

محمد نجم
الزيادة السكانية القضية المسكوت عنها!
بقلم : محمد نجم
لا أعلم لماذا فتر الحماس والاهتمام بقضية تنظيم الأسرة فى السنوات القليلة الماضية، خاصة بعد 25 يناير 2011.
فنحن لدينا مشكلة كبيرة تتمثل فى التهام الزيادة السكانية السنوية كل ما يتحقق من ثمار التنمية، ومن ثم لا يشعر المواطن بنتائج ما يجرى من إصلاحات اقتصادية واجتماعية.
وأعتقد أنه إذا لم نسارع بالعودة والاهتمام بترشيد الإنجاب أو تحديد النسل، فلن تتحسن معيشــة المواطنين بالكيفيــة المطلوبة فى ظل هذه الزيادة المطردة فى عدد السكان بمصر والتى وصلت حاليًا إلى حوالى مليون طفل كل 6 أشهر.
وخطورة المشكلة لا تقتصر على زيادة معدل النمو السكانى وحده (2.5%) وإنما هناك تداعيات أخرى تتزامن وترتبط بتلك الزيادة السنوية فى عدد السكان.. وأهمها: سوء توزيع السكان على الأرض المصرية، فضلا عن تصاعد المشكلات المتعلقة بما يسمى الخصائص السكانية، مثل انتشار الأمية، وزيادة معدل البطالة بين الشباب وخريجى التعليم، وعمالة الأطفال، وزيادة العمر الافتراضى للمصريين.. وأيضا ما يرتبط بكل ما تقدم من «المزاحمة» فى الحصول على التعليم الجيد والمناسب للتأهيل لسوق العمل، وأيضا تدنى الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين بسبب ضعف الموارد من جهة وبسبب زيادة الأعداد وظهور أمراض جديدة تتطلب علاجات خاصة بتكلفة مرتفعة نسبيا.
ومن المعروف أنه لكى يشعر المواطن بتحسن فى مستوى معيشته فلابد أن يكون معدل النمو السنوى فى الاقتصاد القومى ثلاثة أضعاف معدل الزيادة السكانية، بل وقيل أيضا إنه يجب ألا يزيد معدل النمو فى الزيادة السكانية زائد معدل التضخم فى المجتمع على معدل النمو فى الناتج المحلى الإجمالى.
ولو ترجمنا هذه المعادلة الأخيرة إلى أرقام فعلية.. فسوف يصاب البعض منا بالصدمة إن لم يكتف بالتشاؤم!
ولذلك سنقصر الحديث حول المعادلة الأولى والخاصة بضرورة أن يكون معدل النمو فى الاقتصاد ثلاثة أضعاف معدل النمو فى السكان.
وللأسف.. فبعد 25 يناير 2011 كان معدل النمو فى الاقتصاد بالسالب للأسباب المعروفة وقتها، وقد تحسن هذا المعدل وبعض المصادر تصل به حاليا إلى حوالى 5%، ومعنى ذلك أننا مازلنا فى المنطقة «القلقة» ونحتاج أن يصل هذا المعدل إلى أكثر من 8% مادام معدل النمو السكانى ارتفع مرة أخرى بعد أن انخفض من قبل إلى حوالى 2.1% فقط سنويا.
من جهة أخرى ولأن المصريين يعيشون على مساحة 7% فقط من مساحة مصر الشاسعة فهذا يعنى ببساطة ما يسمى بالتركز السكانى فى مناطق الدلتا والساحل، أى أن هناك سوء توزيع للسكان.. والنسبة الأكبر منهم تتركز فى ثلاث محافظات رئيسية هى القاهرة والجيزة والشرقية وبنسبة 30% من إجمالى السكان، بينما هناك محافظات «بتتنشق» على من يقيم على أرضها، منها مثلا محافظة جنوب سيناء وبها حوالى 200 ألف مواطن فقط، وكذلك محافظة الوادى الجديد 250 ألفًا ومحافظة البحر الأحمر حوالى 375 ألفًا، وكلها محافظات شاسعة المساحة.. وأنعم الله عليها بالكثير من الخيرات.
ولكن المشكلة أن فرص العمل الجيدة، والشهرة وتحقيق الطموح - الجامح أحيانا - لا تتحقق إلا بالإقامة فى العاصمة أو القاهرة الكبرى إذا أردنا التوسع، حيث الحكومة والإعلام بكافة أنواعه وأماكن الترفيه والاستمتاع.. وغيرها من عوامل الجذب السكانى، ومن لا يستطع أن يجد له موضع قدم بالعاصمة، فإنه يمسك بتلابيبها ويقطن فى أى مكان على أطرافها.. ولذلك كثرت العشوائيات وساءت أحوال المقيم فيها.
وقد حاولت الدولة من قبل علاج ذلك من خلال ما يسمى «بالاستهداف الجغرافى» أى الاهتمام بالمناطق الفقيرة فى كافة أنحاء الجمهورية وتنميتها وتحسين أحوال معيشة مواطنيها.. ولكن نفسنا قصير وتخذلنا الإمكانات المطلوبة!
وكل ما تقدم نتج عنه ما بسمى بعيوب أو مشاكل فى خصائص السكان فى مصر.. حيث زادت نسبة ما يسمى بعمالة الأطفال، وأصبح الاقتصاد غير قادر على توفير فرص العمل المطلوبة سنويا ومن ثم زادت نسبة البطالة بين الشباب القادر على العمل، واضطرت الأمهات وربات البيوت للنزول إلى سوق العمل للمساهمة فى تغطية تكاليف معيشة الأسرة.
والأهم من كل ذلك أن نتيجة هذه الزيادة السكانية المطردة والمزاحمة فى الحصول على الخدمات الأساسية فى ظل ضعف الموارد ونقص الإمكانات فقد تدنى مستوى التعليم وعدم تمكن البعض فى الحصول على الخدمات الصحية الضرورية.. وبدا الأمر وكأننا نعيش فى ظل «دائرة» مفرغة!
وفى محاولة للعلاج الفردى لجأ شباب القرى والأماكن الفقيرة فى المدن إلى الهجرة الخارجية على الرغم من خطورتها المؤكدة.
وأيضا لجأت العائلات فى الريف المصرى إلى ما يسمى بالتوسع الأفقى فى العمران لتوفير أماكن لأبنائها للإقامة ومن هنا جرى التعدى على الرقعة الزراعية، وتوسع السكن على حساب الأرض الزراعية التى تنتج غذاء البشر.
وأرجو ألا يصدعنا البعض بفلسفة خادعة بمقولة أن الزيادة السكانية «ثروة» فشلنا فى استغلالها، فكيف تكون الزيادة السكانية فى مصر ثروة ونحن ننمو سكانيا بضعف ما يحدث فى الدولة النامية الشبيهة بأوضاعنا، وبخمسة أضعاف النمو السكانى فى الصين وبثمانية أضعاف النمو السكانى فى كوريا؟!
نعم نجحنا فى سنوات سابقة فى خفض معدل وفيات الأطفال من 100 فى كل ألف إلى 29 فقط، وكذلك تحسنت ظروف المعيشة وزاد العمر الافتراضى للسكان - فى المتوسط - إلى سبعين عاما بعد أن كان 60 فقط.
ولكن مازالت المشكلة قائمة وتزداد تأثيراتها السلبية بسبب عدم تحقيق التوازن بين تلك الزيادة السكانية وما تطلبه من موارد ضرورية وهو ما يعنى - ببساطة - انخفاض نصيب الفرد من الدخل القومى، وعلى سبيل المثال لو كان عندك تفاحة فمن الأفضل أن تقسمها على اثنين من الأبناء أو على أربعة أو ستة؟!
والمشكلة أن من يتكلمون عن الثروة السكانية هم بعض المتعلمين وكذلك الأغنبياء الذين يريدون الحفاظ على مكانتهم الاجتماعية وعدم تفتيت ثرواتهم على العديد من الأبناء ولذلك نجدهم هم أكثر الناس حرصًا على تنظيم النسل أو تحديده ولا يزيد عدد الأبناء لديهم على اثنين فقط!
بينما يلاحظ أن نسبة الزيادة فى المواليد تتركز بين الأسر الفقيرة نسبيًّا بحجة المساعدة فى تحقيق دخل للأسرة من خلال تشغيل أبنائهم فى سن صغيرة وفى أى عمل متاح، فضلا عن المعتقدات المتوارثة فى الريف والصعيد تحديدًا بحجة «العزوة» والحفاظ على الحجم الكبير للعائلة أو القبيلة.
مرة أخرى.. المشكلة قائمة ويجب الإسراع فى مواجهتها بفرض تحذيرات ومنع خدمات معينة فى حالة الزيادة، وإقرار حوافز ومنح مجزية فى حالة الالتزام بالتنظيم أو تحديد النسل.. ولو إلى حين!
حفظ الله مصر.. وألهم أهلها الرشد والصواب.