عاجل
الأربعاء 13 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي
عـَلام الاختلاف؟!
بقلم
محمد نجم

عـَلام الاختلاف؟!

بقلم : محمد نجم

كانت الصورتان مختلفتان بين ما كان يحدث فى مؤتمر الشباب على أرض الإسماعيلية، وما كان يجرى فى القاهرة بين بعض المؤسسات الرئيسية فى الدولة.



كانت الصورة الأولى من أرض الإسماعيلية.. إيجابية وتبشر بالأمل، حيث رئيس الدولة وأغلبية مجلس الوزراء ينصتون لمداخلات نخبة مميزة من شباب مصر الواعد الذين عرضوا أفكارهم بكل ثقة وحرية، كما تلقوا الإجابات على تساؤلاتهم بكل صراحة ووضوح.

هذا بينما كانت الصورة فى القاهرة مختلفة تمامًا، حيث كان البرلمان فى عجلة من أمره وفاجأ الجميع بالموافقة على تعديلات مختلف عليها لقانون السلطة القضائية مما كان سببًا فى صدور بيانات متتالية من الهيئات القضائية ومداخلات ومناقشات ساخنة على شاشات الفضائيات.

وهاتان الصورتان المختلفتان تثيران العديد من علامات الاستفهام!

فأيهما نريد.. ونطمع فى استمرارها؟

الصورة التى تطمئن الجميع على المستقبل، حيث الشباب الواعد المثقف الواثق بنفسه الجرىء فى التعبير عن أفكاره وآرائه.

أم الصورة التى تكشف عن «تصادم» لا مبرر له بين مؤسستين رئيسيتين فى الدولة، أحدهما معنية بالتشريع والرقابة، والأخرى مسئولة عن حماية الحقوق وضمان الحريات.

وإذا كان «الاختلاف» الذى لا يفسد للود قضية بين المختلفين هو دليل صحة وحيوية للمجتمع، باعتباره تعارضًا بين رغبات ومصالح وحقوق يمكن بالحوار السلس والجاد الوصول فيه إلى «حلول وسط» ترضى طرفى الخلاف.. فماذا عن «التوقيت» ومبادئ «الموائمة» و«الاستقرار»؟

بمعنى.. هل هذا هو الوقت المناسب للخلاف بين البرلمان والقضاء؟ فى ظل ما تخوضه قواتنا المسلحة ومعها أجهزة الشرطة المعنية من مواجهات مع الفلول الإرهابية على أرض سيناء والتى تصادف أننا كنا نحتفل بذكرى تحريرها من الاحتلال الإسرائيلى.

ثم.. ألم يكن من «الموائمة» تأجيل إصدار تلك التشريعات إلى بعد زيارة بابا الفاتيكان، وما تعنيه تلك الزيارة من رسالة إيجابية تتمثل فى التسامح الدينى والاستقرار الأمنى فى مصر؟

وأيضًا.. ألم يكن من الأفضل الانتظار حتى ينتهى مؤتمر الشباب الذى كشف وبشر بأمل حقيقى للمجتمع المصرى من خلال «ورد الجناين» الذين استمعنا واستمتعنا بمداخلاتهم وأفكارهم؟

وكذلك.. أليس هناك ما يسمى بالأولويات التشريعية.. حيث قوانين ضرورية مطلوبة لإعادة تنظيم «الأعمال» فى المجتمع أو للإسراع بإجراءات الإصلاح الإدارى والاقتصادى.. وهو ما يعنى إعادة دوران عجلة الاقتصاد بمعدلها السابق والذى وصلنا فيه وقتها إلى معدل نمو فى الناتج المحلى الإجمالى بنسبة 7% سنويًا؟

فماذا عن قانون الاستثمار الجديد؟ وكذلك تعديلات قانون الضرائب، وقانون المعاشات وذوى الاحتياجات الخاصة، وقانون الإعلام الموحد.. وغيرها من القوانين العاجلة والضرورية؟

هل الأجدى أن يظهر المجتمع مستقرًا ومعبئًا فى مواجهة الإرهاب ومتعاونًا فى القضاء على التحديات الداخلية والخارجية.. أم أن تتصارع مؤسساته وفئاته فى أمور ليست عاجلة ولا تمثل خطورة مؤكدة؟!

لا أدعى علمى بالخلفيات ولا ببواطن الأمور، ولكن ما أعلمه وما لمسته - وقد كنت محررًا قضائيًا - أن القضاء المصرى تحكمه أعراف وتقاليد مستقرة منذ بداية القرن الماضى، وأنه حريص على تنقية صفوفه أولًا بأول، وكثيرًا ما أحيل بعض المنتسبين له إلى لجنة الصلاحية، وكلنا نقرأ ونتابع القرارات الجمهورية التى تنشر بإحالة من تثبت مخالفته إلى وظائف إدارية، أى يتم استبعاده من منصة الحكم إذا لم تصل المخالفة إلى درجة الجريمة التى تستوجب العقاب القانونى بعد المحاكمة الواجبة.

ثم الكل يعلم أن هناك درجات متعددة ومتصاعدة للتقاضى وأيًا كان موضوع القضية (مدنية أو جنائية أو إدارية) ويرتفع تشكيل المحاكم من قاضٍ واحد فى الجنح والمخالفات إلى سبعة قضاة فى النقض أو الإدارية العليا وأحيانًا يصل العدد إلى 11 عند انعقاد الهيئات العامة للدوائر المدنية أو الجنائية بالنقض، أو الإدارية العليا.

والمعنى أن هناك قانونًا ينظم عمل القضاة، وأعرافًا وتقاليد جرى العمل بها لسنوات طويلة تغلق الباب أمام المحاباة أو المجاملة.. وأعنى بها «الأقدمية».

كما أن تلك الأقدمية معيار أساسى يجرى العمل به فى قطاعات أخرى من الدولة ومنها وزارات الخارجية والدفاع والشرطة.

على أية حال.. مازال الخلاف بين البرلمان والقضاء قابل للحل، ولدينا رئيس يحكم بالعقل والقانون، وقد فعلها من قبل عندما أعاد قانون الخدمة المدنية للبرلمان لإعادة النظر فيه وتعديل ما اعترض عليه من بعض فئات المجتمع، وهو ما حدث بالفعل.

ومن حسن الحظ أن الدستور يتيح لرئيس الجمهورية - باعتباره رئيس الدولة - أن يحكم بين السلطات ويرأب ما قد يحدث بينها من صدع.

ومن حسن الحظ أيضًا.. أن قضاتنا احتكموا للرئيس فى خلافهم مع البرلمان.

وهذا الخلاف الطارئ بين البرلمان والقضاة ليس الموضوع الوحيد الذى يزعج المجتمع الراغب فى الاستقرار والتعاون بين مؤسساته.

فهناك أيضًا ما يشبه الحملة الإعلامية المنظمة على الأزهر الشريف، حيث نفاجأ ببعض الشاشات الفضائية تستضيف بعض المدعين الذين لا ماضى لهم ولا حاضر، ولا لهم إنتاجًا فكريًا يعتد به، وتتيح لهم مساحات زمنية طويلة يتحدثون فيها بعصبية وهجوم غير مبرر على الأزهر وشيخه، والغريب أنه عندما يحاول الأزهر الرد والتوضيح يحال بينه وبين ذلك بحجج واهية غير مقنعة.

فهل الخلاف بين البرلمان والقضاء.. والهجوم المتزامن على الأزهر مجرد مصادفة؟!

أم أن هناك من يحاول «العبث» باستقرار المجتمع والتعاون المستمر بين مؤسساته المختلفة؟

أعتقد أن الشعب المصرى - الذى يفهمها وهى طايرة - لن يسمح بالعبث فى مقدراته واستقراره والتصادم بين مؤسساته، وسوف يلفظ هؤلاء المدعين الذين لا نعلم خلفياتهم ولا دوافعهم الحقيقية.

حفظ الله مصر.. وألهم نخبتها الرشد والصواب.

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز