوم وبطبعتها الجديدة وكتب لي عليها إهداء وظل ينصحني كأديبة وصحفية وشكرته كثيرا للسماح لي بإقتحام عزلته وتطفلي عليه في وقت إنقطع فيه عن العالم . 



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز