عاجل
السبت 6 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
اعلان we
البنك الاهلي
الفصام المجتمعي وفيروسات النفس اللوامة

الفصام المجتمعي وفيروسات النفس اللوامة

بقلم : لواء أركان حرب/ جمال عمر

النفس اللوامة هي لفظ قرآني عرفه البشر منذ أكثر من أربعة عشرة قرنا قبل أن تعرف البشرية علوم النفس على أيدي علماء المسلمين وعلى رأسهم العلامة الأكبر (ابن رشد) كما يقول عنه علماء النفس والاجتماع في الغرب ، والذي وضع أركانا وأسسا راسخة لعلوم النفس البشرية استمدها من حديث الله عن خلقه للنفس البشرية في أكثر من ثلاثمائة آية مختلفة في القرآن الكريم ، ولولا أن العلماء بعده في شتى بقاع الأرض قد تجاهلوا أو جهلوا هذه الأسس لكان بيننا علوما للنفس أكثر قوة وتأثيرا في علاج النفوس البشرية الغير السوية وما أكثرها ، وبداية بابن رشد ومرورا بإدلر وسيجموند فرويد والعيسي ويونج وانتهاء بأمين عام الجمعية الدولية للطب النفسي الدكتور أحمد عكاشة وما تركوه أو طرقوه لنا من معالم النفس اللوامة ومتغيراتها وتداعياتها ، فلا شك أن ما أصاب النفوس في مصر خلال السنوات الأخيرة من تحول سلبي لا أخلاقي يعد طفرة نفسية غير سوية تحتاج للتوقف عندها ودراستها ووضع الحلول المثالية لها قبل أن تصبح طورا في مراحل تدمير النفوس المصرية التي تعاني وتسبب لبعضها البعض معاناة غير مسبوقة في تاريخ المنطقة وربما العالم أجمع .



ولا شك أن أبرز ظواهر الانحراف النفسي قد تمثلت في ظاهرة ما أطلق عليه شخصيا لفظ (كوكب الأطهار) ، فكل فرد في هذا المجتمع يعتبر نفسه أو يراها من كوكب آخر غير كوكب الأرض يسمى بـ (كوكب الأطهار) ويحدث ذلك فجأة عندما يبدأ الحديث أو الانتقاد لمساوئ وسلبيات غيره من البشر حتى ولو كان هذا الآخر هو أولاده المسئول عن تربيتهم أو زوجته أو عائلته وكأنه شخص آخر مختلف وطاهر وله الحق في محاسبة وعقاب كل البشر غيره وحوله ، والعجيب أنه نفس الشخص الذي يمارس نفس التصرفات والسلوكيات التي يعترض عليها في غيره ويسبه ويلعنه ويطلب رأسه عقابا له عليها ، وذلك هو ما أعنيه بانفصام الشخصية المتفشي بين أفراد الشعب ، والتي أصبحت (فصام مجتمعي مزمن) كما يقول بعض أساتذة الطب النفسي .

والأغرب ليس تفشي الفصام المجتمعي المعدي بين البشر ولكن الأخطر في تطورات هذا المرض وصوره الجديدة المبتدعة التي يتبارى فيها عامة وخاصة الناس ويتنافسون في ابتداعها واختراع مسلسلاتها العجيبة ، فتتحول جنازة قاض منتحر لاتهامه في قضايا رشوة وفساد كبرى إلى مظاهرة تمجيد في الشهيد حبيب الله ، ولا نقول إلا (اللهم لا اعتراض) على قدرك في خلقك ن ولكن إن لم يكن هذا قد انتحر حقيقة وهو فعل مشين شرعا ومن الكبائر دينيا ومجتمعيا ، وقد قتله من يخشى افتضاح أمره من شركائه كما يلمحون أو يشيعون ، فهو شريك ومتهم في أكبر قضايا الفساد والتي لابد وأن تكون سببا للخجل والحياء من الله قبل الناس ، فحتى اغتياله لا يعني مطلقا أنه طاهر بريء ولا يصح مطلقا تحويل جنازته لمظاهرة إثبات فجة انه من كوكب الأطهار ، وبالتالي فهي لا شك ممارسة معيبة لتداعيات فيروسات النفس البشرية اللوامة التي انحرفت واحترفت لوم غيرها ومحاسبته على كل ما تفعله هي نفسها دون حياء والذي قد يسميه البعض جلد الذات في الآخر وتلك أبرز وأخطر مظاهر وأسباب الفصام النفسي المجتمعي .

وليس هذا بغريب ولا مستهجن فنحن نرى سائقي السيارات خاصة الأجرة والتوك توك يقفون في عرض الطريق لأي سبب دون أدنى خجل أو حياء أو مراعاة لغلقه الطريق على غيره ، بل ولديه الاستعداد ليسب ويلعن ويمتهن كرامة أي معترض على فعله ، وكثيرا ما يكون متوقفا ليفتك بسائق آخر قطع عليه الطريق ، وكأن دونه من البشر لا حقوق لهم مثله ، وبنفس المنطق نجد كثيرا منا يستمريء خروج البنت أو السيدة من بيتها وهي شبه عارية وملابسها خاصة السفلية تصف بوقاحة وعهر تفاصيل جسدها بدقة متناهية دون أدنى خجل أو حياء ، ثم يفجعك الفصام المجتمعي المتمثل في للمجلس القومي للمرأة بحملة التاء المربوطة سر قوتها ، ولست أدري كيف أصبح سر قوتها هو سر فجورها بعهر ملابسها ، وكان أولى أن يرافق حملة التاء المربوطة ضد التحرش حملة أخرى تحض على احترام الأنثى لمفاتنها وحرصها على صيانة جسدها المستفز من عيون العامة وليس تعمد منحها الحق في استفزاز الآخرين بمفاتن جسدها الشبه عاري بمنتهى العهر النفسي والمجتمعي ثم التحدي بسر قوتها ، ثم تتحداك إعلاميات وشخصيات نسائية بادعاءات أنه من حق الأنثى أن تلبس ما تشاء لتظهر جمالها ومفاتنها دون أن يكون من حق رجل أو شاب أن ينظر إليها وتضرب مثلا بالغرب وكأنها لم تقرأ أو تعلم أن الإحصائيات الأوروبية تؤكد أن 85% من النساء العاملات يتعرضن للتحرش بسبب ملابسهن وهو ما دفع المؤسسات لفرض زيا للنساء بمواصفات محددة ، ثم نلوم شبابنا على نظره لمفاتن أنثى تتعمد التباهي بجسدها ، ونعتبره تحرش بصري ، ونصرخ فيهم بغض البصر ومكارم الأخلاق ، وهم يرون أن حتى أدعياء الدين وتجاره يحللون لأنفسهم ما يشتهون بفتاوى خطيرة ومتدنية وبلا ضمير ، وهو ما يعقد المشكلة أكثر ولا تجد حلولا سوى ما يمارسه الشباب خلف الكواليس من علاقات مشبوهة أو محرمة تتفشى كالنار في الهشيم .

فنحن الخصم اللئيم والحكم الظالم ، ونحن السبب الفج والنتيجة المفجعة ، بل ونستمتع بتعاطي فيروسات النفس اللوامة فنفعل ما يستهوي نفوسنا ثم نلعنه لو صدر من غيرنا أو مسنا منه ما نكرهه ، ولسنا ببعيد عن موقف الأزهريين في بلادنا الطيبة وهم جميعا يعرفون أن الانتماء لفرقة أو جماعة هو (شرك بالله) صريح ولا جدال فيه وهم يقرأونه كل يوم في سورة الروم في قوله تعالى { ... وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } ، ورغم هذا الوضوح تجدهم مقسمين بين الفرق فبعضهم صوفيا والبعض وهابيا والبعض سلفيا وآخرون من الشيعة ، بل والأعجب هو الإصرار على استمرار تدريس كوارث فقهية مثل استحلال دم الفاسق والعاصي وتكفيره بل وأكل لحم الأسير ونكاح البهيمة لطلبة المدارس الأزهرية دون أي محاولة تدقيق أو تفعيل لتدبر أو ضمير ، بل والأغرب هو ذلك الثبات العميق الذي يتعمدونه حيال تصحيح وتدقيق مناهج الفقه وتقويم الخطاب الديني في زخم الإرهاب المتصاعد وتزايد ظواهر الإلحاد والانحراف والتطرف ، ولكنهم دوما ينددون ويشجبون ويهاجمون كل يعاني منه المصريون والعالم أجمع ، ولكنهم أيضا لا يشعرون أنهم مخطئون في صمتهم وحرصهم على الحفاظ على أهم وأكبر أسبابه بين دفات كتبهم ومناهجهم ، وليس عامة شعبنا ببعيد مثلا عن كثير من قضايا كشف الفساد فالكل يصرخ للقضاء على الفساد ولكنه لا يصدق أنه يحدث واقعا ، وربما يخشى أن يطاله سيف الحساب والعقاب فيشكك في جدية ما يحدث ، بل ويتهم ويخون ويسخر ويستهزئ ، ثم يشيع وينفعل وربما يدافع عن المجرم تحت مسميات غريبة وعجيبة خاصة لو كانت الجريمة هي الرشوة أو التربح والتي يحترفها الجميع ولذلك نجد كثيرا منا يتقمص دوره ومكانه ويصنع قضايا فرعية لطمس القضية الأصلية ولهم في جهابذة الإعلام وأبطال التواصل الاجتماعي المثل والقدوة .

ورغم كل هذا الفصام وغيره الكثير مما يصعب حصره وسرده إلا أنني يقينا .. أحسب أن هذا الفصام المجتمعي وكذلك تداعيات فيروسات النفس اللوامة ليست أكثر من ظواهر صحية مرحلية ، والتي من المنتظر تطورها لأفعال تقويم نفسية مجتمعية تصلح من سلبيات ومساوئ النفوس التي تفجرت بأسوأ سلوكياتها وحروفها في إطار ثورات الربيع العبري التي ضربت مصر كأحد أهم وأكبر أهدافها ، والتي نفخر بأننا لا ننسى أن شعبنا هذا ورغم كل سلبياته قد علم العالم أجمع والمتآمرين عليه خاصة دروسا تاريخية ومؤلمة وأفشل مخططهم كاملا ، وهو ما يبشر بخير كثير في القريب المنتظر رغم كل حملات اليأس والتشاؤم والإحباط والتشكيك ، خاصة وأن حملات محاربة الفساد تتزايد في قوتها وشراستها يوما بعد يوم ولا أمل للفساد في العودة للسيطرة على مقدرات أمور هذا الشعب الذي بدأ يصدق أن الفساد قد اقترب من نهايته وسيرحل بلا عودة ، رغم أنف كل فاسد أو مستمتع بالفساد ، ولا شك أن خالق البشر قد أودع في نفوس خلقه من البشر ما هو كفيل بتقويمهم وإصلاح ما فسد فيهم وبينهم ، خاصة وأنهم المصريون أصحاب الأرض المحروسة بيد الله وعينه التي لا تغفل ولا تنام ، وهم من جعلهم سبحانه خير أجناد الأرض وأصحاب الرباط إلى يوم القيامة ، وهو سبحانه وتعالى الذي شاء أن يكون المصريون هم أصحاب أقدم حضارة مدنية في تاريخ البشرية بشهادته المتكررة في قرآنه الكريم .

 

 

 

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز