عاجل
الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
أكشاك الفتاوى عودة للوراء نحو تجديد الخطاب الديني

أكشاك الفتاوى عودة للوراء نحو تجديد الخطاب الديني

بقلم : د.إيمان بيبرس

"أكشاك فتاوى مترو الأنفاق" هل هذا ما توقعناه بعد مطالبات الجميع بضرورة تجديد الخطاب الديني من الأزهر الشريف؟! أم هذا ينحدر بنا إلى طريق العودة للوراء!؛ فعلى عكس ما كنت متوسمة خيرًا نحو ثورة تجديد الفكر والخطاب الديني في مقالتي التي كتبتها في أوائل هذا العام بعنوان " الخطاب الديني ما بين التجديد والتجميد" والذي دعا إليها الرئيس للأزهر الشريف باعتباره المنبر لتعاليم الدين الإسلامي السمحة، وأكد الأزهر أنه سينتهج إستراتيجية وخطة جديدة نحو القضاء على الفكر المتطرف والإرهاب، فوجئت وبشدة حينما خرجت علينا لجنة الفتوى التابعة لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف باستقبال المواطنين داخل كشك بإحدى محطات مترو الأنفاق للاستماع إلى أسئلتهم والإجابة عليها.



فأنا يا عزيزي القارئ لست ضد توفير الفتاوى التي تجاوب على استفسارات المسلمين وترفع الحرج عنهم، ولكن أعترض على فكرة وجودها في محطات مترو الأنفاق، لعدة أسباب بالحجج والمنطق ، تتلخص فيما يلي:

·  فهل هذا هو المكان المناسب لتلقي فتوى؟

·  وهل التوقيت ملائم لتلقي فتوى؟

· وهل هذه الأكشاك لا تحتاج لتوفير قوات أمن؟

· وهل نحن في حاجة إلى هذه الأكشاك فعليًا؟

· هل ستصبح أماكن وسائل المواصلات مقصد للعبادة ؟

هذه تساؤلات عديدة طرأت في ذهني وأيضًا ينبغي أن تطرأ في ذهن كل مواطن، فأين إعمال العقل والتفكير إذًا؟!، وإليكم في السطور التالية نفند سويًا هذه التساؤلات على النحو التالي:

أولًا: بالنسبة لمحطات المترو فهل تعد المكان المناسب لتلقي فتوى؟ فأحب أوضح لكم أن لكل مقام مقال فمن يريد الفتوى ويريد معرفة الصحيح في تعاليم دينه يجب عليه الذهاب للأماكن الشرعية المخصصة لذلك، وليس إقامة أكشاك للفتاوى في محطات المترو؛ لأن مصر لكل المصريين ومعني وجود أكشاك الفتاوى في محطات المترو للمسلمين سيؤدي إلى حدوث تفرقة عنصرية بين فئات الشعب المتلاحم لأن أخواتنا الأقباط سيكون من حقهم إقامة مثل هذه الأكشاك لتعاليمهم؟!، وهنا سنفتح الباب أمام الحاقدين لإثارة الفتن الطائفية بين أبناء شعب مصر.

ثانيًا: بالنسبة للتوقيت فهل يعد ملائم لتلقى الفتوى؟ فأغلب المواطنين يركبوا المترو شبه يوميًا ولا تستمر رحلتهم سوى دقائق، هل هذا الوقت مناسب للاستماع لوعظ ديني أو تقديم فتوى؟! فقد درسنا أن الرسالة لكي تصل للجمهور ينبغي أن لا تتعرض للتشويش، في حين كلنا نعلم مدى إزعاج صوت صفير قطار المترو أثناء السير وصوت آلات التنبيه فنحن نكاد نسمع الهاتف المحمول بصعوبة وهو على أُذننا، فكيف سيتم الاستماع إلى الفتوى والوعظ الديني وسط هذا التكدس والتزاحم وعدم وجود منافذ تهوية جيدة!؛ بالإضافة إلى أن الزحمة تعطل من سير الحركة داخل المحطات وما يترتب عليها من تأخير المواطنين على مواعيد عملهم وبالتالي البطء في خط سير الحركة الإنتاجية وتحميل الدولة أعباء التقصير في العمل.

 ثالثًا: هل هذه الأكشاك ليست في حاجة لتوفير قوات أمنية وتتسبب في تحميل الدولة أعباء زيادة نحن في غنى عنها؟ وذلك لأن ببساطة سيحدث تكدس من المواطنين وتجد الطوابير حول هذه الأكشاك، لأن الفتوى ليست دقائق وإنما يحتاج المواطن لشرح وفهم واقتناع حتى يعمل بالفتوى وهذا سيتطلب وقت كبير وبدوره سيعمل على التزاحم، وما بدوره قد نحتاج لتكثيف أمني وتكلفة زيادة على الدولة منعًا لحدوث أي شئ منفر وسط التجمعات والتكدسات يتسبب في زعزعة استقرار وأمن المواطن والبلاد.

رابعًا: يتبقى السؤال الأهم يا عزيزي القارئ؛ هل نحن في حاجة لهذه الأكشاك فعليًا؟ وللإجابة علي هذا السؤال من خلال شقين: أولهما_ إذا أصبح شغلنا الشاغل هو معرفة الفتاوى في أمور حياتنا فقط وإذا كان هذا ما يشغلنا حقًا فما هو دور الأماكن الشرعية للفتوى؟!، فهنا يجب ضرورة تثقيف المواطنين بخدمة الفتوى الإلكترونية التي تقدمها دار الإفتاء المصرية والأزهر الشريف للناس للحصول على فتواها دون الحاجة إلى السفر أو قطع المسافات، أو تعطيل مصالح ناس أخرى، وأيضا التوعية بالتواصل من خلال الاتصال بأرقام خدمات الفتاوى المتاحة بسهولة على مواقعهم الإلكترونية.

أما الشق الثاني وتأتي أهميته في حاجتنا نحن المسلمين نحو تعاليم ديننا الحنيف بالتسامح، وهنا كان من الأجدى على قادة وعلماء الأزهر الشريف أن يعلموا المواطنين الفكر الصحيح، لأن أي فكر خاطئ يقضي عليه فكر صحيح، وهذا ما كنت أتوقعه خلال هذه المرحلة التي نعايشها ونحتاج فيها إلى تقويم فكرنا؛ فكان عليهم أن يقوموا بتعليم طلاب وشباب الأزهر وجميع المسلمين بكيفية إعمال العقل والأخذ بالأسباب والبحث والقراءة عن كل ما يخص تعاليم الدين السمحة لنشرها بين المواطنين، وليس إقامة كشك لإعطاء فتوى قد يعمل بها الفرد أو لا دون اقتناع، فالعقل يفعل دائمًا ما يبرره.

وخامسًا وأخيرًا، بالنسبة لأماكن وسائل المواصلات هل ستصبح مقصد للعبادة ؟ فالمتعارف عليه أن محطات المترو هي وسيلة مواصلات عامة وليست مكان للعبادة، وإلا سنجد فيما بعد انتشارها أيضًا في محطات القطار أو المطار، وغيرها ، وبالتالي أوجه رسالتي لهيئة مترو الأنفاق بأنه كان من الأفضل أن يستغل كل مكان في المحطات لإقامة نشاط تجاري أو خدمي لتوفير مقابل مادي تستطيع من خلاله الهيئة أن تقوم بالصيانة بشكل دوري للقطارات، وتوفر منافذ تهوية للمواطنين، وتعمل على رفع كفاءة النظافة وجودة الخدمة المقدمة، فضلًا عن توفير مكان للإسعافات الأولية مجهز بالشكل الصحي المطلوب، مما سيكون أثره الطيب واضح على المواطن برضاه بالخدمات المقدمة وبالتالي زيادة الانتماء لبلاده بالعمل والجد والإنتاج.

وعلى الجانب الأخر؛ لا أعرف مثلك أيها القارئ ما مدى الالتزام والمصداقية حول تصريحات وزير النقل خلال أحد البيانات الصحفية لوزارته بأن أكشاك الفتاوى ستقوم بعملها حتى عيد الأضحى المبارك، وبعده مباشرة سيتوقف العمل بها؟ فهل سيلتزم الوزير بتصريحاته؟ أم تعتبر مجرد هدنة حتى لا يثار الرأي العام حولها، وبعد ذلك يتم تعميم هذه الأكشاك في كافة المحطات، وفي كلتا الأحوال أطالب بإسمي وبإسم كل مصري مسلم غيور على الإسلام بأن يتم إزالة تلك الأكشاك فورًا لما من شأنها تقليل قدسية وقيمة الفتاوى فهذا ليس موضعها ولا مكانها الصحيح والملائم لها.   

وأخيرًا مرة أخرى فأنا لست ضد وجود أماكن للفتاوى ولكن لابد من تواجدها في الأماكن الشرعية المخصصة لها، لأننا بشكل أو بأخر سنجد من يخرج علينا ويطالب بتشكيل هيئة للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، كما كان هناك دعوة بتشكيلها من قبل في عهد النظام السابق، وهنا سنجد أنفسنا بطريقة أو أخرى ننساق وراء الفكر المتطرف والجماعات التكفيرية!.

 

*خبيرة دولية في قضايا النوع الاجتماعي والتنمية الاجتماعية

وخبيرة في تطبيق التنمية المستدامة في المناطق العشوائية

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز