عاجل
الأربعاء 13 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي
ابحثوا عـن «الإنتربرنير»
بقلم
محمد نجم

ابحثوا عـن «الإنتربرنير»

بقلم : محمد نجم

أصبحنا أكثر من 90 مليون ناشط سياسى فى مصر، وطول  اليوم «بنهرى» على مواقع التواصل الاجتماعى ونفتى فى كافة المجالات، بل يقوم البعض منا بترديد شائعات ما أنزل الله بها من سلطان.



وأيضا كلنا «خبراء» فى كرة القدم ونحرص على متابعة المباريات وخاصة فى المسابقات الدولية وعندنا مجموعات «الألتراس» شديدة التعصب لبعض الفرق وتذهب خلفها فى أى مكان وقد تتسبب فى الكثير من المشاكل.

ولكن ليس عندنا وللأسف الشديد الكثير من الخبراء فى الإدارة وهى مشكلة مصر الأساسية حاليا.

نعم.. عندنا مشكلة تتمثل فى عدم وجود الإدارة الرشيدة الفعَّالة للوحدات الإنتاجية أو الخدمية المملوكة للدولة، وإذا كان لدينا وزاة للتنمية الإدارية وجهاز قومى للتنظيم والإدارة فأعتقد أنهما معنيان بإصدار اللوائح والقرارات التى تضبط وتنظم الأداء الإدارى الحكومى ومتابعة تنفيذه، ولكن ما أعنيه هو عدم وجود «إداريين» موهوبين يجيدون توظيف رؤيتهم كل حسب إمكاناته واستعداده الشخصى، وأيضا استخدام ما يتاح لهم من مدخلات لإنتاج أفضل مخرجات ممكنة وهؤلاء يطلق عليهم بالإنجليزية «الإنتربرنير» والترجمة القريبة للفظ بالعربية «المنظمين» وأشهر مثال لهم فى الاقتصاد المصرى.. الراحل العظيم طلعت حرب.. الذى أسس أكثر من 34 شركة تحمل اسم «مصر» فى أغلب الأنشطة الاقتصادية فى فترة الثلاثينيات من القرن الماضى.

وقد زخرت مصر فى فترة الستينيات وحتى نهاية القرن الماضى بالعديد من «الإداريين» الذين تركوا بصماتهم فى العديد من المؤسسات والشركات المصرية، منهم على سبيل المثال فى مجال الصحافة كل من الأساتذة سيد أبو النجا وفؤاد إبراهيم وعبد الله عبد البارى، وفى مجال البناء والإنشاء والمقاولات.. الرواد الأوائل مثل حسن علام وطلعت مصطفى وحسن دره وعثمان أحمد عثمان ومختار إبراهيم وأنس ساويرس وغيرهم.

وقس على ذلك مجالات وأنشطة أخرى لا تحضرنى أسماؤهم للأسف حيث أسسوا صروحًا وبادروا بأنشطة مختلفة ساهمت كثيرا فى الاقتصاد المصرى وكانت سببا فى تحسين مستوى المعيشة للمصريين، وقد وصف بعضهم أنه كان يمسك «التراب فى يده.. فيتحول إلى ذهب» وذلك تأكيدًا على القدرة فى إنجاح أنشطة جديدة على المجتمع أو انتشال شركات غارقة فى الخسائر وتحويلها إلى شركات رابحة.

وأعتقد أن الدولة المصرية فى تلك الفترة لم تعتمد على هؤلاء الموهوبين وحدهم، بل أنشأت المعهد القومى للإدارة لتخرِّج متخصصين فى إدارة شركات القطاع العام والتى كانت تقود الاقتصاد القومى فى تلك الفترة، والطريف أن هؤلاء الخريجين بعد أن زاد عددهم وثقلت خبراتهم أسسوا جماعة الإدارة العليا.. كانت حريصة على تنظيم مؤتمر سنوى كانت تعد له جيدًا وتحشد له حضورا كفؤا لدرجة أن حكومات تلك الفترة كانت تنتظر ما يصدر عن المؤتمر من توصيات وتتعامل معها بكل جدية، وكالعادة.. وبعد أن رحل مؤسسو هذه الجماعة لم يعد أحد يسمع لها صوتا، وخاصة بعد أن تغيرت الظروف وتم تسليم قيادة الاقتصاد القومى إلى القطاع الخاص.

والآن لدينا أكثر من معهد لإعداد القيادة ولكن لا تفعل شيئا.. بل إنها أصبحت كالقصور الخاوية تنعى من شيدها.

qqq

مرة أخرى .. «الإدارة» هى مشكلة مصر الآن وهل يختلف أحد أن البشر هم صانعو التقدم وخاصة عندما يكونون موهوبين وتثقلهم التجارب والخبرات وبكشف الواقع والتجارب العملية فإن هناك من «تولى» مسئولية مؤسسة أو شركة واستطاع النهوض بها أو تحويل الخسائر إلى أرباح.

وهناك أيضا من «تولى» مسئولية مؤسسات وشركات ناجحة.. ولكن بسوء إدارته وقعت المؤسسة وخسرت الشركة.

ومشكلة مصر أن لدينا الكثير من «المتكلمين» الذين قد يعجبك تنظيرهم وتنخدع بكلامهم المرتب، ولكن عندما يوضعون على المحك وتسند إليهم مسئوليات، تكتشف أنهم عبارة عن «دخان فى الهواء» ولا أكثر من ذلك.

ومن حسن الحظ أن عندنا أيضا الكثير ممن يملكون قدرات إدارية وخبرات متراكمة ولكن مشكلتهم أنهم بعيدون عن الأضواء ولا يجيدون تقديم أنفسهم وقد يعوزهم الكلام المنمق المعسول، وبالتالى فلا يحصلون على فرصهم المستحقة والتى يحتاج إليها الوطن، بل قد يصل الأمر أنهم «معروفون» ولكن يحال دونهم ويستبعدون من تولى أية مسئوليات حتى لا ينكشف عجز الموجودين على سلم الهرم الوظيفى.. وقد يكونون وصلوا إلى أعلاه بالواسطة أو الوراثة.. أو لأنهم أعضاء فى الشلة.

qqq

وأعتقد أنه آن الآوان للبحث عن هؤلاء الإداريين الأكفاء «الإنتربرنير» ليقودوا المؤسسات والشركات ليخروجوا الاقتصاد القومى من أزمته.

وأعتقد أيضا أن الرئيس السيسى كان واضحا بل كرر أكثر من مرة أن مصر تحتاج إلى كافة جهود أبنائنا المخلصين، وأن من يحسن الأداء يستمر فى موقعه وعلى العاجز أن يعتذر عن الاستمرار ويستقيل، ولا شك أن هذه رسالة واضحة من الرئيس لكافة القيادات.. بدلا من الانتظار للخروج غير الآمن سواء كان محمَّلا بخسارة أو يضبط متلبسا بالحصول على رشوة رخيصة كما حدث من قبل.

ومن ثم فعلى أجهزة الدولة المعنية أن تحسن اختيار المرشحين لتولى مناصب قيادية فى الدولة فنحن فى أزمة وليس لدينا ترف «الوقت» للتجارب أو المجاملة على حساب المصلحة العامة للبلاد.

وأعتقد للمرة الثالثة أننى لست فى حاجة لأذكر الجميع بالواقعة الشهيرة للجاسوس السوفيتى الذى جنده الغرب فى فترة وجود الاتحاد السوفيتى السابق قبل انهياره، حيث تم اكتشافه وعندما سئل فى التحقيقات التى أجريت معه: ماذا كنت تفعل؟ وما هى المعلومات المهمة التى سربتها للغرب؟ فأجاب بكل هدوء: لم أسرب أية معلومات ولم أتجسس على أحد ولكن كانت مهمتى تتلخص فقط فى أنه عندما كان يعرض علىَّ أكثر من مرشح لتولى منصب قيادى، كنت أختار اسوأهم وأضعفهم!

وبالطبع لسنا الاتحاد السوفيتى الذى انهار لأسباب عديدة، فكلنا مصريون وطنيون ولكن يعيب البعض منا ما يعيب المجتمعات الشرقية بصفة عامة، ولا أعفى نفسى من ذلك وإلا اعتبرت - للأسف - ابنا عاقًا!، وتتلخص المشكلة فى «الضعف» أمام الأبناء والأقارب وضرورة مجاملة الأصدقاء والجيران وزملاء الدراسة..، ولذلك فكثيرًا ما يضطر بعضنا لتذكيتهم.. وغالبا ما يتم ذلك على حساب الكفاءة التى أصبح المجتمع فى أمسَّ الحاجة لها.

والمعنى.. أننا يجب أن نتخلص جميعًا من بعض عاداتنا المتوارثة وحتى نتمكن جميعًا أيضًا من إخراج بلدنا من أزمتها.

حفظ الله مصر وألهم أهلها الصواب

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز